تهب رياح طيبة من جهة دول الخليج نحو إسرائيل، فما إن انتهت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس إسحق هرتسوغ إلى الإمارات في بداية الأسبوع الماضي، حتى بدأت زيارة تاريخية ومهمة أخرى لوزير الدفاع بني غانتس إلى البحرين. وكلاهما شقا طريقيهما إلى مقصدهما في سماء السعودية، صديقة إضافية، حتى وإن كانت تفضل إبقاء علاقاتها مع إسرائيل في الظلال في هذه المرحلة.
صحيح أن زيارة هرتسوغ كانت زيارة مجاملة وفقاً لكل قواعد الطقوس، ولكن هناك جوهراً حتى في الطقوس والرمزية. فبعد كل شيء، زيارة رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع من إسرائيل، التي كانت في الغالب سرية ومخبأة عن العيان، تعدّ في الدول العربية اضطرارية، ويشرحها حكام العرب بهذه الطريقة لأبناء شعبهم. لكن زيارة هرتسوغ للإمارات مختلفة، فهي زيارة رسمية لرئيس دولة، وكلها تعبير عن صداقة حقيقية.
وبالتالي، فإن دول الخليج لا تخشى زيارات كهذه، ولا تكلف نفسها عناء إخفاء وجودها. العكس هو الصحيح، نشيد “هتكفا” يعزف على رؤوس الأشهاد، وفي ذلك ما يشهد على ثقة بالنفس، وثقة بمتانة وأهمية العلاقات مع إسرائيل، والمهم ثقة بالتأييد الواسع الذي تحظى به اتفاقات السلام مع إسرائيل في أوساط الجمهور الخليجي. هذه هي ميزة العلاقات بين إسرائيل وهذه الدول، مهما كانت وثيقة وذات مغزى، والتي تقيمها إسرائيل مع دول عربية محيطة بها. في هذه الدول، لا يحاول الحكام تجنيد الجمهور في تأييد السلام لأنهم يفترضون، بالخطأ غالباً، بأن أبناء شعبهم يعارضون كل علاقة واتصال مع إسرائيل؛ بسبب أجواء سامة تبثها وسائل الإعلام العربية. لقد جاءت زيارة هرتسوغ إلى الإمارات في الوقت الذي وجدت فيه هذه الدولة نفسها تحت هجمة صواريخ الحوثيين من اليمن. الأيادي أيادي الحوثيين، لكن الصوت صوت طهران التي تقف خلفهم وتزودهم بالصواريخ التي يطلقونها بناء على تعليماتها نحو الإمارات، وذات يوم قد يطلقونها أيضاً نحو إسرائيل. أما زيارة غانتس إلى البحرين، بالمقابل، فقد جاءت في موعد قريب من بدء مناورة بحرية كبيرة للأسطول الأمريكي، والتي تشارك فيها السعودية وعُمان، ولأول مرة إسرائيل أيضاً.
لقد غيرت اتفاقات إبراهيم الصورة الجغرافية السياسية في المنطقة ونقلت إسرائيل من الدفاع أمام فروع إيران الذين يحيطون بها في سوريا ولبنان وغزة، إلى صورة الهجوم. فإيران هي رأس التنين، وبدونها سيكون الحوثيون و”حزب الله” وحماس، منظمات إرهاب عديمة الوزن. وثمة استنتاج بأنه ينبغي ضرب رأس التنين لا أذرعه فقط. وهكذا تدحر إسرائيل أقدام طهران من سوريا بنجاح وتثبت لنفسها وجوداً عسكرياً على شواطئ طهران، فيه ما يساعد دول الخليج في الدفاع عن نفسها في وجه الإيرانيين.
تبين أن اتفاقات إبراهيم لم تكن حيلة من إدارة ترامب، ويتبين حطأ أولئك الذين قدروا أن دول الخليج ستفقد الاهتمام بهذه الاتفاقات مع دخول بايدن إلى البيت الأبيض، بل وستغير الاتجاه وتتقرب من إيران.
في الماضي كانت إسرائيل دوماً قوة محركة ودافعة في العلاقات مع الدول العربية، بل وأحياناً أكثر مما أرادت هذه الدول أو كان بوسعها أن تسمح به لنفسها. أما الآن فالأمور مختلفة؛ باتت دول الخليج تبدي حماسة بالفعل، وكل ما يتعين على إسرائيل أن تفعله هو إدراك الوتيرة المدوية التي تمليها هذه الدول.