ازداد الجدل خلال الأيام أو الأسابيع القليلة الماضية حول ارتفاع أسعار بعض السلع ومنها السلع الأساسية، وتم ربط ذلك مع ارتفاع الضرائب على بعض السلع أو المواد التي تدخل في إنتاج سلع أساسية، وكانت هناك دعوات ومناشدات من جمعيات حماية المستهلك ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم، من أجل ضبط الوضع وعدم التلاعب في الأسعار، وبالأخص في هذه الظروف الصعبة التي يحياها الناس، ورغم التطمينات من الجهات الرسمية ومن أعلى المستويات، إلا أن رفع الأسعار وبالأخص أسعار سلع أساسية نستهلكها بشكل يومي، من الممكن أن تكون له آثار مدمرة على العديد من العائلات ذات الدخل المحدود، وهي كثيرة في بلادنا، والتي تكافح وبشكل متواصل من أجل تأمين متطلبات الحياة.
وحسب إحصائيات حديثة، فإن خط الفقر في بلادنا والذي يحدد بالدخل الشهري، هو حوالي 2500 شيكل شهريا، وهذا المبلغ وإذا كان المعيل هو واحد مثلا في الكثير من العائلات، فإن أي رفع للأسعار سوف يؤدي إلى خفض استهلاكها اليومي من سلع أساسية، وبالأخص سلع حيوية لحياة هذه العائلات، مثل القمح أو الطحين والخبز والأزر والزيت والدجاج والعديد من السلع المرتبطة بشكل أو بآخر بذلك، ورغم الحجج التي تبرر ارتفاع الأسعار، والتي اعتدنا عليها في الماضي، ألا وهي ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية واقتصاد السوق، إلا أن الجشع والطمع والاستغلال هي من الأسباب الأخرى لهذه الأسعار، حيث تفوق الأسعار عندنا تلك في دول غنية عديدة.
وهذا الواضع يستدعي تدخل الجهات الرسمية وعلى أعلى المستويات، وكذلك منظمات المجتمع المدني وجمعيات حماية المستهلك، من خلال برامج وحملات عملية وبمخرجات واضحة، والجهات الرسمية وبالأخص وزارة الاقتصاد الوطني التي تتعامل مع هذا الأمر، عليها التدخل وبشكل طارئ وعملي من أجل كبح الأسعار وإعادتها بشكل عقلاني موضوعي لتناسب سعر السوق أو التكلفة، وفي نفس الوقت، محاسبة وبشدة وبشكل علني من يتلاعب في حياة الناس، من التجار الجشعين، وبالتحديد التجار الكبار أو تجار الجملة الذين يستوردون ويحتكرون السلع.
وفي ظل وضع كهذا، نلحظ أن هناك نوعا من عدم اللامبالاة، عند التجار أو عند الموردين أو عند البائعين، سواء فيما يتعلق بنوعية القوانين الموجودة، أو بإمكانية تطبيقها، أو حتى بفعالية آليات المتابعة والرقابة والتفتيش من قبل الجهات الرسمية، أو حتى بجدوى الالتزام بلوائح الأسعار الاسترشادية أو غيرها، لأن التاجر الذي يرفع سعر المنتج أو الكيلوغرام بحوالي 5 شيكل، يعرف أن هناك احتمالا قليلا للمساءلة، وحتى وإن تمت إحالته إلى القضاء أو أن تم تقديم شكوى بحقه، فإن الحكم أو الغرامة أو العقاب، يمكن ألا يتجاوز الـ 100 أو الـ 200 دينار اردني، وفي ظل هذا التخبط، فإن من يدفع الثمن مرة أخرى، هو المستهلك وأفراد عائلته، وبالأخص أن ارتفاع الأسعار يطال سلعا أساسية للجميع.
وبالإضافة إلى نوعية وفعالية القوانين، والى ضعف الرقابة والمتابعة، فإن المستهلك نفسه هو كذلك مسؤول ولو بشكل غير مباشر عن ارتفاع الأسعار، لأن المستهلك يستطيع أن يلعب دورا مهما وبشكل عفوي وغير مباشر في التحكم بالأسعار، وهذه نقطة مهمة لتبيان لماذا ترتفع الأسعار وبشكل كبير في أوقات معينة، وفي هذه الأيام مثلا، وبالتالي فإن إقبال المستهلك وبشكل غير عقلاني على الشراء بسبب الخوف من مواصلة ارتفاع الأسعار، هذا الإقبال يفتح شهية التاجر، سواء أكان تاجر الجملة أي المزود أو صاحب المحل على رفع الأسعار بشكل كبير وغير مبرر وغير مسؤول.
وفي ظل هذا التخبط والتكرار حول رفع الأسعار، فنحن بحاجة إلى مراجعة معمقة للقوانين التي تتعامل مع الأسعار وجودة المنتجات، وبحاجة إلى مراجعة لآليات المراقبة والتفتيش والمتابعة وكيفية تحديد الأسعار الاسترشادية، وكذلك إلى مراجعة لماذا لا يردع الواقع الحالي التجار من التلاعب بالأسعار ولماذا ما زال البعض يتصرف حسب المزاج والأهواء، وكذلك أليس من الضروري إعادة دراسة آليات التواصل مع المستهلك، وفي أساليب متابعة شكواه، وكذلك في الآليات المتبعة، للإثبات له أن هناك جهات، سواء أكانت رسمية أو غير رسمية تهتم به، وباحتياجاته وبشكواه، والذي يبدو انه حتى الآن غير مقتنع أو على الأقل لا يثق بجدوى وجود هذه الجهات.
وفي خضم هذا الوضع المقلق بل والمحزن للكثير من الأفراد والعائلات، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي نحيا فيها، وفي ظل التخبط بأنواعه من السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وان تواصل هذا الارتفاع للأسعار أو تكرر كل فترة وأخرى، وتوسع كما يعتقد البعض، ودون تدخل فاعل وحازم من الجهات ذات العلاقة، بدعوى الحفاظ على مبادئ اقتصاد السوق أو الحاجة إلى فرض ضرائب جديدة أو رفع قيمة الضرائب الحالية، فإن هذا الوضع سوف يتجه نحو تعميق الفجوات وربما نحو الانفجار المجتمعي الذي بات لا يحتمل المزيد من الضغوط وبأنواعها.