لم أكن من أنصار انعقاد المجلس المركزي في هذه المرحلة وكنت أتمنى لو تمت المصالحة وكانت كل ألوان قوس قزح السياسي الفلسطيني ممثلة فيه. أما وقد انعقد فإنني سأحاول في هذا المقال تناول ما خرج عنه من قرارات، وأفحص الجدوى من انعقاده، وما مدى إمكانية البناء على القرارات التي خرج بها والتي لم تكن جديدة في مجملها بل إن بعضها هو بنود تكررت في الجلسات السابقة في الأعوام 2015و 2018و وها هي تتكرر اليوم في 2022.
وبعد إعادة النظر فيما حدث فإنني أعتقد بأنه لم يكن عبثا ً وأن من الضروري إعطاءه الفرصة والتعامل معه بإيجابية واستغلاله والبناء عليه.
وأبدأ بالقرارات التي تبناها المجلس والتي كما قلت لم يكن معظمها بجديد، ولكنني أعتقد بأن استمرار تكرار هذه القرارات وبالصياغة التي تصدر بها فإنها رتبت إلزاما والتزما على القيادة الفلسطينية بإخراجه الى حيز التنفيذ وإلا كانت السخرية التي قوبلت بها هذه القرارات سواء من قبل إسرائيل أو المعارضة الداخلية أو بعض الناس من بيننا الذين يحلوا لهم جلد الذات ولا يجيدون إلا أن يكونوا كالأسطوانة المشروخة يرددون شعارات قد مل الناس سماعها.
ولا بد أن القيادة الفلسطينية تُدرك بأن الناس لا تتغذى على الكلام وأن هذه القرارات الجامعة المانعة التي تعبر في مجملها عن الحد الأقصى لما يتطلع إليه كل واحد من أبناء شعبنا، لا بد وأن تتم ترجمتها أو جزءا ً منها على الأقل الى أمر واقع بخطوات عملية تُعيد للمواطن ثقته بقيادته وتعيد للقيادة هيبتها واحترامها.
ولما كانت هذه القرارات تناولت عدة أصعدة تضمنت العلاقة مع إسرائيل ، والعلاقة مع أمريكا والمجتمع الدولي ، والعلاقة على المستوى العربي ، وعلى المستوى الوطني وكل واحد من هذه المحاور يحتاج التوقف عنده كثيرا وتناوله بالبحث والتحليل فإنني سأقتصر هنا على التطرق للمحور الأول وهو العلاقة مع إسرائيل ثم أجنح الى التعليق على التغييرات التي أجريت في هيئة مكتب المجلس الوطني وشرعيتها وهل بالإمكان استخدامها كرافعة لإعادة تسيير مركبة المنظمة التي تصحرت منذ عشرات السنين وتحولت فقط الى مكتب اصدار للبيانات في المناسبات أو لإصدار ردود الفعل التي لا تعدو كونها مجرد تسجيل موقف.
وأبدأ فيما يتعلق بإسرائيل فقد تضمن البيان “ تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل لحين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان. ووقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة. وتحديد ركائز عملية للاستمرار في عملية الانتقال من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة ذات السيادة. ورفض مشروع السلام الاقتصادي وخطة تقليص الصراع وإجراءات بناء الثقة التي تطرحها إسرائيل كبديل عن السلام الدائم والعادل بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان الاستعماري وابتلاع أراضي الدولة الفلسطينية”.
ويتساءل المرء عن جدية هذه القرارات وعن قدرتها على النفاذ وما الذي يترتب عليها لو أن القيادة الفلسطينية وضعتها موضع التنفيذ أم أنها تنتظر إسرائيل لأدائها حبا ً وطاعة!
والجواب ببساطة هو أن تنفيذها يعني الدخول في مواجهة شاملة مع إسرائيل وعلى كل الأصعدة، ولا أعتقد بأن أحدا ً من صناع القرار قادر على التنفيذ العملي لهذه القرارات أو تحمل تبعات تنفيذها ، رغم أن تنفيذها بات استحقاق وطني فلسطيني بعد ثلاثة عقود من المراوغة الإسرائيلية ومن الإصرار الإسرائيلي على المضي قدما ً في المشروع الاستيطاني الاستعماري الذي تطبقه إسرائيل منذ قيامها عام 1948 والذي ليس أقل من نكبة مستمرة لم تتوقف منذ ذلك الحين أساسها التطهير العرقي لترحيل الشعب الفلسطيني وتهجيره من مدنه وقراه وأراضيه وإحلال المستوطنين اليهود مكانه. وهذا هو جوهر نظام التمييز العنصري (الأبرتهايد) الذي بدأ العالم اليوم يفتح عينيه لرؤيته والإقرار بوجوده.
وحيث أن تنفيذ هذه القرارات أعلاه هو استحقاق وطني فلسطيني فإن على الجميع أن يُدرك بأن تنفيذ ذلك الاستحقاق لن يكون ممكنا إلا من خلال استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت راية واحدة وسلاح واحد وبرنامج مقاومة ونضال وطني واحد، لأن إسرائيل لن تتخلى عن احتلالها واستيطانها وخططها لتذويب الصراع من خلال ما يسمونه بتقليص الصراع والسلام الاقتصادي إلا إذا أرغمت على ذلك.
فهل تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام أمرا ً ممكنا!
لا أبالغ إذا قلت بأن الفرصة ما زالت متاحة لذلك لأنه هو الطريق الوحيد للخلاص ولإفشال المؤامرة التي تحاك ضدنا سواء من قبل إسرائيل أو التواطؤ والمشاركة الأمريكية أو التخاذل الأوروبي الذي لا يُحسن سوى صناعة الكلام أو تآمر وخذلان عرب التطبيع الزاحفين على بطونهم نحو تل أبيب.
لقد قلت في بداية هذا المقال أنني سأتطرق الى التغييرات التي جرت في هيئة مكتب رئاسة المجلس الوطني والتي لا أتردد في القول بأنه لا يجوز الاستهانة بها بل بالعكس يجب استخدامها كرافعة لفتح ثغرة في جدار الانقسام ولضخ الدماء في عروق عمل المنظمة التي أصابها التصلب وباتت مسدودة تختنق نتيجة انعدام الاوكسجين الوطني.
لقد كنت أتمنى لو أن المجلس الوطني انعقد وفقا للوائحه الداخلية وبمشاركة كافة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية وأن انتخاب هيئة رئاسته تم قبله مباشرة وليس من خلال وكيله وأقصد المجلس المركزي. ولكنني أعتقد في المحصلة أن ما أسفر عنه اجتماع المركزي لا بد من احترامه والعمل معه وأن على الهيئة الجدية إعادة التموضع داخل المجلس الوطني وليس خارج أسواره. ورغم ما سمعته من انتقادات وشخصنة للموضوع فيما يتعلق برئيس المجلس الوطني الجديد الأخ روحي فتوح إلا أنني أعتقد ومن خلال عملي وعلاقتي الشخصية معه بأنه هو الخيار الأفضل من بين كل الأسماء والوجوه المتصدرة للمشهد.
فالأخ روحي فتوح هو من أكثر المتمرسين بالعمل العام من قبل القدوم الى أرض الوطن وشغل منصب أمين عام المجلس التشريعي لسنوات طويلة ثم رئيسا ً للمجلس التشريعي سنوات طويلة أخرى ثم كان له دور في تطبيق أحكام المادة ( ) من القانون الأساسي عند رحيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات إذ حل محله كرئيس مؤقت للسلطة الوطنية لمدة مائة يوم وأشرف على اجراء انتخابات حرة نزيهة لاختيار رئيس جديد خلفا للرئيس الراحل.
لقد كانت عيون دول المنطقة والعالم تتطلع الى شعبنا آنذاك لترى كيف سيخرج من محنته وهل سيدخل دوامة الانقلابات والصراع على السلطة أم أنه سيقدم نموذجا حضاريا ً لأمته، فكان وجود القانون الأساسي ووجود التزام واحترام لأحكامه من قبل الجميع أمكننا من عبور تلك المرحلة بكل سلاسة واحترام للذات فضربنا المثل الأعلى في الممارسة الديمقراطية التي انتكست لاحقا ً ومنذ الانقسام البائس عام 2007 ووضعتنا على طريق تدمير السلطات الثلاث والمؤسسات والأطر. وها نحن اليوم نترقب فرصة إعادة العجلة الى مسارها السليم. ولا أبالغ إذا قلت بأن آملا ً كثيرة معلقة على الأخ روحي آمل ألا تُصاب بالخيبة.
وأبدأ بالقول بأن أول تحد يواجه رئيس المجلس الوطني الجديد الأخ روحي فتوح هو دحض مقولة أن هناك نية لتمييع ثم انهاء وجود المجلس الوطني واحلال المجلس المركزي مكانه. وليس سرا ً أن المجلس الوطني بكافة لجانه كان معطلا ً ولا يزال منذ سنين طويلة وبالتالي فإن المطلوب أولا ً وعلى طريق إعادة إحيائه تفعيل لجانه وإعادة وتيرة اجتماعاتها الى نمط دوري وإعطائها الدور الفعال الذي يكون له التأثير العملي على قادم العمل. وليس سرا ًأن هناك لجان في المجلس الوطني لم تجتمع منذ تشكيلها في آخر دورة للمجلس عند اختيار أعضائها فاجتمعوا واختاروا رئيسا ً ومقررا ً ثم تفرقوا الى غير رجعة. هذه اللجان لا بد أن تعود للدخول في ورشات عمل وللإسهام في الحياة السياسية والخارجية والقانونية والتعليمية وفي توطيد العلاقة بين الداخل والشتات وبين الوطني والمركزي والدفع باتجاه إعادة الشرعية لمؤسسات السلطة الوطنية من خلال تهيئة الأجواء للعودة الى صناديق الاقتراع وانتخاب مجلس تشريعي كخطوة نحو انتخاب المجلس الوطني.
وهناك أيضا ً ثمة تحد آخر يواجه هيئة رئاسة المجلس الوطني وهو إعادة العلاقة بين السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية الى إطارها السليم. فقد تلاشت الحدود بين المنظمة والسلطة بل وتداخلت الصلاحيات وخاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي والمالي وانقلبت الموازين وباتت المنظمة تبدو في بعض الأحيان وكأنها تحت مظلة السلطة بالرغم من أن السلطة هي التي تقف تحت مظلة السلطة وذراعا ً لها. ويجب أن يكون تأكيد حازم بأن المنظمة هي إنجاز وطني لا يجوز ولا يمكن التخلي عنه لأنه هو بمثابة الهوية الوطنية والبرنامج والعنوان لكل المراحل.
فالسلطة قد تفشل وقد تتلاشى أما المنظمة فباقية ويجب أن تبقى الى أن يحقق شعبنا استقلاله وتحرير أرضه. ولن تكون مهمة إعادة ترتيب وتصويب العلاقة بين المنظمة والسلطة بالمهمة السهلة ولكنها تحد واستحقاق على هيئة الرئاسة الجديدة قبوله وتحقيقه.
وأخيرا ً فإن علينا جميعا ً سواء من خلال العمل مع هيئة مكتب المجلس الوطني الجديدة ومن خلال الدفع باتجاه تفعيل العمل المشترك بين كافة الفصائل والقوى العمل على إجراء الانتخابات التشريعية بأقرب ممكن والانطلاق منها نحو انتخاب مجلس وطني يكون التشريعي نواته واستكمال تلك النواة من خلال إجراء الانتخابات في الشتات أنى أمكن ذلك لأن الشرعية هي الأساس في معركة الوجود التي نخوضها. فإما أن نكون أو لا نكون.