آلين فارينغتون: مثلما مر العالم بمرحلة فصل الدين عن الدولة و الذي جلب عصر التنوير و التقدم العلمي و الحضاري في شتى المجالات، تُمثل بيتكوين فصل المال عن الدولة. هذه هي الحقبة التاريخية الجديدة.

اليوم تبنت جمهورية افريقيا الوسطى عِملة البتكوين كعملة قانونية، و هي الدولة الثانية التي تبنتها بعد السلڤادور.
بيتكوين هي عملة تم صنعها من قبل فرد، أو ربما مجموعة من الأشخاص، تحت اسم "ساتوشي ناكاموتو" بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 احتجاجاً على تدخل الحكومات الغربية و إنفاقهم لمبالغ رهيبة من محفظة شعوبهم لإنقاذ المؤسسات البنكية و التأمين و الذي خلق جشعهم تلك الأزمة. لاحظ ساتوشي أن يجب أن يكون هناك نوع من المال لا يمكن للطبيعة البشرية الجشعة أن تفسده؛ نظام من المال رقمي مصنوع من الرياضيات و البرمجة، و غير قابل للتدمير.

فبدلاً من أن يثق الجميع بهيئة واحدة تجبر كل الأطراف على تقبل عِملة صناعية هي تنتجها و تتحكم بمعروضها كحال كل الأموال اليوم، بيتكوين تحاول أن تعطي الجميع خيار الثقة بنظام مالي لا تتحكم به أي سُلطة رسمية أو هيئة أو أي إنسان. هي نظام رقمي مصنوع من الرياضيات، و علم التشفير، و علوم الرياضيات المالية و المحاسبة و الاقتصاد و لها سقف محدد من المعروض، 21 مليون قطعة، في الوجود كله، و ليس بإمكان أي فرد في العالم، حتى حكومة، تغيير ذلك.

تعطي بيتكوين وسيلة للهروب من قضمة التضخم التي تتزايد و تلاحق مدخرات من عملوا طوال حياتهم بجهدهم. إن القدرة الاحتكارية للحكومات سنحت لها بأن تتحكم بالمعروض المالي في اقتصادها المحلي أو العالمي و للتأثير، و أيضاً تدمير، اقتصادات دولٍ أخرى مثل سياسات البنك الفيدرالي التي ساهمت و لو بشكل بسيط في خلق إحدى أسوأ أزمات التضخم المالي في الأرجنتين في بداية هذا القرن.

إحدى أكبر العوامل التي خلقت و ساهمت بخلق الهيمنة الأمريكية العالمية، هو جعل الدولار كعملة صعبة بعد اتفاقية بريتون وودز، و خلق نظام البترو دولار مع الدول الخليجية، و الذي خلق بدوره طلبًا دائم على الدولار مما سهل على الحكومة الأمريكية إدارة أموالها، و أعطاها قوة تأثيرية ضخمة على الاقتصاد العالمي، خاصة القدرة على خلق المليارات من الدولارات بضغطة زر حاسوب، دون مُسبب يدعم قيمتها، و تمويل الجهود الحربية العسكرية الأمريكية. إن السبب الرئيسي في وجود الهيمنة الأمريكية العسكرية في العالم هو وجود هذا النظام الدولاري الذي سمح للجيش بالأمريكي بتمويل حروبه.

بيتكوين، التي لا تتحكم بها أي جهة، تنهي هذا النظام المالي-العسكري و تتيح للدول الناشئة بتقليل الفرق الاقتصادي و التنموي الشاسع بينها و بين الدولة التي هيمنت على الآخرين بجيوشها و عِملتها. بيتكوين وسيلة حقيقية لتحقيق توازن القوى بين الدول.

الأزمة اللبنانية سببها فساد مالي خلقته مؤسسات الدولة اللبنانية بسبب قدرتها على التحكم بالليرة اللبنانية و سياسات سعر الفائدة. الأزمة المالية في ڤينيزويلا، في يوغاندا و في جنوب كوريا في تسعينات القرن الماضي - كلها أزمات مالية سببها قرارات تتخذها مجموعة من البيروقراطيين لم يتم انتخباهم بشكل مباشر، و يتخذون تلك القرارات في غرف مغلقة سهلة التأثير من قبل اللوبيات الخاصة. بيتكوين تمثل أداة للتحرر من قبضة الدولة و البيروقراطية المالية التي تفرضها جهة واحدة.

الحقيقية السرمدية للمال هي أن قيمته تأتي من ثقة الناس به. حتى الذهب. هناك معادن أكثر ندرة من الذهب، و أكثر صلابة حتى، و لكن استمد الذهب شهرته بشكل أساسي من لونه البراق و إجماع الثقافات البشرية بشكل عام أن الذهب له قيمة. الإجماع على أن شيئ ما له قيمة، يعطي له قيمة. بيتكوين يتبع نفس المبدأ.

و أخيراً، بالنسبة للمنطقة العربية، تمثل بيتكوين أداة تحرر اقتصادي مهمة للشعب الفلسطيني، لأن التحرر الاقتصادي يساهم في التحرير السياسي. إذ أن المؤسسات البنكية الفلسطينية و الاقتصاد الفلسطيني كله رهينة السياسات الاقتصادية التي يتخذها البنك المركزي الاسرائيلي. بيتكوين تسمح للشعب الفلسطيني للنفاذ من تلك القبضة القاتلة التي ساهمت بشكل كبير جداً في قتل نمو الاقتصاد الفلسطيني ككل. و كنتجية، قتل التقدم الفلسطيني في شتى المجالات.