حرب أوكرانيا: ليس لإسرائيل بوليصة تأمين إلا جيشها

يواف ليمور.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوآف ليمور



لا تزال نهاية الحرب في أوكرانيا بعيدة، ولكن يوجد منذ الآن غير قليل من الدروس: محلية، وعالمية، وعسكرية، ومنها ذات صلة شديدة بإسرائيل. على المستوى المحلي، تأثر العالم بصمود أوكرانيا. الوطنية، الروح القتالية، والشجاعة جديرة بالتقدير، ولكن يخيل أنه كان ثمة قدر كبير من المبالغة في تأثيرها على ميدان المعركة. بعض محافل الاستخبارات في الغرب، وعلى رأسها الأميركية والأوكرانية نفسها، سعت لتبث رسائل تفيد بأن صورة المعركة متوازنة مثلما كانت حقاً: يخيل أنه اكثر مما هي معلومات مسنودة كانت هنا محاولة غير ناجحة لحرب وعي ذكية لتعزيز الصمود الأوكراني، ولإضعاف أيادي الروس.
في الميدان، النتائج لا لبس فيها. يحتل الجيش الروسي المزيد فالمزيد من المدن والأراضي في أوكرانيا، في طريقه الى الهدف الواضح؛ نقلها الى سيطرة موسكو الكاملة. من اعتقد أن بوتين سيرفع يديه او يغير طريقه في اعقاب نقد الغرب والعقوبات التي رافقته، خاب ظنه منذ زمن بعيد. عملياً، العكس هو الصحيح. كلما مر الوقت تبدي روسيا تصميما أكبر وعدوانية اكبر، بما في ذلك الضرب الواسع للبنى التحتية والمباني والمدنيين، الأمر الذي سعى الروس الى الامتناع عنه في بداية المعركة.
للأوكرانيين، مع كل التعاطف، لا توجد اي قدرة للوقوف في وجه القوة الروسية. فهم في وضع دون بكل مقياس عسكري، وبغياب ظهر غربي فهم محكومون بالهزيمة. لعل هذا يستغرق وقتا اطول مما قدروا في روسيا، ولكن هذا لن يغير السطر الاخير. من المعقول أن يشهد العالم في الأيام القريبة القادمة صوراً قاسية من مدن أوكرانيا وعددا متناميا دراماتيكيا من الضحايا، الجرحى، واللاجئين.
القتال في الألفية السابقة
عالميا، الوضع بشع بقدر لا يقل. فقد أُمسك العالم المتنور متلبسا مع بنطال ساحل. كانت له أشهر طويلة ليستعد للغزو الروسي، وليفرض العقوبات، وليهدد برد مضاد، وهو ينظر الى ما يجري بخليط من السذاجة والوهن. وفقط بعد أن بدأ الغزو جاءت الأفعال متأخرة جدا من ناحية أوكرانيا، وقليلة جدا بحيث لن يكون لها تأثير حقيقي على موسكو.
"الناتو" بالذات، الجسم الذي كان يبدو انه فقد الاتجاه والطريق في العقود الأخيرة، امتلأ طاقة. ليس لأن القتال ضد روسيا لأجل الدفاع عن أوكرانيا كان على جدول الأعمال. كان هذا سيبرر ادعاءات موسكو بأن القتال ضد أوكرانيا ضروري لمنع "الناتو" من أن ينتظر شرقا ويهدد روسيا، ولكن يبدو أن المنظمة العتيقة حصلت على فرصة نادرة لتعيد من جديد تصميم طريقها وترمم ردعها.
إذا حصل هذا، وعندما تبدأ العقوبات على روسيا بخلق اثر ذي مغزى، سيبدأ البندول بالتوازن قليلا بتفوق واضح للمحافل السلبية في العالم، التي تقودها روسيا، اليوم. هذا التغيير حرج ليس فقط للولايات المتحدة، بل أيضا لكل اصدقائها في العالم، واجمالا لكل من يرغب بعالم متنور وحر. كي يحصل هذا يتعين على روسيا أن تنزف: ليس عسكريا بل اقتصاديا. كالمعتاد فإن من سيدفع اساس الثمن هم المواطنون البسطاء في روسيا، الذين يعيشون على أي حال بعوز، ولكن المسؤولية عن ذلك ملقاة حصريا على بوتين ورجاله، الذين لن يتركوا للغرب مفرا.
في هذه المعركة، وجدت إسرائيل نفسها متلعثمة بعض الشيء. رغبتها في علاقات طيبة مع روسيا ومع أميركا في الوقت ذاته مفهومة، ولكن من المرغوب فيه أن تكون اكثر انصاتا للاصوات من واشنطن. القرار بعدم الاستجابة للطلب الأميركي للتوقيع على قرار شجب روسيا في مجلس الامن أثار ضد إسرائيل غير قليل من النقد في الولايات المتحدة.
يجدر بالقدس أن تجد الطريق لاصلاح هذا الضرر، ليس فقط لأن الولايات المتحدة هي حقا الصديق الاكبر لإسرائيل والسند المستقر الوحيد لها – سياسيا، عسكريا، استخباريا واقتصاديا – بل لأن ثمة احتمالات كثيرة بأن نضطر في موعد ما في المستقبل القريب للادارة في موضوع ما، ومن المهم أن نتأكد من ان تكون في حينه منصتة ومتعاطفة.
في إسرائيل يعطون احتراما شديدا لروسيا. يمكن ان نفهم هذا، ولكن لا ينبغي المبالغة في الحذر. مع كل الاحترام لسورية، فإن لروسيا ايضا غير قليل من المصالح في التعاون مع إسرائيل. فالهجمات المنسوبة لسلاح الجو تسمح لها بأن تلجم النشاط الايراني في سورية، والذي في احيان قريبة ينافس الهيمنة قبالة الروس، والاهم من ذلك انها لا تهدد روسيا نفسها.
اذا قررت روسيا، في لحظة جنون، وضع منظوماتها المتطورة (S300 وS400) في الجبهة مقابل إسرائيل فإنها ستكتشف بأن سلاح الجو قادر على أن يتغلب عليها، وستكون هذه بشرى سيئة جداً لردعها ولمبيعات الصناعات العسكرية الروسية في العالم.
على أي حال لا ينصب الاهتمام الروسي، الآن، على سورية. في أوكرانيا، يبدي الجيش الروسي قدرة متوسطة جدا، بشرى مفرحة، معجونة بوحشية وتصميم يبديه الروس في الطريق لأداء مهامهم، وأساسا في شكل استخدامها والوسائل القتالية القديمة التي تحت تصرفهم. وقالت محافل الامن الإسرائيلية التي تتابع القتال، انه يخيل أحيانا ان روسيا تقاتل في الالفية السابقة. صحيح أن كتلها ستنتصر في النهاية، ولكن الدب الروسي يبدو أقل تهديداً مما كان يخيل.

في الطريق إلى قوافل عالقة في المعركة؟
المعركة في أوكرانيا تمنح إسرائيل درساً آخر. فبقدر ما يدور الحديث عن كليشيه، يمكن لإسرائيل أن تعتمد فقط على نفسها، وعلى قوتها. غير أن القوة تكلف مالاً، وفي إسرائيل 2022 فإن النبرة العامة، وكذا السياسية، هي ملاحقة جهاز الامن والجيش وكأن الحديث يدور عن عصابة سطاة على المال العام.
وجد هذا تعبيره، مؤخراً، في المعركة حول التقاعدات العسكرية. واضطر الجيش ليرتب الموضوع بالقانون بأمر من المحكمة العليا. ولكن الموضوع هنا مبدئي اكثر بكثير: كيف نبقي الأفضل في الخدمة لنضمن انه في المستقبل أيضا ستكون الخدمة في اياد فضلى أيضا.
لحظّ الجيش الإسرائيلي فإن الثلاثي الذي يدير شؤون المال الأمني – رئيس الوزراء بينيت، وزير الدفاع غانتس ووزير المالية ليبرمان - كانوا ثلاثتهم وزراء دفاع ويفهمون هذا جيدا. صحيح أنه يوجد في إسرائيل، اليوم، غير قليل من القطاعات التي تحتاج الى استثمار كبير (الصحة والتعليم بعد "كورونا"، الرفاه، وغيرها) ولكن في عالم يجن جنونه، ومع ايران تتعزز قوتها، ليس لإسرائيل بوليصة تأمين حقيقية غير الجيش الإسرائيلي. بوليصة التأمين هذه تطلب العناق. وليس الصفعة. هذا ليس الوضع في هذه اللحظة، ويجدر بكل الهازئين ان يستيقظوا بسرعة لأنه من المعقول ان معظمهم – مثل كل انسان سوي العقل – يؤيدون أوكرانيا في هذه اللحظة، وعلى استنتاجهم أن يكون واضحاً.

عن "إسرائيل اليوم"