قرارات المجلس المركزي بين القول والفعل والتحديات التي توجه رئاسة الوطني الجديدة

زياد ابو زياد.PNG
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

لم أكن من أنصار انعقاد المجلس المركزي في هذه المرحلة وكنت أتمنى لو تمت ‏المصالحة وكانت كل ألوان قوس قزح السياسي الفلسطيني ممثلة فيه. أما وقد انعقد فإنني ‏سأحاول في هذا المقال تناول ما خرج عنه من قرارات، وأفحص الجدوى من انعقاده، ‏وما مدى إمكانية البناء على القرارات التي خرج بها والتي لم تكن جديدة في مجملها بل ‏إن بعضها هو بنود تكررت في الجلسات السابقة في الأعوام 2015و 2018و وها هي ‏تتكرر اليوم في 2022.‏

وبعد إعادة النظر فيما حدث فإنني أعتقد بأنه لم يكن عبثا ً وأن من الضروري إعطاءه ‏الفرصة والتعامل معه بإيجابية واستغلاله والبناء عليه.‏

وأبدأ بالقرارات التي تبناها المجلس والتي كما قلت لم يكن معظمها بجديد، ولكنني أعتقد ‏بأن استمرار تكرار هذه القرارات وبالصياغة التي تصدر بها فإنها رتبت إلزاما والتزما ‏على القيادة الفلسطينية بإخراجه الى حيز التنفيذ وإلا كانت السخرية التي قوبلت بها هذه ‏القرارات سواء من قبل إسرائيل أو المعارضة الداخلية أو بعض الناس من بيننا الذين ‏يحلوا لهم جلد الذات ولا يجيدون إلا أن يكونوا كالأسطوانة المشروخة يرددون شعارات ‏قد مل الناس سماعها.‏

ولا بد أن القيادة الفلسطينية تُدرك بأن الناس لا تتغذى على الكلام وأن هذه القرارات ‏الجامعة المانعة التي تعبر في مجملها عن الحد الأقصى لما يتطلع إليه كل واحد من أبناء ‏شعبنا، لا بد وأن تتم ترجمتها أو جزءا ً منها على الأقل الى أمر واقع بخطوات عملية ‏تُعيد للمواطن ثقته بقيادته وتعيد للقيادة هيبتها واحترامها.‏

ولما كانت هذه القرارات تناولت عدة أصعدة تضمنت العلاقة مع إسرائيل ، والعلاقة مع ‏أمريكا والمجتمع الدولي ، والعلاقة على المستوى العربي ، وعلى المستوى الوطني وكل ‏واحد من هذه المحاور يحتاج التوقف عنده كثيرا وتناوله بالبحث والتحليل فإنني ‏سأقتصر هنا على التطرق للمحور الأول وهو العلاقة مع إسرائيل ثم أجنح الى التعليق ‏على التغييرات التي أجريت في هيئة مكتب المجلس الوطني وشرعيتها وهل بالإمكان ‏استخدامها كرافعة لإعادة تسيير مركبة المنظمة التي تصحرت منذ عشرات السنين ‏وتحولت فقط الى مكتب اصدار للبيانات في المناسبات أو لإصدار ردود الفعل التي لا ‏تعدو كونها مجرد تسجيل موقف.‏

وأبدأ فيما يتعلق بإسرائيل فقد تضمن البيان “‏‎ ‎تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل لحين ‏اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس ‏الشرقية ووقف الاستيطان. ووقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة. وتحديد ركائز عملية ‏للاستمرار في عملية الانتقال من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة ذات السيادة. ورفض ‏مشروع السلام الاقتصادي وخطة تقليص الصراع وإجراءات بناء الثقة التي تطرحها ‏إسرائيل كبديل عن السلام الدائم والعادل بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من ‏حزيران وعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان الاستعماري وابتلاع أراضي ‏الدولة الفلسطينية”.‏

ويتساءل المرء عن جدية هذه القرارات وعن قدرتها على النفاذ وما الذي يترتب عليها ‏لو أن القيادة الفلسطينية وضعتها موضع التنفيذ أم أنها تنتظر إسرائيل لأدائها حبا ً ‏وطاعة!‏

والجواب ببساطة هو أن تنفيذها يعني الدخول في مواجهة شاملة مع إسرائيل وعلى كل ‏الأصعدة، ولا أعتقد بأن أحدا ً من صناع القرار قادر على التنفيذ العملي لهذه القرارات ‏أو تحمل تبعات تنفيذها ، رغم أن تنفيذها بات استحقاق وطني فلسطيني بعد ثلاثة عقود ‏من المراوغة الإسرائيلية ومن الإصرار الإسرائيلي على المضي قدما ً في المشروع ‏الاستيطاني الاستعماري الذي تطبقه إسرائيل منذ قيامها عام 1948 والذي ليس أقل من ‏نكبة مستمرة لم تتوقف منذ ذلك الحين أساسها التطهير العرقي لترحيل الشعب الفلسطيني ‏وتهجيره من مدنه وقراه وأراضيه وإحلال المستوطنين اليهود مكانه. وهذا هو جوهر ‏نظام التمييز العنصري (الأبرتهايد) الذي بدأ العالم اليوم يفتح عينيه لرؤيته والإقرار ‏بوجوده. ‏

وحيث أن تنفيذ هذه القرارات أعلاه هو استحقاق وطني فلسطيني فإن على الجميع أن ‏يُدرك بأن تنفيذ ذلك الاستحقاق لن يكون ممكنا إلا من خلال استعادة الوحدة الوطنية ‏الفلسطينية تحت راية واحدة وسلاح واحد وبرنامج مقاومة ونضال وطني واحد، لأن ‏إسرائيل لن تتخلى عن احتلالها واستيطانها وخططها لتذويب الصراع من خلال ما ‏يسمونه بتقليص الصراع والسلام الاقتصادي إلا إذا أرغمت على ذلك.‏

فهل تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام أمرا ً ممكنا!‏

لا أبالغ إذا قلت بأن الفرصة ما زالت متاحة لذلك لأنه هو الطريق الوحيد للخلاص ‏ولإفشال المؤامرة التي تحاك ضدنا سواء من قبل إسرائيل أو التواطؤ والمشاركة ‏الأمريكية أو التخاذل الأوروبي الذي لا يُحسن سوى صناعة الكلام أو تآمر وخذلان ‏عرب التطبيع الزاحفين على بطونهم نحو تل أبيب.‏

لقد قلت في بداية هذا المقال أنني سأتطرق الى التغييرات التي جرت في هيئة مكتب ‏رئاسة المجلس الوطني والتي لا أتردد في القول بأنه لا يجوز الاستهانة بها بل بالعكس ‏يجب استخدامها كرافعة لفتح ثغرة في جدار الانقسام ولضخ الدماء في عروق عمل ‏المنظمة التي أصابها التصلب وباتت مسدودة تختنق نتيجة انعدام الاوكسجين الوطني.‏

لقد كنت أتمنى لو أن المجلس الوطني انعقد وفقا للوائحه الداخلية وبمشاركة كافة ‏الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية وأن انتخاب هيئة رئاسته تم قبله مباشرة وليس من ‏خلال وكيله وأقصد المجلس المركزي. ولكنني أعتقد في المحصلة أن ما أسفر عنه ‏اجتماع المركزي لا بد من احترامه والعمل معه وأن على الهيئة الجدية إعادة ‏التموضع داخل المجلس الوطني وليس خارج أسواره. ورغم ما سمعته من انتقادات ‏وشخصنة للموضوع فيما يتعلق برئيس المجلس الوطني الجديد الأخ روحي فتوح إلا ‏أنني أعتقد ومن خلال عملي وعلاقتي الشخصية معه بأنه هو الخيار الأفضل من بين ‏كل الأسماء والوجوه المتصدرة للمشهد. ‏

فالأخ روحي فتوح هو من أكثر المتمرسين بالعمل العام من قبل القدوم الى أرض الوطن ‏وشغل منصب أمين عام المجلس التشريعي لسنوات طويلة ثم رئيسا ً للمجلس التشريعي ‏سنوات طويلة أخرى ثم كان له دور في تطبيق أحكام المادة ( ) من القانون الأساسي ‏عند رحيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات إذ حل محله كرئيس مؤقت للسلطة الوطنية لمدة ‏مائة يوم وأشرف على اجراء انتخابات حرة نزيهة لاختيار رئيس جديد خلفا للرئيس ‏الراحل. ‏

لقد كانت عيون دول المنطقة والعالم تتطلع الى شعبنا آنذاك لترى كيف سيخرج من ‏محنته وهل سيدخل دوامة الانقلابات والصراع على السلطة أم أنه سيقدم نموذجا ‏حضاريا ً لأمته، فكان وجود القانون الأساسي ووجود التزام واحترام لأحكامه من قبل ‏الجميع أمكننا من عبور تلك المرحلة بكل سلاسة واحترام للذات فضربنا المثل الأعلى ‏في الممارسة الديمقراطية التي انتكست لاحقا ً ومنذ الانقسام البائس عام 2007 ‏ووضعتنا على طريق تدمير السلطات الثلاث والمؤسسات والأطر. وها نحن اليوم ‏نترقب فرصة إعادة العجلة الى مسارها السليم. ولا أبالغ إذا قلت بأن آملا ً كثيرة معلقة ‏على الأخ روحي آمل ألا تُصاب بالخيبة. ‏

وأبدأ بالقول بأن أول تحد يواجه رئيس المجلس الوطني الجديد الأخ روحي فتوح هو ‏دحض مقولة أن هناك نية لتمييع ثم انهاء وجود المجلس الوطني واحلال المجلس ‏المركزي مكانه. وليس سرا ً أن المجلس الوطني بكافة لجانه كان معطلا ً ولا يزال منذ ‏سنين طويلة وبالتالي فإن المطلوب أولا ً وعلى طريق إعادة إحيائه تفعيل لجانه وإعادة ‏وتيرة اجتماعاتها الى نمط دوري وإعطائها الدور الفعال الذي يكون له التأثير العملي ‏على قادم العمل. وليس سرا ًأن هناك لجان في المجلس الوطني لم تجتمع منذ تشكيلها في ‏آخر دورة للمجلس عند اختيار أعضائها فاجتمعوا واختاروا رئيسا ً ومقررا ً ثم تفرقوا ‏الى غير رجعة. هذه اللجان لا بد أن تعود للدخول في ورشات عمل وللإسهام في الحياة ‏السياسية والخارجية والقانونية والتعليمية وفي توطيد العلاقة بين الداخل والشتات وبين ‏الوطني والمركزي والدفع باتجاه إعادة الشرعية لمؤسسات السلطة الوطنية من خلال ‏تهيئة الأجواء للعودة الى صناديق الاقتراع وانتخاب مجلس تشريعي كخطوة نحو ‏انتخاب المجلس الوطني.‏

وهناك أيضا ً ثمة تحد آخر يواجه هيئة رئاسة المجلس الوطني وهو إعادة العلاقة بين ‏السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية الى إطارها السليم. فقد تلاشت الحدود بين ‏المنظمة والسلطة بل وتداخلت الصلاحيات وخاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي والمالي ‏وانقلبت الموازين وباتت المنظمة تبدو في بعض الأحيان وكأنها تحت مظلة السلطة ‏بالرغم من أن السلطة هي التي تقف تحت مظلة السلطة وذراعا ً لها. ويجب أن يكون ‏تأكيد حازم بأن المنظمة هي إنجاز وطني لا يجوز ولا يمكن التخلي عنه لأنه هو بمثابة ‏الهوية الوطنية والبرنامج والعنوان لكل المراحل. ‏

فالسلطة قد تفشل وقد تتلاشى أما المنظمة فباقية ويجب أن تبقى الى أن يحقق شعبنا ‏استقلاله وتحرير أرضه. ولن تكون مهمة إعادة ترتيب وتصويب العلاقة بين المنظمة ‏والسلطة بالمهمة السهلة ولكنها تحد واستحقاق على هيئة الرئاسة الجديدة قبوله وتحقيقه.‏

وأخيرا ً فإن علينا جميعا ً سواء من خلال العمل مع هيئة مكتب المجلس الوطني الجديدة ‏ومن خلال الدفع باتجاه تفعيل العمل المشترك بين كافة الفصائل والقوى العمل على ‏إجراء الانتخابات التشريعية بأقرب ممكن والانطلاق منها نحو انتخاب مجلس وطني ‏يكون التشريعي نواته واستكمال تلك النواة من خلال إجراء الانتخابات في الشتات أنى ‏أمكن ذلك لأن الشرعية هي الأساس في معركة الوجود التي نخوضها. فإما أن نكون أو ‏لا نكون. ‏