روسيا تستخدم حماس في أزمتها مع إسرائيل

حجم الخط

بقلم محمد أبو الفضل 

 

كشفت حركة حماس الفلسطينية، الأربعاء، عن زيارة وفد رفيع يضم عددا من قادتها إلى موسكو في توقيت بالغ الحساسية، حيث يوحي أنها أرادت توظيف الأزمة السياسية الناشبة بين روسيا وإسرائيل بسبب إعلان الأخيرة دعم أوكرانيا في الحرب التي تخوضها ضد روسيا حاليا، والذي على إثره تصاعدت حدة الاتهامات.

قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن “هناك مرتزقة من إسرائيل يقاتلون إلى جانب كتيبة آزوف المتطرفة”، وذلك بعد أيام قليلة من إطلاق سيرغي لافروف وزير الخارجية تصريحات مثيرة للجدل عندما قال إن “حقيقة زيلينسكي (رئيس أوكرانيا) أنه يهودي لا تنفي وجود عناصر نازية في أوكرانيا”، في سياق الرد على تأكيد إسرائيل مساعدة كييف بالآلاف من الخوذ والدروع.

واعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أن تصريحات لافروف “تمثّل ذروة تدحرج العلاقات المركبة بين البلدين”، وقال وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد إن هذه التصريحات “مشينة ولا تغتفر، وتمثل خطأ تاريخياً فادحاً”، بينما أكد رئيس الوزراء نيفتالي بينيت أنها “في غاية الخطورة”، وكلها علامات تؤكد أن ثمة أزمة قابلة للمزيد من السخونة.

عندما يزور وفد من حماس في هذه الأجواء الملغمة يُفهم على الفور أن قيادة الحركة أرادت استثمار هذا التوتر لصالحها وضمان وقوف موسكو في صفها بلا مواربة، وأنها تحاول توظيف الموقف بصورة سياسية بما يشير إلى أنها على مسافة قريبة من موسكو أكثر من أيّ وقت مضى، وأن الحركة تؤيد رؤيتها في الحرب داخل أوكرانيا.

من حق حماس أن تفكر بالطريقة البراغماتية التي اعتادت عليها وترى أنها تناسب مصالحها، لكن عليها ألا تتحدث هي أو غيرها عن رغبة موسكو في التدخل لتقريب الرؤى بين الفصائل، أو أن موسكو على استعداد للقيام بدور فعال في القضية الفلسطينية، كما حدث في ديسمبر الماضي وقت أن زار وفد حماس موسكو.

ما يجري الآن بين الأطراف الثلاثة، روسيا وإسرائيل وحماس، لا علاقة له بأيّ حلول فلسطينية داخلية أو مع تمهيد الطريق لتسوية مع إسرائيل، فالظروف التي تعيشها موسكو حاليا لا تسمح لها بإيهام المراقبين أن هناك أجندة سياسية محددة بخلاف الحرب التي تخوضها في أوكرانيا وما تنطوي عليه من تداعيات متباينة.

تنغمس روسيا في الحرب من شعر رأسها وحتى أخمص قدميها، ولا مجال للحديث عن وساطة من أيّ نوع تتعلق بحركة حماس، على المستويين الداخلي أو الخارجي.

وهذه زيارة تختلف عن كل الزيارات السابقة التي قامت بها حماس إلى موسكو من قبل وما صاحبها من تقديرات حول القيام بدور وساطة يخرج عملية السلام من جمودها ويضمن لروسيا مقعدا بالتوازي مع الولايات المتحدة التي احتكرت العملية.

هذه زيارة يمكن وصفها بـ”المكايدة السياسية”، إذ تريد روسيا أن تستغلها في إطار التصعيد مع إسرائيل، وتسعى الحركة لاستثمارها لتأكيد أن خياراتها الإقليمية والدولية لن تنضب، وإذا كانت تركيا أعلنت تحفظها على استقبال عناصر الحركة مؤخرا، فإن حماس يمكنها أن تجد في روسيا ملاذا سياسيا أكثر أمنا في الفترة المقبلة.

ينصبّ هذا النوع من التقديرات على أن الأزمة بين موسكو وتل أبيب مستمرة لفترة طويلة، ويتجاهل أن ما يجري بينهما يعدّ من قبيل الأزمات التكتيكية التي يمكن احتواؤها في المدى المنظور عندما تتلاشى أسبابها.

فالنبرة المستخدمة في التصعيد الظاهر بين البلدين يمكن احتواؤها بسهولة، فلا موسكو على استعداد لفتح جبهة مع اللوبي اليهودي الآن، ولا تل أبيب تستطيع تحمل تكاليف أزمة استراتيجية مع روسيا التي توجد قواتها بكثافة على مرمى حجر في سوريا.

ما يمكن قوله في هذا السياق إن روسيا تحاول توظيف ورقة حماس في خلافها مع إسرائيل باقتدار، وإن الأخيرة إذا كانت تعتزم دعم أوكرانيا بالخوذ والدروع عليها أن تعلم بإمكانية أن تقدم الأولى للحركة ما يفوق ذلك، بمعنى أن حماس ربما تتحول إلى قاعدة خلفية أو ما يشبه سلاح الردع الخفيف الذي يتناسب مع طبيعة المعركة الراهنة.

تنطوي زيارة وفد حماس إلى موسكو في هذا التوقيت على دلالة أخرى مفادها أن روسيا يمكن أن يتطور دورها من الحياد الذي حرصت عليه الفترة الماضية وعدم الإخلال بالتزاماتها التاريخية حيال الوقوف في صف ثوابت إسرائيل إلى مساندة حماس بأنواع مختلفة من الدعم قد يرهق تل أبيب ويشتت حساباتها في المنطقة.

لم تصل الأزمة بين الجانبين بعد إلى المستوى الذي يمكن معه القول إن حماس على وشك أن تتلقى دعما ماديا من روسيا، لكن إذا أصرت إسرائيل على الانخراط في الأزمة الأوكرانية لصالح كييف فقد تجد نفسها في مواجهة العديد من الجبهات المدعومة بوضوح من موسكو، وهو ما لم يكن موجودا على مدار السنوات الماضية حيث اقتصر الدعم على الشق المعنوي للفلسطينيين.

أرادت حماس من زيارتها الحالية توصيل رسالة إلى إسرائيل تشير إلى أن الحركة أمام تطور نوعي في علاقتها مع روسيا، وأن لعبة الحرب والهدوء في قطاع غزة التي كانت توازناتها العلنية والضمنية معروفة في السنوات الماضية قابلة للتغير، وحماس غير مستبعد أن تتحول إلى ذراع إقليمية في يد موسكو.

يؤكد الاستقبال الذي يلقاه وفد حماس خلال زيارته إلى روسيا ونوعية الاجتماعات التي يعقدها هناك والقضايا التي يناقشها شكل الطريقة التي سوف تتعامل بها موسكو مع الحركة الفترة المقبلة، وما إذا كانت ستهمل العلاقة التاريخية التي ربطتها بحركة فتح ومكّنتها من تقديم نفسها كطرف محايد بين القوى الفلسطينية.

إذا كان بإمكان موسكو أن تكسب رمزيا ومؤقتا عبر تطوير العلاقة مع حماس، فإنها يمكن أن تتكبد خسائر في المقابل وتبدو كمن يتخلى عن حركة فتح في ظل المعادلة الصفرية التي تربط فتح بحماس حاليا، والتي تجبر بعض الدول للوقوف على الحياد بدرجة كبيرة، لأن ما تكسبه روسيا باليمين من وراء الإيحاء بأنها تحتضن حماس يمكن أن تخسره بالشمال عندما تستشعر فتح أنها لم تعد قريبة بما يكفي من موسكو.

تخيم على زيارة وفد حماس ظلال غامضة تؤثر على القضية الأم، فالزج بها في خضم معارك جانبية بعيدة عن الهموم التي يحملها الشعب الفلسطيني وحركاته الوطنية يدخلها في دوامات فرعية، ويكرّس وضعها كأداة في يد قوى إقليمية ودولية للمتاجرة بها، ومهما اختلفت الأسماء سوف يظل هذا السمت يلازمها، والذي أضر بها كثيرا.