حينما جرَت العمليات الإرهابية الأخيرة في سيناء، اعترى المصريين نوعان من المشاعر، أولهما يتعلق بالشهداء والمصابين، حيث الترحُّم والدعاء بالشفاء؛ وثانيهما التساؤل عن أسباب الظهور المفاجئ للإرهابيين بعد عام ونصف العام تقريباً تراجعت فيها العمليات الإرهابية إلى الرقم صفر.
كان التفسير الأول للحادث أنه رد فعل للإعلان عن الحوار السياسي بين القوى السياسية المصرية حول المستقبل المصري، والذي فسرته الدوائر الإخوانية والإرهابية في الخارج على أنه نوع من التراجع في سلطة الدولة بسبب الأزمة الاقتصادية.
التفسير الآخر يأخذ منحى هو أن العنف الإرهابي ما هو إلا مواجهة لعملية تنمية سيناء وتعميرها وأخذها وتيرة سريعة تظهر في استصلاح الأراضي الزراعية، وبناء المصانع التعدينية، وظهور المدن الجديدة، بما فيها مدينة السلام، المُقدَّر لها أن تكون العاصمة الاقتصادية لمصر، وعمليّا فإن ستة من الأنفاق أسفل قناة السويس تفتح الأبواب نحو التواصل السكاني بين الوادي والدلتا وشبه جزيرة سيناء.
في مثل هذه الأجواء التنموية فإن قدرة الإرهابيين على الإرهاب تتراجع مع فقر التجنيد، وقلة القدرة على التواصل مع السكان.
التفسير الثالث ذكرته في مقال نُشر في ١٠ تشرين الأول ٢٠٢١ بعنوان: «ثلاثة أنواع من المعتاد الجديد»، أشرت فيه إلى ثلاثة أنواع من الظواهر سوف نعتادها، بينما تستمر الحياة والتنمية، وكانت «الجائحة» والإرهاب وصعود الصين. وما يهمنا منها هو أن التنظيمات الإرهابية - التي أخذت في التراجع من حيث عدد العمليات والضحايا والمصابين، نتيجة سقوط الإخوان المسلمين في مصر وانكشافهم في دول أخرى وهزيمة دولة الخلافة في سورية والعراق وبعثرة مكوناتها - بدأت لملمة صفوفها في أعقاب الخروج الأميركي من أفغانستان.
وقتها أعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية مايك ميللي أن الولايات المتحدة حققت «نصراً لوجستيّاً» - أي في سحب قواتها وأنصارها من كابول - ولكنها أحرزت «فشلاً استراتيجيّاً»، أي هزيمة الإرهاب واستئصاله.
ما حدث بالفعل هو أن الإرهاب بات مثل السرطان لا يكف عن الانتقال والانتشار، واعتراض الحياة والتنمية والمسار الإنساني في العموم.
ما توصلت إليه دول العالم بات أنه لا بد من استمرار مسيرة البشر وكأنه لا يوجد إرهاب، ومقاومة الإرهاب كما تتم مقاومة الجريمة المنظمة بحيث لا تشل قدرة الدول على التقدم.
الآن تغيرت ظروف عالمية وإقليمية كثيرة أعطت الإرهابيين قدرة على إعادة التنظيم مرة أخرى، والقيام بعمليات إرهابية في العراق وسورية ومنطقة الساحل والصحراء وبأشكال متفرقة في معظم دول العالم.
وفيما يخص مصر تحديداً، ووفقاً لدراسة أجراها الأستاذ أحمد كامل البحيري، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه اعتباراً من شباط ٢٠١٥ فإن تنظيم «داعش» الإرهابى فقد السيطرة الفعلية على مناطق جغرافية للارتكاز، وتراجعت قدراته التنظيمية والقتالية، وكذلك قدراته على التجنيد سواء كان ذلك من عناصر مصرية أو من غير المصريين.
تدريجيّاً أخذ التنظيم يفقد قوته على التأثير من خلال عمليات إرهابية، وابتداء من بداية هذا العام تصاعدت العمليات البطولية لأجهزة مكافحة الإرهاب، حيث تمكنت من قتل القائد العسكري الأبرز في تنظيم داعش، «أبو عمر الأنصاري»، خلال شهر نيسان المنصرم، بالإضافة إلى تصفية العديد من قيادات التنظيم والمسؤولين عن بعض المناطق كما حدث من قتل مسؤولي التنظيم بقرية «المقاطعة».
ومع نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا وانصراف الأنظار الدولية عن الحرب ضد الإرهاب، فإن التنظيمات الإرهابية العالمية وجدت في الأمر فرصاً مواتية لاستئناف مسيرتها مرة أخرى في التجنيد والقتل ومن خلال الدعوة إلى تنفيذ عمليات إرهابية تثأر لمقتل زعيمى تنظيم داعش، أبو إبراهيم القرشي وأبو حمزة القرشي.
وهكذا فإن بعض الآثار الجانبية للحرب الأوكرانية بات رفع الضغط عن الإرهاب (مضافاً إليه قضايا مثل جائحة «كورونا»، والاحتباس الحراري للكرة الأرضية).
وفي مصر فإن مقدمة المواجهة تقع من صفوف المقاتلين المصريين جيشاً وشرطة البواسل الذين يخوضون واحدة من أشرف المعارك التي عاشتها مصر في تاريخها المعاصر. ومن خلفهم فإن الشعب المصري يسير في مسيرته من أجل التنمية، التي تقع في قلبها عملية تعمير سيناء، التي لم تعد محض شعار مرفوع، ولا خطة تُوضَع لذَرّ الرماد في العيون، وإنما هي واقع مُشيَّد على جبهات المدن الجديدة ومشروعات التعدين ونصف مليون فدان يفقأ اخضرارها عيون الخوَنة والإرهابيين.