مسيرة الأعلام الاسرائيلية.. محاولة لفرض واقع جديد بمنطق القوة

حجم الخط

بقلم: منير الغول

 

 

منذ العام ١٩٦٧ وبعد احتلال الشطر الشرقي لمدينة القدس وضمه الى القدس الغربية فيما يوصف ب"القدس الموحدة" التي تدعي اسرائيل انها عاصمة لها رغم وقوع المدينة تحت الاحتلال وبالتالي يجب اخضاع اي عملية سياسية او اجتماعية او اقتصادية فيها الى ما تنص عليه المعاهدات الدولية، الا ان اسرائيل ضربت بعرض الحائط كل هذه المعاهدات وامعنت في سياستها اليمينية المتطرفة في مسعى لتهويد كل ما تبقى من آثار فلسطينية وعربية في المدينة.

 

كانت مسيرة "الرقص بالاعلام" التي تنطلق عادة من غربي القدس وتحديدا من شارع يافا وصولا الى باب العامود وابواب القدس حتى نقطة النهاية في حائط البراق ،احد المظاهر التي يعتبرها المستوطنون والمتطرفون اليهود احد اهم معالم السيادة ورمزها الاهم العلم الاسرائيلي الذي يجب ان يرفع في كل انحاء اسرائيل وليس في القدس وحسب وفقا للسياسة الاسرائيلية . واليوم نجد في خطط وتصرفات واعمال حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت ازاء الفلسطينيين، توافقا تاما مع نهج اليمينيين والمستوطنين المتطرفين.

 

فبعد فشل مسيرة الاعلام العام الماضي بسبب اطلاق صواريخ المقاومة من قطاع غزة نحو الاجزاء الجنوبية الغربية من مدينة القدس وما اعقبها من هجمات اسرائيلية على غزة ، كل ذلك ادى هذا العام لارتفاع وتيرة التحدي بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي واطراف اخرى مثل حزب الله ،في حرب تصريحات عنيفة توحي بأن المنطقة ستتجه الى حرب ولكن في حقيقة الامر فان التوتر الناجم عن هذه المسيرة كان ينتهي فور ختام المسيرة لسنوات طويلة مضت.

 

انطلقت اولى المسيرات عام ١٩٦٨ وشارك بها عشرات المستوطنين، لكن المسيرة تطورت في السنوات الاخيرة واصبح عدد المشاركين فيها يتجاوز الخمسين الفا من اليهود الذين يتوافدون على المدينة ويسيرون عبر شوارعها وأزقتها لإحياء ذكرى احتلال الجزء الشرقي منها ووقوع المدينة برمتها تحت السيطرة الإسرائيلية.

 

ويحمل المشاركون فيها وبينهم عدد كبير من الصبية والمراهقين، الأعلام الإسرائيلية ومكبرات الصوت وهم يرقصون وينشدون أغان وأناشيد اسرائيلية .

 

ويرى الفلسطينيون والعديد من الإسرائيليين أن هذا الاحتفال عمل استفزازي من قبل الجماعات المتطرفة وحركات الاستيطان المتشددة، حيث يحاولون المرور عبر الحي الإسلامي في البلدة القديمة انطلاقاً من باب العمود وصولا إلى حائط حائط البراق الذي يسميه اليهود "المبكى"، حيث يجتمع المشاركون في نهاية المسيرة.

 

وتفرض الشرطة الإسرائيلية إجراءات أمنية مشددة يشارك فيها الآلاف من رجال الأمن وعناصر الجيش في القدس والضفة الغربية تحسباً لوقوع صدامات او اعتداءات من قبل المتطرفين اليهود على الفلسطينيين.

 

ما الذي تغير خلال الاعوام القليلة الماضية وجعل هذه المسيرة في مقدمة البقع المشتعلة التي قد تؤدي الى تصعيد قد لا يحمد عقباه ؟ الجواب ببساطة هو السياسة الاسرائيلية التي لاحظنا تطرفها الشديد وتعاملها مع الفلسطينيين في شرقي المدينة بشكل عنيف خصوصا ارتفاع وتيرة الاقتحامات للمسجد الاقصى والتهديدات بهدمه واقامة الهيكل المزعوم مكانه وابعاد النشطاء عن محيط القدس والبلدة القديمة وسياسة الاعتقالات وحتى الاغتيالات والاغلاق ومنع المؤسسات الفلسطينية من العمل في مدينة القدس واغلاق معظمها، اضافة لمحاولة السيطرة على كل مناحي الحياة الاجتماعية في المدينة وخصوصا ما يجري في الشيخ جراح وسلوان وجبل المكبر وغيرها من المناطق، اضافة لتعكير الاجواء في شهر رمضان المبارك ومنع المصلين من الدخول لاداء فريضة الصلاة والعبادة بشكل هادئ ومطمئن والاعتداء على الشبان في منطقة باب العامود التاريخية ذات الشواهد العربية الفلسطينية التي يحاول الاحتلال جاهدا تهويدها من خلال بناء منصات جديدة في ثلاثة مواقع بباب العامود يستعملها جنود حرس الحدود والشرطة لقمع التواجد الفلسطيني.

 

هذه السياسة التي تجسدها الحكومة الاسرائيلية بشكل فاضح وتطلق العنان لتنفيذها من قبل المستوطنين وتسمح لهم باطلاق النار بعد موجة العمليات الاخيرة ،تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك ان هذه الحكومة ارتدت اكبر حجم من ثوب التطرف حتى وصلت الامور الى قمع كل من يحمل علم فلسطين في مدينة القدس. والشواهد على ذلك عديدة واهمها ما جرى في مراسم تشييع الشهيدة الصحفية شيرين ابو عاقلة والشاب المقدسي وليد الشريف الذي اصابته رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط داخل المسجد الاقصى استشهد على اثرها في المستشفى.

 

ان مسيرة الاعلام التي تصر اسرائيل على اقامتها اليوم الاحد واقتحامها باب العامود والبلدة القديمة والحي الاسلامي، ما هي الا وسيلة أخرى من وسائل ومحاولات فرض السيادة والهيمنة الاسرائيلية على مدينة القدس بمنطق القوة الذي تحميه عشرات الاجهزة الامنية الاسرائيلية معززة بالاف الافراد من الشرطة والمخابرات وحرس الحدود، حيث ان هناك توافقا امنيا كاملا على ابقاء خارطة مسيرة الاعلام كما هي رغم التهديدات من قبل الفصائل الفلسطينية والاسلامية بالرد عليها اذا ما توجهت للمسجد الاقصى.

 

ومن أبرز الساسة الإسرائيليين الذين يعملون على تنظيم هذه المسيرة هذا العام، عضو الكنيست عن تحالف "الصهيونية المتدينة" ايتمار بن غفير المتحالف مع زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو.

 

وبن غفير هو أحد تلامذة الحاخام المتطرف الراحل مئير كهانا ورئيس حزب "عوتسما يهوديت"-الكاهاني الجديد-، الذي اندمج في تحالف "الصهيونية المتدينة" قبل الانتخابات في خطوة أشرف عليها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

 

ان الاصرار الاسرائيلي يؤكد ان هذه المسيرة استعراض لمنطق قوة جديد تحاول من خلاله حكومة الاحتلال فرض قوتها نهائيا وكليا على الشارع المقدسي، اضافة الى ان ما لم يتحقق العام الماضي خلال هذه المناسبة دعا جماعات الهيكل والمنظمات المتطرفة منذ أيام للتصعيد من تصريحاتها العدوانية تجاه المسجد الأقصى، وما زالت تحشد المزيد من المؤيدين للمشاركة في تنفيذ اقتحامات بأعداد كبيرة للمسجد يتم خلالها رفع العلم الإسرائيلي وغناء النشيد القومي وأداء الصلوات الجماعية العلنية ثم المشاركة في مسيرة الأعلام عصرا.

 

اخيرا، مسيرة الاعلام هي جزء حيوي من معركة السيادة على القدس التي فقدتها اسرائيل في بعض المحاور المتوترة وتجد حكومتها اليوم متنفسا في دعوات المتطرفين وجماعات الهيكل لمحاولة فرض السيادة . وهذه المرة بمنطق القوة الذي تعودنا عليه ولم يعد غريبا على دولة الاحتلال وحكومتها المتطرفة