"حماس" ودمشق .. من وحي ما أعرف

112018316595328.jpg
حجم الخط

بقلم عريب الرنتاوي

 

 

 

في الأنباء، أن جهود الوساطة التي يضطلع بها «حزب الله» وإيران بين دمشق و»حماس»، قد أحرزت «اختراقاً» كبيراً في الآونة الأخيرة، وأن لقاءات أمنية عُقدت بالفعل بين الجانبين في بيروت، وبوجود الوسطاء، تخللها تبادل للقبلات الحارة والكلمات الودودة، وسط توقعات بأن تشهد الفترة القريبة القادمة، زيارات رفيعة المستوى، تقوم بها قيادة «حماس» للعاصمة السورية. عشرُ سنوات سمان أعقبت عشراً عجافاً في العلاقة بين الجانبين.. لم يحظ فصيل فلسطيني بالتسهيلات التي حظيت بها الحركة، حين كان مكتبها السياسي في العاصمة السورية، ولقد كنت شاهداً على بعضٍ منها خلال زياراتٍ متكررة لدمشق قبل اندلاع الأزمة السورية، تخللتها لقاءات مع خالد مشعل وقيادة «حماس» هناك، وكنت قبلها قضيت ردحاً من السنوات في العاصمة السورية، قبل تأسيس حركة حماس، واختبرت شخصياً «الهوامش الضيقة» لحركة الفصائل الفلسطينية آنذاك، بما فيها تلك المحسوبة تاريخياً على دمشق، قبل حكم الأسد الأب والابن، وفي أثنائه.
في العام 2012، زمن ولاية الدكتور محمد مرسي، زرت القاهرة للقاء الأخ خالد مشعل بُعيد خروجه النهائي من سورية، ولقد حدثني عن «شهر العسل» المديد الذي تمتعت به الحركة في سورية، وكان واضحاً من لغته وطريقة حديثه، أن ثمة «نوستالجيا» لتلك الأيام، مع أنه لم يكن قد مضى وقت طويل على ابتعاده عنها.. ولم يكن الرجل ليتردد في الاعتراف بأن ما حظيت به الحركة في العاصمة السورية، لم تحظ بمثله في أي مكان آخر، لكن تطورات الأزمة السورية لم تعد تسمح له بالبقاء، لا سيما بعد أن اشتدت عليه ضغوط دمشق وحلفائها، لتجاوز مربع الوسطية والوساطة، واتخاذ مواقف منحازة للنظام في مواجهة مناوئيه وخصومه.
زاد طين علاقات «حماس» بدمشق بلّةً، ما تأكد للأخيرة من معلومات، عن انخراط عناصر ومجموعات حمساوية، في الصراع العسكري الذي سيحتدم في سورية منذ ذلك الحين، وتعاون بعض أجنحة الحركة مع فصائل جهادية في مخيم اليرموك وحي التضامن وصولاً إلى مشارف «الميدان»، وما توالى من تقارير عن «تكنيك» حفر الأنفاق في بلدة القصير في القلمون، الذي يحاكي تقنيات سبق لـ»حزب الله» أن درّب عناصر من «حماس» عليها، لاستخدامها في «صناعة أنفاق غزة»، تلكم كانت «طعنة نجلاء» يغرزها حليف في ظهر حليفه.. نفي «حماس» اللاحق والمتكرر لهذه المعلومات، لم يبدد غضب النظام ولم يطفئ شهوته للقطع والقطيعة.
أما الطامة الكبرى فجاءت عندما لوّح رئيس المكتب السياسي للحركة بعلم المعارضة السورية وارتدى «الفولار» الخاص بها، في مهرجان جماهيري حاشد في إسطنبول، يومها رأت دمشق، وحتى حلفاؤها الأقل استفزازاً، بأن الحركة تعلن رسمياً الحرب على سورية والمحور الذي تنتمي إليه. في ظني أن قرار «حماس» بالقطع مع دمشق والخروج منها، نجم عن تقديرين اثنين، سيتضح لاحقاً أنهما خاطئان: الأول إحساس «حماس» بفائض القوة والنشوة، بعد أن هيمن الإخوان على نصف العالم العربي، وحكمت فروعهم مصر وتونس والمغرب، فيما كانت فروعهم في بلدان أخرى، تتحضر لمصير مماثل.. «حماس» ما كان لها أن تخرج من «جلدتها»، وأن تغرد خارج سربها السياسي – العقائدي – المذهبي.
والثاني وهم السقوط الوشيك للنظام في دمشق، و»الأسد يعد أيامه الأخيرة»، فالمؤكد أن اجتماعات الدوحة مع أركان الإخوان وجوقة المستشارين من علمانيين وعروبيين وإسلاميين، أقنعت «أبو الوليد» بأن من مصلحة الحركة ترك دمشق لبعض الوقت، طالما أنه عائد إليها بعد أشهر قلائل، ولكن مع الفاتحين هذه المرة. اليوم، انقلب المشهد رأساً على عقب، الإخوان في وضعية «هبوط اضطراري» في معظم العواصم العربية بعد أن فقدوا شعبيتهم و»سلطاتهم» تباعاً، وتركيا تجري استداراتها صوب القاهرة والخليج وتل أبيب، والدوحة تُظهر اهتماماً متناقصاً بملفات شغلتها طيلة العشرية التي حملت اسم «الربيع العربي».. «حماس» تشكو قلّة في الحلفاء والأصدقاء الوازنين.
في المقابل، يبدو أن موسم الانفتاح العربي على سورية قد انتهى سريعاً، وقبل أن تُقطف أي من ثماره الموعودة، فقانون قيصر يقف بالمرصاد للانفتاح والمنفتحين، والأزمة الأوكرانية شغلت روسيا كثيراً عن سورية، وتعثر مفاوضات فيينا حول «نووي إيران»، يفسر – ربما – خروج التصعيد الإسرائيلي ضد سورية من عقاله.. دمشق تعود لدفاترها القديمة علّها تجد فيها ما يعزز موقفها، وربما هذا ما سهّل مهمة الوسطاء، الذين أعياهم التمنع السوري عن إنجاز مهمتهم لسنوات عدة.
هل تعود العلاقات بين «حماس» وسورية إلى سابق عهدها؟…
هيهات أن يحدث ذلك، حتى وإن استقبل بشار الأسد إسماعيل هنية في قصر الشعب، ففقدان الثقة أسهل بكثير من استعادتها، والله أعلم.