في الوقت الذي تشن فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي عدواناً شاملاً ضد الفلسطينيين، وهناك مقاومة فلسطينية بأشكال وأدوات متعددة، وتأتي في سياق المقاومة الشعبية الفلسطينية بدون تنظيم جدي لإدارة المقاومة وأشكالها وعناوينها، خاصة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، العدوان مستمر وفق سياسات وخطط ممنهجة، تنفذها حكومات الاحتلال الاسرائيلي المتعاقبة، بصبر مرة وتغول وحشي في معظم المرات.
في الأيام الماضية تجدد العدوان الذي لم يتوقف في القدس عموما وحي الشيخ جراح على وجه الخصوص، للاستيلاء على منازل الفلسطينيين في سياق عمليات التهجير والطرد، وسلوك المستوطنين الارهابي والعمليات الاجرامية، واقتحامات ساحات المسجد الأقصى بحراسة قوات الاحتلال الإسرائيلي التي توفر الحماية الدائمة لهم، كما توفرها لعصابات المستوطنين خلال تنفيذ اعتداءات منفذتها ومرتكبي جرائم "تدفيع الثمن" في الضفة الغربية المحتلة.
اليوم الاثنين اقتحم عدد من أعضاء حزب الليكود حي الشيخ جارح، في طريقة تبدو كدعم لما قام به خلال اليومين الماضيين عضو الكنيست المتطرف، إيتمار بن غفير، بافتتاح مكتب له في حي الشيخ في محيط منزل عائلة سالم في حي الشيخ جراح، والمهدد بالاخلاء، واعتداء قوات الاحتلال على الفلسطينيين المتواجدين في محيط المنزل وإخلاء محيط ساحة المنزل للمستوطنين، وعززت سلطات الاحتلال قواتها بشكل كبير في الحي ومحيطه.
ووقعت اشتباكات بين المستوطنين والفلسطينيين المتواجدين في المكان للدفاع عن البيت وعائلة سالم ورفضا لوجود عضو الكنيست بن غفير، وأصيبت فاطمة سالم، 75 عاما بجروح في يدها واعتقل أحد أبنائها وأصيب آخر بالغاز في وجهه، إضافة لاصابة واعتقال عدد من الفلسطينيين.
ووفقا لتقديرات الأجهزة الامنية الاسرائيلية وبعض المحللين الاسرائيليين أن خطوة بن غير وصفة لإشعال المنطقة وصب الزيت على النار، وأن تصاعد التوتر في الشيخ جراح في القدس المحتلة سيؤثر على الوضع الأمني في قطاع غزة أيضا.
لا تزال الذاكرة حية، وأن من أسباب العدوان الإسرائيلي على حي الشيخ جراح نتج عنه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار/مايو الماضي، وعلى الرغم حالة الهدوء التي تسود في قطاع غزة هناك خشية من اندلاع تصعيد عسكري جديد، لا ترعب به دولة الاحتلال، ولا فصائل المقاومة برغم التهديدات التي تطلقها.
وبرغم هذه التقديرات والخشية من تصعيد جديد واندلاع مواجهة شاملة في الضفة والقدس والقطاع، فدولة الاحتلال ماضية في عدوانها، وما يتم تداوله ان دولة الاحتلال لا ترغب في تصعيد خاصة أن شهر رمضان على الأبواب وأن قدسيته تساوي قدسية الأقصى في نفوس وقلوب الفلسطينيين.
كما ان القول ان رئيس وزراء دولة الاحتلال نفتالي بينت لا يملك وسائل الضغط على عضو تلكنيست المتطرف بن غفير لثتيه والتراجع على تفكييك مكتبه، وأن مصلحته توتير الأوضاع وإحراج حكومة بينت الذي لم ينجح في ذلك، كما فعل بنيامين نتنياهو والتوصل إلى اتفاق مع بن غفير لحل المكتب مقابل تعزيز قوات الشرطة في حي الشيخ جراح.
في المقابل يشعر الفلسطينيين في القدس خاصة في حي الشيخ جراح، رغم شجاعنهم وصمودهم وثباتهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وشعورهم بالخذلان من موقف السلطة، إلا أن أرواحهم معلقة وتتجه عيونهم إلى غزة ومقاومتها لإسنادهم كما جرى العام الماضي وما نتج عنه من عدوان إسرائيلي فاشي واجرامي، ولم تلتئم بعد جراح غزة.
وفي ظل الواقع الفلسطيني المتشظي، والعدوان الإسرائيلي المستمر، والغضب الفلسطيني المعتمل في الصدور خاصة على إثر جريمة إغتيال ثلاثة مقاومين من شهداء الأقصى في نابلس في وضح النهار، يشعر الفلسطينينون بالحزن والقهر والظلم وأنه لا سند لهم إلا أنفسهم.
كما يشعر الفلسطينيون بخيبة أمل من انعقاد المجلس المركزي بهذا الشكل الإنقسامي، والذي عمق حال الفرقة ويتم تعززيها بأشكال مختلفة، ومن دون حتى القيام بجردة حساب والاستفادة من دروس الماضي، بل ان القيادة الفلسطينية ماضية في رؤيتها وعلاقتها بدولة الاحتلال، ورفع شعار المقاومة الشعبية بدون ترجمة حقيقية.
جذوة المقاومة الفلسطينية لم تتوقف في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر، والفلسطينيون يحاولون التصدي له بكافة الوسائل، وهناك نماذج عديدة ناجحة في الضفة الغربية استطاعوا من خلالها كبح جماح الاحتلال مؤقتاً، إلا المقاومة بهذه الطريقة تبقى شكل من أشكال الفزعة والعونة، وغياب الوجدة والخطط الوطنية لمواجهة التغول الإسرائيلي الذي يعمل من اجل نحقيق أهدافه الإستراتيجية في حسم الصراع.
في ظل تفكك فلسطيني وكل منطقة من الاراضي المحتلة منشغلة في امورها الحياتية وقضاياها الشخصية وتدافع عن نفسها وحيدة، وعيونها معلفة بغزة التي هي الاخرى عيونها شاخصة تجاه فلسطين ومحاولات فكفكفة الحصار ولملمة جراحها.