سقوط خزعبلات ، وأخرى تنتظر

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

 

في هذا اليوم من التاريخ، تقفز في كل مرة ذكرى اغتيال غسان كنفاني قبل خمسين سنة ، متزامنة هذه السنة مع وقفة عرفات وعيد الاضحى ، خلالها – الخمسين سنة – شهدت سقوط الكثير من الخزعبلات المنسوبة مرة للعادات ومرة للدين ؛ الخرزقة الزرقاء التي تعلق على مدخل البيت او في رقاب الاولاد واحيانا في رقاب الغنم خوفا من الحسد ، مشي الامهات حافيات واحيانا سافرات الى مقام الولي الخضر ايفاء لنذر كن نذرنه ، تعديل الحذاء المقلوب داخل المنزل ، عدم كنس البيت ليلا خوفا من ازعاج الجن ، إذا ما اضطرت الام الى دشع الماء ليلا ان تقرنه بالبسملة ، دخول الحمام بالرجل اليمين ، قراءة ما تيسر من أدعية قبل النوم خوفا من مداهمة "عزرائيل" المفاجئة ، تلقين الميت قبل دفنه من قبل الشيخ "يا عبد الله" ليتبين بعد ذلك انها "بدعة" يتوجب وقفها ، الفتاح الذي كان يجوب شوارع البلد بحثا عن فريسة لكي يشفي الامراض ويقرأ الطالع ، فيتعشى ويجد له مبيتا ويحصل على بعض المال والثياب القديمة ، التقاط اي كسرة خبز من على الارض ، تقبيلها ووضعها في مكان مرتفع.


كثيرة هي "الخزعبلات" التي سقطت واندثرت ، وأكثر منها خزعبلات ما زالت شائعة وسارية بين الناس ، ويحضر هنا غسان كنفاني بقوة ، في روايته التي لم تكتمل "الاعمى والاطرش" اللذين رغم عاهتيهما ، يتفقان على الذهاب لفحص احدى هذه الخزعبلات، شجرة الوالي عبد العاطي، التي يحج اليها الناس خوفا وتبركا، فيرفع الاطرش صديقه الاعمى على كتفيه ويتحسس "الرأس" فيكتشف انه مجرد نبتة فطر نمت داخل اغصان الشجرة ، يقتلعه بين يديه ويريه للأطرش، فينفجران في الضحك.


لا يتوقف غسان عند هذا الحد من فضح "الخزعبلة" من قبل "الاطرش" الذي يعمل موظفا في توزيع المؤن في وكالة الغوث ، فهو يرى الناس ولكن لا يسمعهم ولا يفهم صراخهم ، و"الاعمى" الذي يعمل في فرن يبيع الخبز ، لا يراهم ولكنه يسمعهم ، اصابعه تتحسس ارغفة الخبز هي طريقته في الرؤيا . لكن انتصارهما على الولي عبد العاطي ، فتح امامهما الطريق نحو خزعبلات الثورة في شخص "مصطفى" المغتصب، يسعى الى الجاه والثراء والسلطة، وقد يضطر من اجلها الى المشاركةُ في القتال؛ يستعرض مسدّسَه، ويحمل شعارًا معدنيًّا على صدره ، ويضع على جدار مكتبه خارطةً داميةً لفلسطين، ويحاضر عن الوطنيّة والتضحية من أجل الوطن ، انه من جماعة "الطق طق،" يُصْدر ضجيجًا بدون مضمون.


في قرارتيهما، ادرك الاطرش والاعمى انهما بعد اكتشافهما زيف وخطل معجزة الولي عبد العاطي ، وتخليص الناس من سطوته عليهم، انهما أكثر قوة من الانتهازي "مصطفى" رغم حالة اعاقتهما.


في خمسينية غسان، المتزامنة مع عيد الاضحى ، نقر اننا ما زلنا أمام خزعبلات اخرى عديدة، قد نحتاج الى خمسين سنة أخرى لقرعها واجتثاثها بتضحيات وعذابات وصراعات تزيد في فتح المزيد من قبورنا ؛ "قبور الثورة بلا ثقافة ، والثقافة بلا ثورة" . و كل عام وثورتنا وشعبنا بخير.