هذا التعريف قد يؤدي إلى إبعاد إسرائيل عن أحداث دولية، منها مباريات رياضية وأحداث ثقافية. على حكومة إسرائيل أن تزيل هذا التهديد بوضع سياسة واضحة بخصوص الضفة الغربية وتطبيقها بحزم.
السياسة المشوشة التي تتبعها الحكومة إزاء مستقبل الضفة الغربية (لن نضم ولن نقيم دولة فلسطينية، وسنحافظ على الوضع الراهن ولن تستمر في توسيع المستوطنات، وسنطبق القانون ولكن ليس على عصابات الزعران اليهود والبؤر الاستيطانية غير القانونية، وسنتحدث مع محمود عباس على ما نريد ولن نجري مفاوضات، سنحافظ على القدس موحدة وسنستثمر في الأحياء اليهودية فقط) هي سياسة لم تعد مقبولة في أوساط المجتمع الدولي، هذا رغم أنها استمرار للسياسة التي اتبعتها الحكومات السابقة التي حاولت تبرير نشاطاتها بمفاهيم مغسولة، والتي تتجاهل المكانة القانونية والسياسية للضفة الغربية.تخوض إسرائيل منذ العام 1967 حرباً كلامية ترتكز على مفاهيم مغسولة، تريد تثبيت أن المناطق المحتلة هي مناطق “تحت السيطرة” أو محررة، لتبرير نشاطاتها التي تناقض القانون الدولي والقرارات الدولية. يبدو أن هذا الحوار الكلامي فقد أهميته في العقد الأخير، لأن الواقع الفعلي تقرر على أيدي رؤساء المستوطنين أقلية عنيفة لا تحترم القانون.
في حين أن الحكومات تؤيد وجود هذا “الغرب المتوحش” أو تتجاهل وجوده.أدركت حكومات إسرائيل دائماً مكانة الضفة الغربية القانونية والقانون المنبثق عنه. البرقية “السرية جداً” التي أرسلت في آذار 1968 من وزارة الخارجية إلى إسحق رابين، الذي كان في حينه سفير إسرائيل في الولايات المتحدة: “الخط الثابت لنا كان وما زال التملص من إجراء نقاش مع جهات أجنبية عن الوضع في المناطق التي نسيطر عليها على أساس ميثاق جنيف… أي اعتراف صريح من جانبنا بسريان الميثاق سيبرز مشكلات صعبة من ناحية الميثاق بخصوص تفجير البيوت وعمليات الطرد والاستيطان وما شابه”.
فهم الحكومات هذا لم تزعجه إطلاق مشروع الاستيطان، الذي يخرق مبدأ مؤقتية قوانين الاحتلال، بذريعة أن الأمر يتعلق باحتياجات أمنية، وأننا نسيطر على المناطق إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي. “الحكومة تبنت سياسة أمنية محددة، أين يجب الاستيطان وأين لا يجب”، كتب رابين (“مذكرة الخدمة”، 1979). المحكمة العليا قبلت الذريعة الأمنية. “أدرك أن الأمر يتعلق بإسكان مدني… وأنا على هذه الخلفية أوافق على ادعاء الجنرال اورلي بأن الوجود المدني في هذه النقاط الحساسة هو الحل الحيوي”، هكذا حكمت القاضية مريم بن بورات (المحكمة العليا في بيت أيل 1978).في الوقت نفسه، تعاملت الحكومة مع الاستيطان القومي المتطرف المسيحاني.
في 27 أيلول 1967 كتب العقيد شلومو غازيت لمكتب رئيس الأركان رسالة “سرية” موضوعها “التمسك بغوش عصيون”، وكتب فيها: “كغطاء لاحتياجات الجهاز السياسي، سيظهر احتفاظ الشبيبة الدينية بـ”غوش عصيون” كاحتفاظ بشبيبة عسكرية، وسيتم إعطاء تعليمات بهذا الشأن للمستوطنين في المكان”.أرادت المحكمة العليا إنهاء الازدواجية المخادعة، في اللغة والسياسة، وفي ملف ألون موريه عام 1979، الذي غيرت فيه حكمها وقالت إنه لا يمكن السيطرة على مناطق فلسطينية بملكية خاصة لإقامة مستوطنات بذريعة أن الأمر ينبع من الاحتياجات الأمنية.
المحكمة العليا أعطت أولوية لسلطة القانون على الوعد الإلهي. “في هذا الالتماس، هناك إجابة مقنعة للادعاء الذي يريد تفسير الحق التاريخي الموعود لشعب إسرائيل في التوراة، على اعتبار أنه يمس بحقوق الملكية حسب قوانين الملكية الخاصة”، قال القاضي موشيه لنداو.رفض المجتمع الدولي سياسة إسرائيل طوال سنين، وكانت الذروة في قرار مجلس الأمن رقم 2334 في 23 كانون الأول 2016، الذي نص على أن “المستوطنات التي أقيمت في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما في ذلك شرقي القدس، ليس لها أي أساس قانوني، وهي تشكل خرقاً فظاً للقانون الدولي”.
كما تطرق مجلس الأمن لأهداف مشروع الاستيطان وطرق تحقيقها، وأدان جميع الخطوات “التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية وطابع ومكانة المناطق الفلسطينية التي تم احتلالها في 1967، بما في ذلك شرقي القدس.
ويشمل ذلك بناء وتوسيع المستوطنات وإحضار مستوطنين إسرائيليين ومصادرة أراض وهدم بيوت وتهجير مواطنين فلسطينيين من خلال خرق القانون الإنساني الدولي والقرارات ذات الصلة”. وقد أيدت هذا القرار 14 دولة من بين الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، باستثناء الولايات المتحدة التي امتنعت عن استخدام حق الفيتو في المجلس. بعد سنة تقريباً، لم تمتثل إسرائيل لتحذير نائب السفير البريطاني في خطابه في الأمم المتحدة في الذكرى المئوية لوعد بلفور، الذي قال بكلمات لطيفة بوجود نظام أبرتهايد: “دعونا نتذكر بأنه كان هناك قسمان للوعد، والقسم الثاني (الذي يتناول المساواة في الحقوق) لن يتم تطبيقه.
اختارت حكومة إسرائيل في العقد الأخير أن تواصل الفروقات التي أشير إليها في القرار، “لقد صادقت على إقامة مستوطنة جديدة هي مستوطنة “عميحاي”، وشرعنت 22 بؤرة استيطانية غير قانونية، وعمقت الفصل بين جهازي القضاء، للإسرائيليين والفلسطينيين، وزادت عدد المستوطنين بنحو الثلث، وصادقت على بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة، وإقامة 67 مزرعة ومنطقة صناعية ضخمة في “شومرون”، وخصصت 13 مليار شيكل لشق الطرق وهدمت آلاف المنازل الفلسطينية.
في العقد الأخير، خانت إسرائيل التزامها المبدئي حسب القانون الدولي – الاهتمام بإعادة القانون والنظام: أولاً، هي تحتفظ بـ 135 بؤرة استيطانية غير قانونية حتى حسب القانون الإسرائيلي. تعهدت للأمريكيين وامام المحكمة العليا بإخلاء جزء منها بصورة صريحة، لكنها لم تفعل، بل العكس، سلمت بشق طرق وربطها بشبكة الكهرباء. وفي السنوات الأخيرة، تحت الاسم المغسول “استيطان شاب”، تحاول إسرائيل تسوية مكانتها والبنى التحتية فيها بواسطة قوانين غير ديمقراطية.
ثانياً، لا تفعل الحكومة ما يجب ضد العصابات اليهودية التي تستخدم العنف ضد الفلسطينيين والإسرائيليين وجنود الجيش ورجال الشرطة الإسرائيلية. في الـ 12 شهراً الأخيرة، سجلت حوالي 700 حالة عنف من جانبهم.
هناك 19 مستوطنة في قلب “المناطق” التي جرت فيها أحداث عنيفة، ويرافق بعضها بؤر استيطانية غير قانونية – من “شفيه شومرون” في شمال الضفة وحتى سوسيا في جنوبها. رغم المعلومات الدقيقة، فإنه لا يتم تطبيق تعليمات من وزير الدفاع للجيش الإسرائيلي، الذي كان جنوده حاضرين في معظم الأحداث.
إضافة إلى ذلك، طرح رئيس الأركان، أفيف كوخافي، ادعاء خاطئاً من ناحية قانونية، الذي بحسبه لا يوجد للجندي الإسرائيلي أي صلاحية للعمل كشرطي واعتقال مستوطنين عنيفين إلى حين قدوم رجال الشرطة.
مؤخراً، ازدادت الشهادات والشكاوى على تجاهل الجنود لعنف المستوطنين، بل وحول مشاركتهم في الأحداث. الانحياز الواضح في الجيش الإسرائيلي لصالح المستوطنين الذين يثيرون الشغب، يخرق ما قالته المحكمة العليا بأن “على القائد العسكري أن يوازن بين الاحتياجات الأمنية واحتياجات السكان المحليين”.
أما الحكومة التي تعهدت بالتغيير، فإن الضفة ليست “منطقة محتلة”، الدليل: “لن نجري مفاوضات مع الفلسطينيين”، و”هذه الحكومة لن تقيم دولة فلسطينية”، هكذا تعهد رئيس الحكومة نفتالي بينيت ورئيس الحكومة البديل يئير لبيد.
ولا تعتبر الضفة “منطقة تم وضع اليد عليها”، (إلى حين التوصل إلى حل سياسي)، حيث إنها في نهاية المطاف تخرق مبدأ المؤقتية عن طريق توسيع الاستيطان والبؤر الاستيطانية والمزارع، وإخضاع المواصلات والتطوير في الضفة لاحتياجات إسرائيل. كما أن الحكومة لا تعتبر الضفة “منطقة محررة”، فقد تعهدت في اتفاقات إبراهيم وفي تصريح رئيس الحكومة بأن “هذه الحكومة لن تقوم بالضم”.
ولا يوجد ما نتحدث عنه حول إعطاء حقوق متساوية للفلسطينيين.إذا كان الأمر كهذا، فإن مكانة الضفة الغربية مكانة منطقة سائبة، ويتم التحيز ضد السكان الفلسطينيين: لا يمكن أن تطبق السلطة الفلسطينية القانون والنظام في معظم مناطق الضفة؛ لأن الصلاحيات تسري على 40 في المئة فقط من المساحة (مناطق “أ” و “ب”)، المقسمة إلى ما لا يقل عن 169 جزيرة منعزلة على يد عشرات الممرات الخاضعة لإدارة وسيطرة إسرائيل. في المنطقة “ج”، التي تقع تحت سيطرة إسرائيل، لديها نظامان قانونيان: واحد للإسرائيليين وآخر للفلسطينيين. في العالم يسمون هذا أبرتهايد. وإسرائيل لا تطبق قوانين الاحتلال الحربي فحسب، بل وتتجاهل قوانينها هي نفسها وقرارات حكومتها. هي تسمح لأقلية متطرفة أن تقرر طبيعة نظامها وصورتها في كل العالم.
يبدو أن دولة الابتكارات تحاول اختراع ابتكار على شكل نظام جديد، لكن على عكس التكنولوجيا الفائقة والزراعة، يبدو أن العالم لا يهتم بهذا الابتكار، ويعتبره مجرد أبرتهايد.عضوية إسرائيل في عائلة الشعوب، ومنع تحويلها إلى دولة مجذومة في العالم، لها أهمية كبيرة.
ونذكر بينيت، الذي يعتقد أن “العالم سيتعود” على كل نزوات إسرائيل، بأقوال رئيس الحكومة، دافيد بن غوريون في صحيفة “هآرتس” في تشرين الأول 1959: “من يعتقد أنه يمكن الآن أن نحل مسائل تاريخية بالقوة العسكرية فقط بين الشعوب، فهو لا يدرك في أي عالم نعيش… كل قضية محلية تصبح الآن قضية دولية. لذلك، علاقاتنا مع شعوب العالم لا تقل أهمية عن قوتنا العسكرية، التي يجب علينا مواصلة تطويرها لردع هجمات ومن أجل الانتصار إذا اضطررنا إلى القتال”.