هارتس : الحَرَم هو نقطة نهاية الصهيونية!

حجم الخط

بقلم: تومر برسيكو

 

 


أراد الجنرال احتياط غرشون هكوهين جدا ربط الحرم ببداية الصهيونية، لكن عندما قال بصورة قاطعة في استوديو "أخبار 13" إن جبل الهيكل (الحرم) كان "مصدر الإلهام الرئيس للمشروع الصهيوني"، أو عندما قال في "هآرتس" لشني ليتمان إن توقه ونشاطه من أجل جبل الهيكل "يرتكز على ديالكتيك زعماء حركات العمال الطلائعية، خاصة تراث بن غوريون" ("هآرتس"، 31/5)، فإنه يشارك بتشويه آخر من التشويهات الديماغوجية التي يتم إغداقها علينا من جانب اليمين في الفترة الأخيرة.
الحقيقة هي معاكسة كليا. فدافيد بن غوريون لم يرغب في جبل الهيكل، ومثله أيضا جميع زعماء الصهيونية. اعتقد هؤلاء أن البلدة القديمة ليست أكثر من خرائب تحتوي على خزان إشعاعي من الإشعاع الديني.
أراد بن غوريون  التخلص منه عن طريق تقسيم المدينة إلى قسمين، شرق وغرب. وبعد أن عارض رؤساء اليشوف اليهودي خطة التقسيم التي طرحتها لجنة بيل (1937) كتب أن الأمر يتعلق بـ "كارثة كبيرة" التي ربما ستحكم على مستقبل الاستيطان اليهودي بأن يكون قبيلة.
وقد واصل بن غوريون في رسالته التي أرسلها في تموز 1937 إلى مركز "مباي" وكتب "من الكارثي أنه تغلبت في القدس المليشيا الوطنية، العقيمة والجوفاء والغبية، على الإبداع الرسمي المنتج. والقدس الآن هي "موحدة" تحت حكم عائلة النشاشيبي وعائلة الخالدي، لأنه مطلوب لأي قائد مقدسي سيطرة على الحرم وعلى مسجد عمر".
يستخف بن غوريون بشكل صريح بالرغبة الوحشية للسيطرة على الحرم، ويرى في عدم تقسيم المدينة المستند إلى بلاغة جوفاء بكاء لأجيال.
مبرره كان "قدس يهودية، متحررة من الشراكة المخصية للأفندي العربي والموظف البريطاني ومقطوعة عن البلدة القديمة التي ليس لها علاج سوى أن تصبح متحفا دينيا وثقافيا لجميع الأديان، وخالية من الأحياء العربية التي تبتلع قوتنا، كانت ستحفز قدرتنا الإبداعية ومواهبنا الحضرية".
في أحلامه رأى بن غوريون استيطانا يهوديا حديثا ومتطورا ويشكل مجتمعا ديناميكيا متقدما، ديمقراطيا واشتراكيا.
وقد عرف أن ابتلاع سكان عرب كثيرين سيقوض السيادة اليهودية. وأن ربط البلدة القديمة بشحنتها الدينية سيسلب من المشروع الصهيوني – العلماني قوته وشجاعته.  ستوقظ السيطرة على الحرم من الأعماق الحنين القديم للهيكل والكهنة والقرابين، التي بالنسبة له هي النقيض المطلق لليهودية العلمانية، "العبرية" التي ميزت الاستيطان العبري الطلائعي. حكم البلدة القديمة حسب رأيه هو أن تصبح متحفا.
أيد بن غوريون إبقاء البلدة القديمة "تحت حكم دولي حتى النهاية"، مثلما قال في حينه. هذه الرؤية كانت مشتركة بينه وبين حاييم وايزمان، الرئيس الإسرائيلي الأول، الذي قال في 1937: "لم أكن لأقبل البلدة القديمة حتى لو أعطوني إياها كهدية".
ومعروف أيضا التأييد الذي اسمعه موشيه ديان عندما أطل على البلدة القديمة في بداية حرب الأيام الستة: "ماذا نريد من كل هذا الفاتيكان؟". فعليا، سبق لهرتسل ووصف في كتابه "الدولة اليهودية"، البلدة القديمة كمركز دولي للمؤتمرات.
لا يدور الحديث هنا عن مشاعر سطحية مناوئة للدين، بل عن إدراك بأن البلدة القديمة كمركز ديني، تحوي في داخلها إلغاء الصهيونية مثلما أدرك ذلك هؤلاء الأشخاص. الحركة الصهيونية أرادت أن تخلق يهوديا جديدا، يهوديا وطنيا وعلمانيا، الذي ارتباطه بالماضي يمتد إلى أبطال جيش الشعب من جهة (الملك داود، الحشمونيون وباركوخبا)، ومن الجهة الأخرى إلى الأنبياء، الذين حلموا بمجتمع عادل فيه يتم توفير احتياجات الأغنياء والفقراء، ويتم تحقيقه عن طريق تأسيس مجتمع مثالي في دولة الرفاه الاشتراكية.
لقد أدركوا جيدا أن الحرم، بصورة خاصة، هو نقطة نهاية الصهيونية، المكان الدقيق الذي فيه تنقلب الصهيونية على أبنائها وتتحول من حركة علمانية ووطنية إلى حركة دينية ومسيحانية.
الهيكل، يجب أن نذكر، هو ليس فقط رجالا يرتدون العباءات البيضاء ويذبحون ويحرقون الأبقار، بل أيضا سنهدرين وملك. ولم نتحدث بعد عن المسجد الأقصى.
كل ذلك عرفته أيضا حركة همزراحي وحركة المفدال. حتى بداية القرن الحالي كان الإجماع تقريبا مطلقا في أوساط الحاخامات الصهاينة – الدينيين، أن الحج إلى الحرم محظور، وعدد الحجاج الذين يحافظون على الوصايا كان قليلا جدا.
نشهد في السنوات الأخيرة تغييرا كبيرا في الرؤية الدينية بخصوص جبل الهيكل: بدلا من الحرص على حظر الحج إليه، فتاوى السماح من قبل حاخامات رئيسيين. وبدلا من إبقاء الهيكل لأيام المسيح، فإن هناك أحاديث صريحة عن بنائه القريب على يد دولة إسرائيل.
ومثلما مشروع الاستيطان لم يكن في أي يوم المرحلة ب في الصهيونية، بل تقويض للبراغماتية الحذرة والاستعداد للتنازل من قبل زعماء الحركة في السابق وتقليص احتمالية وجود دولة يهودية وديمقراطية مع كل يوم يمر وكل مستوطن آخر، فإن "مظاهرات السيادة" الحالية في الحرم ليست جزءًا من "مقاربة استراتيجية لمزامنة منظومات التوتر"، مثلما قال غرشون هكوهين بلسانه الماكر، بل سهم قومي متطرف عديم المسؤولية يقوّض أسس الدولة.
يجب القول إن الحوض المقدس يوجد في يد دولة إسرائيل، واستيقاظ الاشتياق لجبل الهيكل هو تقريبا أمر محتم.
عرف بن غوريون أن هذا ما سيحدث. إضافة إلى ذلك، لا يمكن ومن غير المناسب أيضا التنكر للعلاقة التاريخية والعاطفية لشعب إسرائيل مع جبل الهيكل.
السؤال المطروح الآن هو: كيف نوازي بين الرغبة الأصيلة لليهود، الحج والصلاة في الحرم، وبين الاحتياجات الجيوسياسية الواقعية والوجودية لإسرائيل. ولكن الطريق إلى هذا التوازن لا تمر بإعادة استنساخ تاريخ الصهيونية.
نحن في عهد جديد، وهذا يقتضي قرارات حاسمة قاسية. ومن أجل ألا تحكم السيطرة على جبل الهيكل على الصهيونية بالفناء، مثلما خاف بن غوريون، يجب على الحكومة أن تقف أمام نشطاء عيونهم معصوبة ولسانهم منفلت، مثل هكوهين وأصدقائه، والوقوف إلى جانب القانون ووضع استراتيجية واضحة.

عن "هآرتس"