تشير الاحداث والوقائع الى ان “اوكرانيا” تعود الى امها “روسيا” بعد ان تأكدت الاخيرة ان “ضلالة” ابنتها لم تكن بمحض ارادتها وحريتها ، بل ان هناك من عكف سنوات على تضليلها وتغريرها ، حتى باتت خطرا واضحا وصريحا يتعدى التجاهل و التنكر ، بل العداء والتعسكر ، ولم يعد الامر اجتهاديا لمعرفة ان اوكرانيا قد اوضحت انها في المعسكر الآخر الذي تتصدره أمريكا .
قبل نحو ثلاثين سنة ، انهار الاتحاد السوفياتي و معسكره “حلف وارسو” بدون رصاصة واحدة فيما اطلق عليها “الحرب الباردة” ، ما يثبت انها لم تكن باردة الا بالاسم ، وقبلت “روسيا الاتحادية” المتبقية من الحلف والاتحاد ان تعيش بضعف و سلام ، لكن الحلف الاطلسي الرأسمالي ، “النيتو” واصل بقاءه واسلحته واعضاءه ، بل انه توسع وتمدد وضم اليه دولا جديدة هي التي تشكل ما كان يسمى اوروبا الشرقية ، حتى وصل الى اوكرانيا .
لقد نظرت القيادة الروسية ، برئاسة بوتين ، الى مدى الخطورة التي تمثلها القيادة الاوكرانية ، و مدى الضعف الذي يشوب امريكا التي خرجت من افغانستان تجرجر اذيال هزيمتها ، وحلف النيتو الذي كان ماكرون قد وصفه قبل اقل من عامين انه “ميت سريريا” ، واتخذت قرارها التاريخي والنوعي ، هنا و الآن ، كي تعيد الاعتبار لما لحق بها وبشعبها وتاريخها من غبن و خداع وتجاهل ، معتمدة على قوى حليفة ، لها مبادؤها واخلاقها التي لا يعرفها الغرب الامريكي ولا الغرب الاوروبي ، على رأسها الصين وايران وكوبا وفنزويلا ، وفي المنطقة العربية سوريا ، التي بدون شك تحفظ لروسيا انقاذها من براثن وحش الارهاب الاسلامي الذي انشأته ورعته امريكا على مدار عشرات السنين ، ما جعل احد المحللين الاسرائيليين ان يكتب : من كييف الى دمشق .. جبهة واحدة .
و مع المعاناة التي عاشها الوطن العربي على مدار تاريخه الطويل ، بدءا من استعماره الغربي المباشر ، مرورا بالاستعمار غير المباشر ، والذي قد طابق القرن تقريبا ، الا ان النظر الى روسيا في معركتها مع اوكرانيا ، لا يجب ان يكون من ثقب المصالح الضيقة او ما يمكن ان يطلق عليه ، الانتهازية والنفعية والذرائعية او حتى البراغماتية ، بل من باب المباديء والاخلاق ، التي سعت روسيا لينين ومعها صين ماو تسي تونغ و هند غاندي و كوبا كاسترو ويوغسلافيا تيتو ومصر عبد الناصر الى تثبيتها وتعميمها لدى شعوب العالم قاطبة بغض النظر عن جنسهم ودينهم ولونهم . فأين ذهب كل هؤلاء ، وما الذي حل بأوطانهم الجميلة وشعوبهم المعطاءة ومبادئهم العظيمة ، منذ اللحظة التي انفردت فيها امريكا ريغان وبوش الكبير والصغير وانتهاء بترامب والنائم جو ، حتى اصبح العالم مكانا موحشا للعيش فيه .
اوكرانيا ، مجرد دولة اريد لها ان تلعب دورا قذرا مناطا بها ، مثلها مثل اسرائيل ، و بقية دول الريع النفطي العربية ، مجرد ذيل للافعى ، إذا كان بوتين جادا في إعادة روسيا الى مهابتها وارثها التقدمي الانساني ، والعالم بالتالي الى إشراقته واستقراره ، فلا بد إذن من أن “يتبع رأسها الذنبا” .