كما في كل عام نطويه مودعين على أمل أن يحمل القادم ما هو أفضل .. نقف على عتبة العام الجديد مثقلين بإرث الدم والصراع الذي اجتاح المنطقة واتسعت رقعته في هذا العام إلى عواصم العالم، ومع كثرة هذا الاتساع يتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية أكثر وكأن كل شيء في الكون هو على حسابنا.
في كل مقال تنغلق النهاية على عام كان الأسوأ، ولم نعرف أن الأعوام القليلة السابقة كانت تفتح على ما هو أسوأ من الذي سبقها، هكذا الأمر حتى تشابهت مقالات النهايات بكثير من التمنيات وقليل من الأمل لواقع غارق في الدم والصراعات وحسابات المصالح الصغيرة التي كان وقودها الناس والحجارة لأمة تأكل نفسها وتأكل أولادها بلا رحمة.
كانت سنة صعبة على العرب حيث لم ينقطع خيط الدم لدول وشعوب اعتقدت أنها أبحرت سفنها لترسو على شطآن العدالة والحداثة، لتجد أشرعتها تكسرت وسط الموج وألقت بها الرياح العاتية نحو الصخور الجامعة، ولتجد لحم أبنائها طعاماً للطيور الجارحة وللأسماك في الأعماق أو تشيع بنواح خافت لهؤلاء الأبناء الذين اصطادتهم طائرات الموت.
من سورية حيث لم يعد للإنسان قيمة وسط صراعات النفط والغاز، مروراً باليمين وقتال أبناء العروبة وسط الدمار الهائل والمعلومات الشحيحة عما يحدث، وصولاً للعراق الذي يتشظى، مروراً بليبيا التي أسقطت في القبلية وصراعات القرون الوسطى، ومصر التي ظلت تلعب لعبة الموت في سيناء، نهاية بفلسطين التي تعيش الصراعات بين الإخوة الألداء ويأخذ الإسرائيلي حصته من الدم بهدوء وسط الضجيج المحيط.
لقد حجبت كثافة النار والغبار المنبعث من الصراع السوري الرؤية عن القضية الفلسطينية، وكادت تختفي خلف ضباب المتفجرات وغارات الطائرات وحسابات الكون التي تجسدت في هذه المنطقة التي تحولت الجغرافيا فيها إلى نقمة عليها لسوء إدارة أبنائها لوطنهم، أو ربما لأن هناك دول أتخمها النفط والغاز فلم تعد ترى بشرايين الدم سوى أنابيب للغاز .. ولم تعد ترى بالإنسان إلا جثثاً تتراكم معبدة الطرق لتمر مشاريعها الصغرى والمنافية للعروبة.
لكن بداية العام الجديد وربما تحمل بعض الأمل .. لقد وصل الدم إلى ذروته ووصل الصراع إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه بين كل الأطراف فقد كانت المنطقة تبدو كأنها على شفا حرب عالمية من الواضح أن هناك من نزع الفتيل لتبدأ بالهدوء ..
يبدو أن عام 2016 سيشهد نهاية للأزمة السورية بعد قرار مجلس الأمن وإضعاف القوى المسلحة بعد الدخول الروسي والاتفاق الروسي الأميركي على تسوية سياسية هناك، من الواضح أن حسم المسألة السورية سيتم هذا العام وهذه بالتأكيد بشرى طيبة للشعب السوري وللمنطقة التي تتوق لبعض الهدوء بعد أن اصطبغت باللون الأحمر.
فقد بتنا نشهد تراجعاً أو انحساراً لتنظيم الدولة الإسلامية في الأراضي السورية، ما يضمن تسهيل التسوية ولكن اللافت أن انسحاب «داعش» يتم بعملية انتقال هادئ نحو ليبيا؛ إذ شهدت الآونة الأخيرة وصول العديد من الكوادر والقيادات والمقاتلين إلى ليبيا لدرجة أن إحدى الإشاعات تحدثت عن وصول الرجل الأول، أبو بكر البغدادي، إلى هناك، وذلك يعني أن الصراع يمكن أن يستمر في ليبيا والأهم أنه يقترب من الحدود المصرية لذا تبدو الدولة المصرية خلال العام القادم في خطر ويمكن أن تنفتح معها معركة الدولة الإسلامية؛ لذا فإن عام 2016 ربما عام الاختبار الأكبر للدولة المصرية، وإذا تمكنت القاهرة من تجاوزه بلا أزمات ستتمكن من العبور بسلام حيث إن الدولة المصرية مستهدفة والجيش المصري الذي بقي كجيش وحيد قوي لم يتحطم دون جيوش المنطقة بعد الجيشين العراقي والسوري، فهناك من يتربص به من قبل قوى دولية كبرى وقوى إقليمية وصغرى أيضاً.
أما في الداخل الفلسطيني ربما لن نشهد كثيراً من التقدم في ملف إنهاء الانقسام ليس فقط بسبب عجز القوى الفلسطينية عن إغلاقه بل بسبب تداخل القوى الإقليمية ودورها في تمديده والدور الأكبر لإسرائيل التي تقف حارسة للانقسام كما اعترف «إفرايم عنبار»، فهذا الذي حدث لم يمكن من مصادفات التاريخ وليس نزاعاً على تقاسم السلطة والثروة فقط، بل هو مخطط رسمته وهندسته الدوائر في تل أبيب، وليس من السهل أن تفرط به إلا بإرادة فلسطينية قادرة على تحدي إسرائيل.. لكن هذه الإرادة يبدو أنها لن يتوفر منها الكثير خلال العام القادم.
لكن ربما يشهد هذا العام تقدماً في ملف الخلاف داخل حركة فتح منذ أن فصلت اللجنة المركزية للحركة عضوها محمد دحلان، فقد اجتهدت القاهرة الشهر الماضي محاولة إنهاء الخلاف، وتقول مصادر: إن القاهرة ستبذل جهداً أكبر لإحداث اختراق في ملف وحدة فتح وقد يكون ذلك بشرى لبعض أبناء الحركة يحمله العام الجديد.
ولكن تبقى التساؤلات الأكبر الذي يحملها العام الجديد للصراع مع إسرائيل، فقد شهد العام الماضي حتى في ذروة الأحداث الكونية تقدمنا نحن الفلسطينيين على الصعيد الدولي وتفهماً أكبر للرواية الفلسطينية وانكشافاً أكبر للرواية الإسرائيلية، جسّده موقف كثير من دول العالم ومنظماته، ولم يقتصر الأمر على الدول الأوروبية سواء وزيرة الخارجية السويدية والبرلمان اليوناني، بل وصل الأمر لأصوات داخل الولايات المتحدة الأميركية وهذا هو التطور الأبرز عندما يبلغ الرئيس الأميركي أوباما نظيره الإسرائيلي رؤوبين ريفلين بأن الولايات المتحدة لن تستطيع الدفاع عن إسرائيل في المؤسسات الدولية، وعندما يحذر وزير الخارجية الأميركي إسرائيل من الدولة ثنائية القومية، وعندما تقاطع جمعية الأنثروبولوجيين الأميركيين إسرائيل وكذلك جامعات أميركية، وهذا مدعاة للأمل بالنسبة للفلسطينيين بأن العام القادم أفضل على الصعيد الدولي.
ذلك ما حاول عاموس جلعاد رئيس الدائرة السياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية الإشارة إليه، أن الفلسطينيين سيعززون الهجوم السياسي والدبلوماسي على إسرائيل.
إسرائيل تتحضر لمعركة كانت لها بدايات مشجعة، وعلى الفلسطينيين الاستمرار بها، لكن ذلك يتطلب توافقات فلسطينية أكبر وتفاهمات بين أطراف لم يعد يحكم العلاقة بينها سوى خلافات تتسع أكثر فأكثر، حتى بتنا أمام مشهد من الصراعات حتى بين أبناء التنظيم الواحد ما يصعب المواجهة مع إسرائيل، وما يحدث في الضفة الغربية من هبة بعيدة عن القوى والفصائل ربما تضيء كل الأضواء الحمر أمام الفلسطينيين لما تتطلبه لحظة الضرورة التي تستدعي قراراً بطي صفحات الخلاف التي تتسع أكثر وتنذر بخوف من تشظيات أكبر.
هذا العام يحمل بعض الأمل لكن ذلك لا يعني الركون لانتظاره بل كيفية استثمار الأجواء المبشرة التدخل لإدارة واستثمار اللحظة هي لحظة عزل إسرائيل فإذا ما هدأت في سورية يصبح الملف الفلسطيني أولوية وهنا يحتاج الفلسطينيون إلى رؤية موحدة وموقف واحد ونظام واحد..!!
-