الواقع الأمني الصعب في النقب لم ينشأ في السنة الأخيرة. ومع ذلك، فإن حكومة نفتالي بينيت، التي توشك بعد نحو ثلاثة أشهر على أن تكمل سنة على إقامتها، تحجم عن خوض معركة شاملة لتغيير الوضع. صحيح أنه قد طرأ تغيير مبارك في أنماط عمل شرطة إسرائيل وأجهزة الأمن في أرجاء النقب، لكن دولة إسرائيل لم تعترف بعد بحجم التهديد و بجذور دوافعه.
يكمن الإخفاق في تشخيص خاطئ لجذور المشكلة. في موقفها من الواقع داخل النقب، تواصل حكومة إسرائيل السير أسيرة فرضيتين أساسيتين مغلوطتين: الأولى تشخص أساس التهديد في عناصر الجريمة الجنائية، بينما الفرضية الثانية ترى ظاهرة الجريمة كظاهرة تنبع في أساسها من ضائقة اجتماعية واقتصادية. تقوم الفرضيتان على أساس رؤية جزئية للظاهرة وتتنكران لحقيقة أن جذور المشكلة تكمن في الصراع القومي – الديني ضد سيادة دولة إسرائيل.
مراجعة في معطيات استثمار حكومات إسرائيل في الوسط البدوي في النقب بما في ذلك حجم فرز أراضي البناء من قبل سلطة أراضي إسرائيل، وبمقارنة أسعار الأرض في البلدات غير البدوية، يمكنها أن تدحض ادعاءات الظلم؛ فمعطيات سلطة تنمية النقب تدل على حجم غير مسبوق لاستثمارات الدولة في البلدات البدوية.
كما أن الفرضية الثانية التي ترى في محافل الجريمة كمصدر أساس لمشكلة الحوكمة قابلة للدحض. فلا جدال في شدة التهديد الجنائي. لكن من الخطأ تجاهل معنى الارتباط العميق بين البعد الجنائي والبعد القومي المتطرف. بكلمات أخرى، تنقص حكومة إسرائيل وجهاز الأمن نظرية عامة شاملة عما يجري في النقب، ولهذا تفسيران محتملان:
الأول: تتميز القيادة الإسرائيلية في العقود الأخيرة بميل للإدارة والتفعيل. والمقصود – تقليص الظاهرة إلى شيء ما ينبع من ضائقة اقتصادية واجتماعية، مما يتيح إعطاؤها جواباً إدارياً في خطة عمل حكومية وفي استثمار مالي. بالمقابل، ليست هناك قدرة جواب إدارية إزاء المشكلة التي تنبع من صراع قومي – ديني.
التفسير الثاني: السير أسرى خلف الفرضية الحديثة بأن لكل مشكلة حلاً بروح إيجابية. تسير القيادة الإسرائيلية هنا خلف الفرضية الأمريكية في أن كل بني البشر يتشاركون في تطلعهم أساساً لتحسين جودة الحياة، وأن المال سيلبي كل شيء. وحتى الصراع القومي الخالد يمكن، زعماً، استبداله بجواب اقتصادي وبإغراء بالازدهار وتحسين جودة الحياة. غير أن هذه البشرى المتمثلة في حمل بني البشر إلى النور الديمقراطي، دحضت وانهارت في العقود الأخيرة. فرغم الاستثمارات الطائلة في العراق وأفغانستان، انكشف الواقع كواقع يعبر عن قوى مضادة لا تستجيب لبشرى السعادة الأمريكية. رغم ذلك، ظل المجتمع الإسرائيلي وقيادته متمسكين بوعد بشرى السعادة والازدهار الأمريكية وكأنها جوهر الإنسان.
لقد حان الوقت للاعتراف بأن ما يجري في النقب حرب استقلال متجددة على سيادة دولة إسرائيل. حكومة إسرائيل وقوات الأمن مطالبون بمعركة شاملة وطويلة من خلال قوات الأمن بما فيها وحدات الجيش الإسرائيلي. للأبعاد الاقتصادية في هذه المعركة دور، ولكنها ملزمة بالانخراط في جهد أمني شامل ولفترة طويلة.