"قبل عشرين عاماً كنا نخشى ركوب الحافلات، واليوم نحن خائفون من السير في الشوارع"، بهذه الكلمات عبَّر، اليؤور ليفي، مراسل صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، عن صدمته بعد عملية إطلاق النار في بني براك بمدينة تل أبيب، والتي نفذها الشاب ابن كتائب شهداء الأقصى، ضياء حمارشة (27) عاماً، والذي يندرج من بلدة يعبد في جنين، في محاكاة لعملية الخضيرة جنوب حيفا في 26 مارس الجاري، والتي نفذها الشابان إبراهيم وأيمن اغبارية من وادي عارا بمدينة أم الفحم، والتي سبقها أيضاً عملية في بئر السبع في النقب، نفذها الأسير المحرر محمد أبو قيعان (34) عامًا.
في غضون عشرة أيام، تسببت ثلاث عمليات فدائية في النقب والخضيرة وبني براك، بسقوط 11 قتيلاً، في حصيلة تفوق ما وقع خلال معركة سيف القدس مع المقاومة الفلسطينية في مايو الماضي؛ فالعمليات الفردية التي يُطلق عليها الاحتلال "الذئب الأزرق" تجعل من الصعب التنبؤ بطبيعة المكان وخلفية المنفذ وزمان العملية.
التصعيد الذي سبق شهر رمضان، يضع حكومة الاحتلال أمام تحدياتٍ عدة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكانية سقوط حكومة الاحتلال بسبب العمليات الفردية؟ وهل ستقوم بسحب ما يُسمى بالتسهيلات للفلسطينيين؟ وهل تتصاعد هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين خلال الأيام القادمة؟.
مواجهة حكومة الاحتلال والمعارضة
المختص في الشأن الإسرائيلي، باسم أبو عطايا، اعتقد أنَّ "الاحتلال يضع الخطط والاستراتيجيات؛ كي يشتري الهدوء والأمن قبل قدوم شهر رمضان المبارك؛ لكِنه تفاجأ بعمليات مختلفة في الأسلوب والأماكن".
وقال أبو عطايا، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ الاحتلال كان قد استعد ليكون التهديد من الضفة والقدس وليس من الداخل المُحتل عام 1948، وبطرق غير تقليدية، فعملية إطلاق النار في الشوارع مسألة صعبة بالنسبة له".
وأضاف: "من الصعب الحديث عن مواجهة هكذا عمليات في ظل عدم وجود تنظيم يقف خلفها، فالمستوى الأمني والعسكري في دولة الاحتلال ينصب تفكيرها، أين متى ستقع العمليات القادمة".
وتابع: "من المستحيل أنّ يتم تفتيش كل من يسيرون في الشوارع، وبالتالي الحديث عن المواجهة مسألة صعبة؛ لأنّه ليس في قاموس الاحتلال مثل هذه العمليات في السابق، وهم في حاجة لوضع استراتيجيات جديدة في المرحلة المقبلة".
وأردف: "الاحتلال يُعاني الآن من معضلة ضبط السلاح في الداخل، ففي السابق كانت معضلة يواجهها الفلسطينيون في الداخل؛ حيث كان الاحتلال يُطلق العنان لهم لاستخدام الأسلحة من أجل أنّ يقتل بعضهم بعضاً، والآن هذا السلاح توجه إلى صدور الاحتلال وبالتالي السيطرة على هذه الأسلحة يحتاج إلى وقتٍ كبير".
وأوضح أنَّ "ما يشغل دولة الاحتلال حالياً، هو محاكاة العمليات الأخيرة في الخضيرة وبني براك، من قبل الشباب الفلسطيني، بعد نجاح هذا النوع من العمليات، الأمر الذي يؤكد مدى حالة الرعب والخوف الذي وصلت له حكومة الاحتلال".
وبالحديث عن احتمالية سقوط حكومة "بينيت"، قال أبو عطايا: "إنَّ حكومة الاحتلال غير متجانسة وتجمع كافة ألوان الطيف، باستثناء اليمين المتطرف الذي يُشكل المعارضة في الوقت الحالي، فالحكومة الحالية ضعيفة ولا يُمكن أنّ يُعول عليها الشارع الإسرائيلي وفي مقابلها معارضة يمنية متطرفة متماسكة وقوية تضغط على الحكومة الحالية".
وأشار إلى أنَّ الخلاف العميق بين عضو الكنيست المتطرف عمير بن غفير، ووزير الأمن الداخلي عومير بارليف، بعد عملية أمس، يُوضح طبيعة الخلاف بين الحكومة الحالية والمعارضة في المرحلة القادمة.
وأكمل: "في المرحلة القادمة إذا لم تنجح حكومة الاحتلال في مواجهة موجة العمليات الفردية، ستكون في ورطة وفي مواجهة الجمهور الإسرائيلي".
تسهيلات مقابل الهدوء
وعن إمكانية سحب الاحتلال حزمة التسهيلات من سكان غزّة والضفة، قال أبو عطايا: "إنَّ حكومة بينيت ليست بحاجة إلى فتح جبهات جديدة، وضغط أكبر وتحريض أكبر ضد الفلسطينيين ودفعهم من أجل الانتقام".
واستدرك: "بعد العملية التي وقعت في الخضيرة، سارع بينيت إلى الإعلان بأنَّ العملية لن تٌؤثر على الإمدادات والمساعدات التي تُقدمها حكومته للفلسطينيين".
هجمات المستوطنين
ولفت أبو عطايا، إلى أنّ عملية الأمس تختلف عن العمليات السابقة كون المنفذ من الضفة الغربية، مُبيّناً أنَّ "الاحتلال لا يُريد التصعيد في المرحلة القادمة مع حلول شهر رمضان وأعياد السنة العبرية، حيث إنّه بحاجة إلى الهدوء وأيّ قرارات جماعية ستؤثر بالسلب على حكومة الاحتلال وستعطي حافزاً للفلسطينيين من أجل القيام بأعمال أكبر من السابقة".
وفي ذات الوقت توقع أنّ يُطلق الاحتلال العنان للمستوطنين بأعمال شغب واعتداء على الفلسطينيين، خاصةً في ظل مطالبات المستوطنين بحمل السلاح في شوارع المستوطنات والكيان المحتل، مُردفاً: "لكِن الاحتلال لن يسعى إلى التصعيد وسيسعي لتهدئة الأمور".
وختم أبو عطايا حديثه، بالقول: "إنَّ الاحتلال كان يخشى حلول شهر رمضان، لكِن الحديث الآن وقبل حلوله عن أكثر من 11 قتيل في أقل من عشر أيام، وبالتالي فالمواجهة ليست مرتبطة بشهر معين، ولكن قد يكون رمضان حافزاً للمزيد، وأيضاً قد تكون العمليات التي وقعت داعماً لأشخاص آخرين من أجل تنفيذ عمليات أخرى، كما أنَّ السماح للمستوطنين بتنفيذ الاعتداءات حافز للتصعيد".