أكدت الحرب الدائرة الان بين روسيا وأوكرانيا ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع الحالة الفلسطينية خاصة ومع دول العالم الثالث " كما يصنفونه " عامة ، وكشفت عن حجم الكذب والنفاق لدى دول الاتحاد الأوروبي التي تتعامل مع الفلسطينيين كما لو كانوا يعيشون في غابة ويمارسوا عملية ترويض بما يضمن الحفاظ على استمرار الاحتلال وبقاء معاناة الفلسطينيين الذين يدفعون أثمانا باهظة من حياتهم ومستقبل أجيالهم نتيجة لمطالبتهم بحقوقهم التي نص عليها القانون الدولي .
لقد تحرك العالم وانتفض لفرض عقوبات على روسيا وانتصروا باسم القانون الدولي لأوكرانيا ووصفوا الغزو الروسي بالجريمة ضد الإنسانية ،وعقدت الجمعية العامة اجتماعا سريعا لإدانة العدوان ، وبدأت دول الاتحاد الأوروبي في التخطيط والتلويح وتنفيذ العقوبات للضغط على روسيا من أجل الانسحاب من الأراضي الأوكرانية ، في الوقت الذي تستمر فيه معاناة الفلسطينيين نتيجة لاستمرار الاحتلال وجرائمه اليومية من قتل واستيطان واعتقالات وتهويد وتهجير واقتلاع وحصار ،كل ذلك ولم نرى من هذه الدول الا مواقف محازة للاحتلال الإسرائيلي ، وضغوطات على الشعب الفلسطيني وقيادته ، حتى وصل بهم الأمر بوضع اشتراطات للدعم سواء للسلطة الوطنية الفلسطينية أو مؤسسات المجتمع المدني للدرجة التي يريدوا أن يتدخلوا في أدق تفاصيل حياتنا اليومية ، وطمس تاريخ شعبنا.
ان أكثر الشعوب شوقا للحياة الكريمة والسلام هو الشعب الفلسطيني ، وأكثر الشعوب إحساسا وتضامنا مع الشعوب خلال معاناتها هم الفلسطينيين ،ولكن الفلسطينيين كفروا بالمجتمع الدولي ، وسياساته ومواقفه التي يدركون أنها دائما ضدهم ، ولصالح احتلال غير شرعي بموجب القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي وضعها هذا العالم ولا يستخدمها الا ضد الضعفاء وبما يحقق مصالح هذه الدول متجاهلين ادميتنا وانسانيتنا .
حرب روسيا –أوكرانيا التي نعرف تفاصيلها وأسبابها هي كاشف جديد لسياسات الإدارة الامريكية ودول الاتحاد الأوروبي ، التي جعلت من بلدانهم حديقة مزركشة ، ومن دول العالم الثالث غابة ، وهي نفس السياسة التي كانت سببا فيما حدث ويحدث من قتل وخراب وتدمير في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ، وهي سببا في حصار الفلسطينيين وقتلهم ومنع كل سبل الحياة الكريمة لهم وتهجيرهم وتشتيتهم بين بلدان العالم .
ما سبق وغيره الكثير من أشكال الانحياز الأمريكي والأوروبي والتعامل بمكيال واحد فقط أساسه ، سحق الحقوق المشروعة ، وتجاهل القانون الدولي ، والتعامل معنا كفلسطينيين باعتبار أننا عبيد ولا نستحق الحياة ، ينبغي أن يدفعنا لاتخاذ موقف نعلن فيه تمردنا ورفضنا لهذه السياسات ، وربما أولى هذه المواقف هو مقاطعة السفراء والدبلوماسيين الأوروبيين الذين يزورون قطاع غزة بين الحين والأخر ،واعتبار كل من يجتمع بهم ويلتقيهم ويستقبلهم داعم لسياساتهم ضد شعبنا ، حيث أننا وعلى مدار سنوات طويلة استقبلناهم وطالبناهم بالانتصار للقانون الدولي وممارسة الضغط على الاحتلال من أجل احترام حقوق الانسان ، وفي كل مرة نراهم يتخذون مواقف داعمة للاحتلال ومتجاهلة حقوق الشعب الفلسطيني .
بعيدا عن الخلافات السياسية ، فان السلطة الفلسطينية التي ترفض حتى الان الضغوطات من قبل الاتحاد الأوروبي لاستمرار الدعم مقابل تغيير المناهج الدراسية بناء على طلب من الاحتلال ، يجب أن تحشد الطاقات من أجل دعم هذا الموقف وتصليبه، وأعتقد أن الفرصة الان والوقت مناسبين من أجل التعبير الصريح عن رفض سياسات دول الاتحاد الأوروبي بالقول لهم كفاكم عبثا فقد عثتم في الشرق الأوسط فسادا ودمارا ولن نسمح أن نكون ضحايا جيدين ومطيعين لسياساتكم.