الانتقال من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة لا يتم من خلال الخلط بين السلطة والمنظمة

زياد ابو زياد.PNG
حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زيّاد

 

لا أذكر قرارا ً بقانون صدر عن الرئيس عباس منذ الانقسام عام 2007 حتى اليوم قد حُظي بالاهتمام وبردود الفعل التي حظي بها القرار المتعلق بمنظمة التحرير. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مستوى الوعي الجماهيري عندنا، وعلى مدى الحرص على منظمة التحرير والتصدي لأي مساس بمكانتها، وعلى حالة القلق العام التي تسود بين أبناء شعبنا نتيجة استمرار الخلط بين السلطة والمنظمة والاستقواء على المنظمة وعلى مؤسساتها. والذي تابع ما نُشر من مقالات وتعليقات ومداخلات سواء في وسائل الاعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي يجد أنها لم تترك شاردة ولا واردة إلا أتت عليها.
ومع ذلك فإنني أود التأكيد على بعض النقاط التي أرى أنه لا بد من الإشارة اليها مجددا ً حتى لو كان بعضها قد أشير اليه من قبل.
بداية أقول بأن المادة (43) من القانون الأساسي التي استند اليها الرئيس في قراره تقول:
” 1. لرئيس السلطة الوطنية ……”
أي أن أي قرار بقانون يصدر عن الرئيس محمود عباس يصدر عنه بصفته رئيسا ً للسلطة وليس بالصفات الأخرى التي يحملها وهي رئيس المنظمة ورئيس دولة فلسطين. وطالما أن أي قرار بقانون يصدر عنه بصفته رئيساً للسلطة لا ينسحب على المنظمة ولا يجوز أن ينسحب عليها. ولذا فإنه ليس من صلاحية رئيس السلطة اصدار أية قرارات تمس أو تغير من أي وضع أو شأن يتعلق بالمنظمة. فهذا الأمر يتعلق بالمنظمة ومؤسساتها ورئيسها ويجب أن يكون مستندا ً في قراراته الى مؤسسات المنظمة وفقا للنظام الأساسي للمنظمة والميثاق الوطني.
إن الانتقال من مرحلة السلطة الوطنية الى مرحلة الدولة هو استحقاق منذ أيار 1999 وهذا الانتقال لا يتم من خلال هدم السلطات الثلاث للسلطة وتفكيك المؤسسات التي تم بناؤها على الطريق الى الدولة وإنما من خلال تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات والحرص على وجود شرعية انتخابية لهذه السلطات. وإذا ما كنا جديين في الحديث عن الانتقال من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة فإن أول ما يجب فعله هو إجراء انتخابات تشريعية تؤسس لحياة برلمانية ولممارسة ديمقراطية في ظل شرعية الاختيار وتداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع.
إن الأساس في وجود السلطة التشريعية هو أن تكون نتاج انتخابات حرة ونزيهة، وأية أجسام تمثيلية غير ناتجة عن الانتخابات وانما بالتعيين أو الكوتات لا يمكن تسميتها بالسلطة التشريعية. وهذا القول ينسحب على أية محاولة لاعتبار المجلس المركزي بديلا ً للمجلس التشريعي.
إن محاولة الخلط أو الدمج بين مؤسسات السلطة الفلسطينية ومؤسسات منظمة التحرير هي محاولة خطيرة قد تؤدي في نهاية المطاف الى ضياع كلاهما.
فمنظمة التحرير هي البيت الوطني الذي يضم تحت سقفه كافة الفصائل والقوى التي يُفترض أنها تخوض معركة التحرير الى حين تحرير الأرض وتحقيق حق العودة. ولقد كنا وما زلنا نرى في اعتراف العالم بمنظمة التحرير بمثابة اعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وبقضيته العادلة. فالمنظمة هي الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني وهي الهوية التي لا يجوز أن تختفي أو أن يتم طمسها في أي حال من الأحوال. أما السلطة الوطنية فهي جسم مؤقت تم إنشاؤه مؤقتا وفقا لاتفاق أوسلو لإدارة المرحلة الانتقالية التي كان يجب أن تنتهي في أيار 1999 وكان من الخطأ استمرار وجودها بعد الفشل الأخير للعملية التفاوضية في 2000/2001 فاستحقاق الانتقال من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة استحق بالحد الأقصى منذ ذلك التاريخ إن لم يكن منذ أيار 1999 .
إن أخطر ما يمكن أي يخشى المرء وقوعه هذه الأيام وعلى ضوء المؤشرات التي تثير الشك بأن هناك محاولة لاستبدال المجلس التشريعي بالمجلس المركزي وتذويب أو تجفيف الوطني الى أن ينساه الناس، إن أخطر ما في ذلك هو أنه سيؤدي الى تعميق وتكريس الانفصال والانقسام وقراءة الفاتحة على روح الوحدة بين شطري الوطن من جهة، ومن جهة أخرى الغاء الحياة البرلمانية الى الأبد ومأسسة الحكم الفردي الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام كل الاحتمالات السلبية المرعبة.
وأخيرا ً، الرئيس محمود عباس هو آخر من تبقى من الجيل الذي رفع راية التحرير الوطني واستثمر حياته في هذه المرحلة وهو اليوم يحتل أهم ثلاثة مواقع مفصلية في الحياة السياسية الفلسطينية فهو رئيس الدولة ورئيس المنظمة ورئيس السلطة إضافة الى أنه رئيس حركة فتح. والسؤال هو وبكل صراحة ومع تمني طول العمر لسيادته: ماذا سيحدث بعده ونحن جميعنا بشر ليس لنا الخُلد ونخضع لنواميس الحياة؟
لقد كانت لنا تجربة مشرقة في انتخاب خلف للرئيس عام 2005 وكان القانون الأساسي والمجلس التشريعي هما القارب الذي نقلنا الى شاطئ الأمان فكيف يمكن أن نتصرف اذا بقي حالنا كما هو عليه اليوم لا مجلس تشريعيا ولا مخرج دستوريا لحل أي إشكال من هذا القبيل.
إن كل المعطيات تؤكد بأن علينا، بل ومن حقنا، أن نطالب الرئيس عباس باستكمال عملية الانتقال من السلطة الى الدولة من خلال أول خطوة لازمة وهي اجراء انتخابات تشريعية لبرلمان الدولة والانطلاق من هناك.
أما منظمة التحرير فيجب الحفاظ على استقلاليتها عن السلطة وعن الدولة وأن تبقى هناك، الملاذ الأخير والقلعة التي يمكن أن نتحصن داخلها إذا فشلت عملية الانتقال من السلطة الى الدولة وإذا تكالب حولنا الأعداء وحالوا دون ذلك، وإذا وجدنا أنفسنا نعود مرة أخرى الى البدايات. وجود الهوية الوطنية هو الشعار الذي يمكن أن نرفعه مجددا ً لاستئناف مسيرة التحرير والعودة من جديد الى أن تتحقق.