عين الهند على حيفا... إيران تبحث عن شركاء جدد لتمويل تشابهار

حجم الخط

بقلم يوسف بدر

تمثل الهند نقطة بداية في ممر "شمال-جنوب" الاقتصادي، الذي يربط بشكل رأسي، ميناء مومباي على الساحل الغربي للهند مروراً ببحر العرب حتى ميناء تشابهار الإيراني، وصولاً إلى روسيا ودول أوروبا باستخدام خطوط السكك الحديد والموانئ البحرية، فضلاً عن تحرك هذا الممر بشكل أفقي، حيث يربط الصين ودول آسيا الوسطى وبحر قزوين وإيران وصولاً إلى روسيا والبحر الأسود وتركيا.

 

وبالنسبة إلى الهند، فهذا المشروع يساهم في دعم اقتصادها كثيراً؛ إذ ستتمكن صادراتها من الوصول إلى أسواق أوروبا؛ من أجل التنافسية مع الصين التي تغرق منتجاتها الأسواق الغربية، بالإضافة إلى تفعيل دور الهند كمحطة تجارية لنقل وترانزيت البضائع من دول جنوب وجنوب شرقي آسيا وإليها. كما يحقق لها الوصول إلى دول آسيا الوسطى وإيران وأفغانستان من دون المرور بأراضي الخصمين، الصين وباكستان.

 

نقطة الاتصال الأولى

 

يمثل ميناء تشابهار الواقع في جنوب شرقي إيران، على حافة المحيط الهندي، نقطة اتصال الهند بإيران، ومن ثم الوصول إلى أفغانستان ودول آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية. ولذلك كانت نيودلهي المستثمر الأكبر في تشابهار؛ حيث كان الاتفاق أن تقوم الهند باستثمار قيمته 85.21 مليون دولار وإنفاق 22.95 مليون دولار من الإيرادات سنوياً. لكن عملياً، فالهند تتحرك بوتيرة بطيئة؛ إذ لم تستثمر سوى 25 مليون دولار فقط في هذا الميناء. ويتهم الإيرانيون نيودلهي بأنها لم تستغل فرصة إعفاء ميناء تشابهار من العقوبات الأميركية، لإكمال مشروعهم، وأنها تتلاعب بإيران لأمور تتعلق بالتنافس مع الصين وتقاربها مع دول الخليج وإسرائيل.

 

ويبدو أن المتغيرات الجيوسياسية التي تحدث في منطقة غرب أوراسيا؛ حيث الحرب في أوكرانيا وتوسع الناتو في أوروبا الشرقية وبحر البلطيق، وأيضاً المخاوف من التوتر في منطقة القوقاز، تقود الهند إلى البحث عن مسارات بديلة للوصول إلى أوروبا، فضلاً عن الضغوط الأميركية والخليجية لمحاصرة الدور الإيراني العسكري والاقتصادي في المنطقة.

 

الوصول إلى حيفا

 

تباطؤ الهند في مشروع تشابهار دفع الإيرانيين إلى الحديث عن مشروع منافس، وهو خط السكك الحديد الذي سيربط الخليج العربي بميناء حيفا الإسرائيلي، مروراً بدول مجلس التعاون الخليجي والأردن، وصولاً إلى البحر المتوسط وتركيا ومن ثمّ أوروبا، بخاصة أن التطبيع بين بعض دول الخليج وإسرائيل سيساهم في تفعيل هذا الممر الاقتصادي، والهند لديها علاقات قوية مع دول الخليج وإسرائيل.

 

وإن كان هذا المشروع يطلق عليه ممر السلام بالنسبة إلى دول الخليج وإسرائيل؛ لكنه بالنسبة إلى لهند يطلق عليه ممر الطاقة والتجارة والغذاء؛ حيث الهند كواحد من عمالقة الغذاء في العالم، قد تعزز موقعها في سلسلة التوريد بعد وقوع الأزمة الأوكرانية. وهي تبحث أيضاً عن وصول منتجاتها وتجارتها إلى مناطق أبعد.

 

وإسرائيل هي واحدة من أكثر الدول تقدماً في مجال التكنولوجيا الزراعية التي تطمح الهند للاستفادة منها لتطوير إنتاجها الزراعي، بما يضمن الحفاظ على عملية التوريد لمنطقة الشرق الأوسط. 

 

والعلاقات الاستراتيجية بين الهند وإسرائيل آخذة في التطور بعد الأزمة الأوكرانية، في ظل المخاوف من تكرار سيناريو روسيا مع الصين؛ حيث تحتاج نيودلهي إلى خبرات تل أبيب العسكرية والتكنولوجية. والدولة العبرية تحتاج إلى حجم التجارة والإنتاج الذي تمتلكه الهند، الذي من الممكن أن ينشّط الموانئ الإسرائيلية بما يضعها على خريطة الاقتصاد العالمي.

 

الوضع المتعثر لميناء تشابهار، دفع تحليلات الخبراء في إيران إلى الحديث عن دور روسيا في إفشال الموانئ السورية وعسكرتها، ودور إسرائيل في ضرب مرفأ بيروت الاستراتيجي؛ من أجل أن يصبح ميناء حيفا الإسرائيلي هو المسار الأكثر أماناً واستقراراً لنقل التجارة بين الخليج وأوروبا، والهند بالفعل ترتبط بدول الخليج وموانئها.

 

مسار بديل

 

لا يمكن القول إن الهند قد تبتعد تماماً عن ممر "شمال-جنوب"؛ لكنها لا تراهن عليه كمسار وحيد نحو أوروبا، فضلاً عن سياسة التوازنات التي تتبعها في علاقاتها الخارجية، ومنافستها للصين، والضغوط الأميركية التي تتعرض لها. 

 

فقد انضمت إلى المحادثات الرباعية التي دارت بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2021؛ وبدت الهند تسعى إلى احتواء النفوذ الاقتصادي للصين في الشرق الأوسط، وتبعث برسالة أيضاً إلى إيران التي تراهن على الصين كثيراً في مستقبل تجارتها وتنمية اقتصادها. وأيضاً، في 24 أيار (مايو) 2022 شاركت الهند في اللجنة الرباعية في طوكيو، التي شملت قادة المحيطين الهندي والهادئ، (اليابان وأستراليا والهند) إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية؛ والهدف كان تطويق الصين ومواجهة  "الغزو" الروسي لأوكرانيا.

 

والنتيجة أن الهند لا تغادر الطريق والمرور عبر "شمال-جنوب"، فهي في حاجة للوصول إلى دول آسيا الوسطى عبر إيران بدلاً من الصين. كما أنها عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، التي إيران أحد أعضائها. 

 

كما أن التجارة بين الهند وروسيا تستغرق 50 يوماً عبر ميناء روتردام الهولندي أو ميناء تشينغداو الصيني؛ بينما تستغرق ما بين 16 إلى 21 يوماً عبر إيران. 

ولكن تدور سياسة نيودلهي في فلك التوازنات الإقليمية والدولية التي تحكم سلوكها الخارجي؛ بخاصة أن كانت سياسة التوازن هذه تخدم مصالحها الاقتصادية وتساعدها على التنافس مع خصوم مثل الصين. 

 

شركاء جدد

 

يمكن ملاحظة أن الأزمة الأوكرانية أيضاً عززت من أهمية ممر "شمال-جنوب" بالنسبة إلى روسيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز؛ فالمؤتمر التجاري الإيراني الروسي الذي استضافته طهران في 26 أيار (مايو) الماضي، كان يهدف إلى تفعيل هذا الممر في خدمة التجارة الروسية التي تبحث عن ممرات جديدة بعيداً من العقوبات ومناطق الصراع مع أوروبا. 

 

ويبدو أن إيران التي يواجه مشروعها نقصاً في التمويل والدعم المالي بسبب العقوبات وبسبب مخاوف المستثمرين من التحديات الأمنية والجيوسياسية التي تواجه هذا المشروع؛ تحاول الاستفادة من الأزمة الأوكرانية في تلبية احتياجات دول آسيا الوسطى والقوقاز عن طريق هذا الممر؛ فقد استضافت الملتقي الدولي لآفاق التعاون بين إيران ومنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود (بيسك)، في طهران، 30 أيار الماضي؛ من أجل تشجيع دول هذه المنظمة على الاستثمار في هذا الممر، للوصول إلى مياه الخليج. 

 

كما أن الزيارات المتعاقبة من قادة دول آسيا الوسطى لطهران، آخرها زيارة وفود اقتصادية من دول كازاخستان وطاجيكستان؛ تهدف للاستفادة من هذا المشروع، بخاصة أن دول آسيا الوسطى أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو)، ولديها طموح في وصول تجارتها إلى أوروبا عن طريق ممر البحر الأسود، وإلى الخليج عن طريق تشابهار. 

 

والواضح أن إيران التي كانت تراهن على الهند في تمويل ميناء تشابهار، بدأت تنظر إلى دول البحر الأسود وآسيا الوسطى كشركاء جدد للتمويل؛ فقد أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني، مهدي صفري، خلال مؤتمر منظمة البحر الأسود، أن وفوداً من هذه الدول قد تفقدت ميناء تشابهار من أجل الاستثمار فيه.

 

المحصّلة 

 

إن ظهور الممر الاقتصادي الخليجي-الإسرائيلي، يمثل تحدياً لممر إيران "شمال-جنوب" في الوصول إلى المتوسط، وسحب تجارة الهند إلى دول الخليج. وقد يمثل هذا الممر الجديد تكاملاً للممر الإيراني؛ إذا ما نجحت إيران في التقارب الاقتصادي مع دول الخليج، التي لديها أيضاً رغبة في الوصول إلى الشمال عن طريق إيران.

 

لعبة التوازنات التي تستخدمها الهند دفعت إيران إلى البحث عن شركاء جدد من دول الشمال (آسيا الوسطى والبحر الأسود) لتمويل الاستثمارات في ميناء تشابهار المطل على الجنوب.

 

الأزمة الأوكرانية بداية لتشكيل تحالفات اقتصادية وتجارية جديدة في منطقة أوراسيا، والقوى الإقليمية والدولية تحاول المساهمة في رسم خرائط العالم الجديد وتثبيتها، بما يخدم مصالحها ومستقبلها الاقتصادي.