معركة العراقيب: وثائق تاريخية تكشف للمرة الأولى ملكية البدو للأرض (1-2)

حجم الخط

بقلم: نتعئيل بندل

- موشيه ديان: "نقل البدو إلى مناطق جديدة سيلغي حقهم كأصحاب للأرض ويجعلهم مستأجرين"
- عملية عسكرية في العام 1951 لفصل البدو عند أراضيهم بالقوة.. واقتراح لـ "ترانسفير" قريب

يسود الهدوء هنا في قرية العراقيب غير المعترف بها في النقب. قبل شهر كان الوضع أيضاً هادئاً في حين أنه كانت تجري على بعد 30 كم "أعمال شغب" تتعلق بتشجير الأراضي، في الوقت الذي كان فيه نظر الحكومة متوجها نحو الجنوب على أمل التهدئة. الآن الوضع هادئ على السطح، لكن تحته يشخصون في وزارة العدل قضية اخرى متفجرة، ربما أكثر من التشجير، "ملف استراتيجي وطني"، هكذا يصفون في الوزارة التي تقع في شارع صلاح الدين في القدس هذه الدعوى، المعيارية ظاهرياً، والتي مصدرها هذه القرية.
يبدو أنه لا يوجد حقاً أي شيء خاص في هذا الملف. دعوى أخرى حول ملكية البدو لأراضٍ في النقب قامت دولة اسرائيل بمصادرتها بعد "حرب الاستقلال". دعوى أخرى من شأنها، مثل كل سابقاتها، أن ترفض. فعليا في وزارة العدل يعتقدون أن فوز الدولة بهذه القضية سيؤدي الى نهاية دعاوى الملكية للبدو في النقب، وحسب رأيهم هذه هي القضية الأخيرة.
ولكن في هذه المرة مرفق بهذه الدعوى ملحق يمكن أن يغير القصة، حتى لو كانت احتمالية ذلك غير كبيرة. يدور الحديث عن رأي للبروفيسور غادي الغازي، من قسم التاريخ في جامعة تل ابيب. في بحث معمق أجراه تم الكشف عن عملية عسكرية قادها موشيه ديان، كان هدفها، كما يتضح من الوثائق، فصل البدو عن اراضيهم بالقوة. "سيلغي نقل البدو الى مناطق جديدة حقهم كأصحاب للارض، وسيكونون مستأجرين لاراضي الدولة"، كتب ديان، الذي كان في حينه قائد المنطقة الجنوبية، في رسالة عثر عليها الغازي. في وثيقة أخرى وجدها للحاكم العسكري كتب، حسب قوله، عن رفض البدو الانتقال والتنبؤ بأنه "اذا لم يتم نقلهم بارادتهم فان الجيش سيضطر الى نقلهم". وحتى اذا كانوا في وزارة العدل يؤمنون بأن هذا الملف سينتهي مثل سابقيه فانه توجد احتمالية بأن هذه المواد التاريخية يمكن أن تصبح سابقة قضائية، مع تداعيات اكبر من اعتراف محتمل باحدى القرى.
من السهل الوصول الى قرية العراقيب أو ما تبقى منها. نسافر جنوبا في شارع 40 ونمر بمفترق لاهفيم وعندها ننحرف يمينا الى ما يظهر خرائب للبلدة. المقبرة القديمة، التي توجد فيها، هي ربما الشاهد الأكثر وضوحا على الحياة التي كانت هنا. عشرات المرات قامت السلطات باخلاء هذه القرية التي تمتد على مساحة 2000 دونم تقريبا. سكانها يعودون اليها ويبنون. الآن توجد هنا خيمة ولافتتان تجاريتان، إحداهما تستخدم كمأوى من اضرار الطقس أكثر مما تستخدم لتوجيه الحركة.
بدرجة كبيرة قصة العراقيب هي قصة الشتات البدوي. عشرات آلاف الدونمات، التي عاشوا وما زالوا يعيشون فيها، لكن غير معترف بها من قبل الدولة. رسميا هم تركوا أراضيهم في فترة الحرب، ولم يعودوا، وهذه الأراضي تمت مصادرتها من قبل الدولة. بعد ذلك جاء قانون "شراء الأراضي" في العام 1993 والذي حول ذلك الى وضع مستمر. ينص القانون على أن الأراضي التي تمت مصادرتها سيتم نقلها الى سلطات الدولة إذا لم يكن أصحابها العرب، الذين ما زالوا يعيشون في اسرائيل، فيها بين 15/5/1948 و1/4/1952. شرط آخر هو أنه في تلك الفترة الزمنية تمت مصادرة الارض لغرض "تطوير ضروري" وما زالت تستخدم لهذا الغرض.
فعليا صادرت الدولة 247 ألف دونم في النقب، لكن 66 ألف دونم منها لم يتم استخدامها حتى الآن. أدى هذا الى موجة دعاوى من قبل البدو، لكن هذه الدعاوى تم رفضها مرة تلو الاخرى. "إزاء الطابع الخاص لقانون الشراء والظروف التاريخية الفريدة التي أدت الى سنه، لا يوجد الآن مجال للاستئناف على شرعية المصادرات التي تمت بقوة هذا القانون"، هذا ما كتبته المحكمة العليا في القرارات القضاة الثلاثة فيما يخص عائلات أبو فريح والعقبي ودينار. في احد القرارات قال قاضي المحكمة العليا، آشر غرونس، إنه رغم أن السلطات موجودة لمناقشة كل حالة من هذه الحالات إلا أنه "في نهاية المطاف من الناحية العملية القرار هو قرار نظري بدرجة كبيرة".
نظري، ولكنه أمر محتمل. بالتأكيد عندما ينضم الى ذلك الآن ادعاء جديد بأن المصادرة نفسها كانت غير قانونية. يشار ايضا الى أنه أصبحت هناك شهادات على أن السكان لم يغادروا ولم يهربوا، بل تم طردهم بالقوة من قبل الجنود. ولكن الآن في أعقاب تحقيق الغازي فان الحديث لا يدور فقط عن شهادات البدو، كما يبدو، فهناك ايضا إثباتات على خطة منظمة للدولة في هذا الموضوع.

الانتقال لفترة قصيرة
ولد اسماعيل محمد سالم أبو مديغم في العام 1939 في العراقيب. هو ابن عائلة عاشت هنا منذ سنوات كثيرة. كان للعائلة مزروعات مختلفة مثل القمح والشعير والذرة. وأيضا كان لها حيوانات مثل الجمال والخيول والحمير والاغنام. في فترة الانتداب، في طفولته، تعود على الذهاب مع عمه الى بئر السبع لبيع الاغنام. "كان عمري تسع سنوات عند اندلاع حرب 1948"، قال في تصريح له للمحكمة. "خفنا من هجمات الجيش، وانتقلت عائلات في المحيط الى ارضنا كي تكون أقل عرضة للهجمات. بعد انتهاء الحرب عادت العائلات الى اراضيها".
عندما كان عمره 14 سنة، يتذكر، جاء الحاكم العسكري الى القرية للتحدث مع جدي. "لقد أمره بالانتقال لفترة قصيرة. قيل لنا إن الجيش يخطط لإجراء تدريبات في المنطقة وبعد ذلك يمكننا العودة". تم نقلهم الى مكان آخر على بعد مسافة 300 متر عن أراضيهم. بعد ذلك عادوا الى العراقيب وفيما بعد اشترى بيتا في رهط، غير بعيد عن اراضي العائلة. "في هذه الفترة لم اعرف أنه يوجد ادعاء للدولة بأن الارض ليست لنا، أو أنه تمت مصادرتها". ولكن عندما بدأت عمليات الاخلاء المتكررة عرف، مثل سكان المكان الآخرين، بأن اراضيهم لم تعد لهم، ولم يكن ذلك من ناحية الدولة.
عمليا، تحولت العراقيب في العقد الأخير الى راية لنضال البدو من أجل ملكيتهم في اراضي النقب. عشرات المرات جاء رجال سلطات الدولة، وقاموا باخلاء من اعتبروا غزاة، ومن يعتقدون أن هذه هي اراضيهم وأن هذا وطنهم. ولكن قرار الحكم الذي أصدره غرونس اعطى للعائلات الأمل ايضا. هذه الثغرة الضيقة جعلت عائلة أبو مديغم وعائلة ابو فريح تقدم دعاوى ملكية على الـ 2000 دونم في العراقيب للمحكمة المركزية في بئر السبع بواسطة المحامي ميخائيل سفارد والمحامي كارمل كومرنتس.
في السابق تم تقديم دعوى مشابهة لقبيلة اخرى من المنطقة وتم رفضها. ولكن في هذه الدعوى لم يكن هناك الرأي التاريخي للغازي. "حتى لو لم نفز بالدعوى- لا سمح الله- فانني حققت رغبتي"، قال الدكتور عواد ابو فريح، رئيس قسم التكنولوجيا الحيوية في كلية تسبير والمدعي الرئيسي في القضية. "التاريخ محكيّ ومكتوب. قصتي وقصة والدي وجدي انتصرت. هذه لم تعد حالة أو مجرد اسم. هذه هي العراقيب التي صممت على الاستمرار والبقاء وترفض الخضوع حتى لو دفنوها حية".
في البحث كشف الغازي للمرة الاولى العملية التي انطلقت في تشرين الثاني 1951، عملية واسعة النطاق لقيادة المنطقة الجنوبية بمصادقة رئيس الأركان في حينه، يغئال يدين، لإخلاء البدو ونقلهم الى منطقة اخرى في النقب. للوهلة الاولى كان ذلك له مبررات أمنية، لكن ايضا كان هناك هدف آخر وهو فصل علاقتهم بالأرض. "الرأي الذي تم تقديمه يثبت بأن ما تم نفيه في الكنيست بصورة صريحة من قبل دافيد بن غوريون حدث. كيف تم ذلك؟ تم اجراء نقل منظم للبدو من شمال غرب النقب الى الشرق، الى مناطق قفراء بهدف السيطرة على اراضيهم"، قال البروفيسور الغازي للصحيفة. "تم الأمر من خلال استخدام التهديد والعنف والرشوة والخداع".
حسب اقواله فان الرأي يظهر كيفية حدوث العملية، حتى مستوى البطاقات التي تبادلها ضباط الحكم العسكري الكبار فيما بينهم الذين نفذوا العملية، والذين عرف الكبار من بينهم بأن الامر يتعلق بعملية غير قانونية. لذلك، قال، كان من المهم عدم اعطاء البدو أوامر "نقل خطية"، لكن هناك المزيد من الاكتشافات. مثلا، "معارضة البدو واحتجاجهم، والتصميم الذي حاولوا من خلاله التمسك بالارض حتى بثمن الجوع والعطش، ولا نريد الحديث عن تهديدات الجيش". اكتشاف حاسم آخر توصل اليه هو الطريقة التي صيغت بها الرواية الرسمية. "يمكن أن نظهر مرحلة تلو الاخرى كيف تمت مراقبة وتعديل التقارير الى أن وضعت الرواية التي تقول بأن البدو انتقلوا بارادتهم".
الغازي، الذي يلعب منذ سنوات دورا في نضال السكان البدو بشكل عام وابناء العراقيب بشكل خاص، بدأ هذه الحملة في العام 2011. في حينه بدأ يحقق عميقا في وثائق ارشيف وزارة الدفاع وكيبوتسات النقب. "سمعت امورا وأردت أن أعرف إذا كانت حقيقية"، قال. "وجدت ثروة في ارشيف الكيبوتسات. وأحيانا وجدت نفسي مع موظفة في الارشيف بذلت جهودها لسنوات في جمع وتنظيم المواد. وأحيانا تم توجيهي للتنقيب في خزانة قديمة. على أي حال، لم اتخيل أنه بالتدريج سيتحول هذا الى تحقيق يشغلني ثماني سنوات". سنوات البحث هذه قادتني الى رسالة أرسلها ديان في 25 ايلول 1951 الى القيادة العامة. "يمكن الآن نقل معظم البدو الذين يوجدون في محيط كيبوتس شوفال الى مناطق تقع جنوب شارع الخليل – بئر السبع"، كتب قائد المنطقة الوسطى في حينه. "بهذه الطريقة سيتم اخلاء 60 الف دونم تقريبا من اجل فلاحتها واقامة قرى عليها. بعد عملية النقل هذه لن يكون هناك بدو في شمال شارع الخليل – بئر السبع".
طرح ديان اعتبارات أمنية لنقل البدو الى منطقة الحدود مع الأردن، لكنه ايضا طرح اعتبارات اخرى، "نقل البدو الى مناطق جديدة سيلغي حقهم كأصحاب للاراضي، وهم سيكونون مستأجرين لأراضي الدولة". تعابير مشابهة اطلقها ديان قبل سنة من ذلك، في حزيران 1959، في جلسة "مباي". "يجب على سياسة الحزب أن تكون موجهة بحيث نرى هذا الجمهور، الذي يعد 170 ألف عربي، وكأنه لم يتم البت في مصيرهم. آمل أنه في السنوات القريبة القادمة ستكون هناك امكانية اخرى لتنفيذ ترانسفير لهؤلاء العرب من أرض اسرائيل"، قال. وبعد سنة من ذلك، كما يتبين من الوثائق، نفذ ذلك ولو جزئيا.
رسالة ديان لم يكن من السهل العثور عليها، قال الغازي. "في تشرين الثاني 2017 تم الكشف على الملأ عن ملف ضخم ومشوش لمراسلات الحاكم العسكري يضم 1037 صفحة. الملف الذي تم مسحه ضوئيا كان في وقت ما مجلدا سمينا موجودا على أحد الرفوف، مليء بالمراسلات الممتعة والمملة، دون أي ترتيب. أقلب على الشاشة الأرشيف وأتعثر بالصفحة 999، كما يبدو خلل بسيط – شخص ما لم يفكر بأنه ستكون هناك ملفات طويلة كهذه".

عن "هآرتس"