العودة الى المقاومة هي هدف فلسطيني دائم بالرغم عن أي خطط لمنع ذلك. المقاومة التقليدية المنظمة من الممكن اختراقها، أما المقاومة الفردية فمن شبه المستحيل اختراقها أو اقتناصها إلا بالصدفة، وهنا تكمن أهميتها و قوتَّها . المقاومة الفردية الفلسطينية هي التوجه الفلسطيني الاستراتيجي الجديد، والاستجابة العنيدة لضغوط مستمرة ومتفاقمة لمنع المقاومة، كما أنها الكابوس الأمني الجديد للإحتلال الاسرائيلي كونها تتطلب استنفار قوى الأمن الاسرائيلي معظم الوقت وفي كل المناطق . المقاومة الفردية الفلسطينية تتجاوز أيضاً السلطة الفلسطينية وقواها الأمنية المسخرة لمنع المقاومة الفلسطينية المُنظَّمة. ومع أن هذا التطور في أعمال المقاومة الفردية لن يؤدي الى تحرير فلسطين ، إلاَ أنه بالتأكيد سوف يُحوّل حياة الاحتلال الاسرائيلي الى جحيم ، ويخلق شعوراً عامًا بالخوف وعدم الاستقرار بين أوساط الاسرائيليين عمومًا مما قد يرغمهم على البحث عن حل ما لتهدئة الأوضاع ، بالاضافة الى أنه سوف يحشر السلطة الفلسطينية في قمقم التبعية للإحتلال الاسرائيلي ، ويكشف مجدداً دورها في منع المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها و أساليبها.
اسرائيل تريد الخلاص من الفلسطينيين ، والفلسطينيون بدورهم يريدون أيضاً الخلاص من اسرائيل . لقد نسي الاسرائيليون أو تناسوا أن الظلم لا يترافق مع الاستقرار . فوجود أحدهما سوف يؤدي بالضرورة الى غياب الآخر . الاعتقاد الاسرائيلي الواهم بأن تنصيب قيادة فلسطينية تابعة له و متعاونة مع الاحتلال ومانعة لأي شكل من أشكال المقاومة المنظمة أو الشاملة سوف يشكل الحل لمشاكل اسرائيل الأمنية قد ثبت خطأه . فالفلسطينيون كأي شعب حي قادرون على الابداع في كافة الحقول بما في ذلك كيفية مقاومة الاحتلال ، وهذا ما نشهده هذه الأيام .
المقاومة الفلسطينية الفردية في كافة مراحلها من مرحلة اتخاذ القرار الى التخطيط ثم التنفيذ هي الرد الفلسطيني الآني على عنصرية الدولة الاسرائيلية و تبعية السلطة الفلسطينية وقراريهما المتسلط بوقف أعمال المقاومة و تجريمها . فالظلم والقهر وفقدان الأمل و الشعور بكل ذلك ليلاً نهاراً هو القوة المحركة لغضب العديد من الشباب الفلسطيني ، ذكوراً و اناثاً . وهذا ما يشكل القوة الدافعة لتحويل ذلك الغضب و القنوط الى أعمال مقاومة وبطولة فردية تهدف الى اذاقة العدو بعضًا من الألم الذي تسببه سياساته العنصرية و الأمنية للأجيال الفلسطينية تحت الاحتلال .
الفلسطينيون يعلمون أن المقاومة الفردية لن تؤدي الى ازالة الاحتلال ، ولكنها بالتأكيد سوف تدفع الأمور باتجاه خلق احساس اسرائيلي عام بأن الاحتلال هو حالة مؤقتة يجب أن تزول مهما طال الزمن ، مما قد يدفع الاسرائيليين إلى العمل على التقدم بحلول ترضي الفلسطينيين تحت الاحتلال بشكل حقيقي ، و تساهم بالتالي في اعادة بعض الاستقرار الى المجتمع الاسرائيلي . وهذا الأمر لا يمكن أن يتم في ظل الظروف الضاغطة و الظالمة للسياسة الاسرائيلية العنصرية بكافة أشكالها .
هنالك العديد من الرموز و الممارسات و السياسات و القوانين الاسرائيلية العنصرية التي تؤكد على تأصل العنصرية في الروح الاسرائيلية و على صعوبة التخلص منها باجراءات إستجدائية إستعطافية ، بل من خلال أعمال مقاومة تهز استقرار المجتمع الاسرائيلي و تفرض عليه واقعًا جديداً يُلغي ابتداءً كل ممارسات و أشكال و قوانين الفصل العنصري . فالجدار الفاصل مثلاً هو تعبير مادي ملموس عن عقلية الفصل العنصري الاسرائيلي . وهو بكل بساطة تعبير مادي ملموس عن الفلسفة الاسرائيلية العنصرية بأن ما لليهود هو لليهود فقط ، وأن ما للفلسطينيين هو لليهود أيضاً .
القضية الفلسطينية أصبحت الآن قضية داخلية في اسرائيل ، ليس بالمفهوم الأمني فقط ولكن أيضاً بالمفهوم اليومي الواقعي لإدارة شؤون أرض محتلة أصبحت بحكم الاستيطان و الأمر الواقع جزءا من دولة الاحتلال ، رضي من رضي أو رفض من رفض . أما بالنسبة للعرب ، خصوصًا عرب التطبيع، فقد أصبحت القضية الفلسطينية قضية اسرائيلية يتم تناولها ليس بإعتبارها جزءا من الضمير العربي و الأمن القومي العربي ، بل باعتبارها جزءا من العلاقة العربية مع اسرائيل ، و بإعتبارها بالتالي مسؤولية اسرائيلية مما يعني أن القرار المتعلق بفلسطين هو بالنسبة لأولئك العرب قراراً اسرائيلياً وليس بالضرورة فلسطينياَ . أمر عجيب فعلاً ولكنه بالنتيجة يصب في الطاقة السلبية الغاضبة التي تغذي روح المقاومة لدى العديد من الشباب الفلسطيني .
الشعب الفلسطيني هو في نهاية المطاف الضمان الحقيقي للقضية و للحقوق الفلسطينية . و الأجيال الشابة من الفلسطينيين تحت الاحتلال سوف تكون دائماً الضمان الحقيقي لاستمرار روح المقاومة الفلسطينية . طالما بقي الشعب الفلسطيني فمن المستحيل على أي جهة أو قوة مهما بلغت أن تقضي على روح المقاومة الفلسطينية للإحتلال . هذه هي الحقائق التي يتوجب على الاحتلال استيعابها و بالنتيجة الاستجابة لمؤثراتها . أما فيما يتعلق بالخيانة والعمالة فإنها موجودة للأسف في كل شعوب الأرض ومنها الشعب الفلسطيني ، و لكنها لم و لن تنجح أبداً في أن تكون هي البديل لشعوبها الحية لأن الرفض و المقاومة هي روح كل الشعوب المضطهدة ، أما الخيانة و العمالة فتولد في العادة ميتة، لأنها بلا روح .