كُرد سورية.. اللعب مع الكبار واللعب عليهم

عريب-الرنتاوي.jpg
حجم الخط

بقلم عريب الرنتاوي

 

 

لم يكن بمقدور الحركة الكردية أن تنتقل من هامش الحياة السياسية السورية إلى متنها، إلا بعد اندلاع الأزمة السورية، وانحسار قبضة الدولة والنظام عن معظم أرجاء البلاد، بدءا بأطرافها، والحركة الكردية السورية في جوهرها، حركة «طرفية»، لم تحظ بنفوذ أو تأثير أو تمثيل ذي مغزى، في المركز. بدأت لعبة الحركة مع الكبار محليا، فهي لم تقطع مع النظام ولم تنخرط تماما في صفوف المعارضة.. ظلت تبحث عمّن يلبي الحد الأقصى من طموحاتها وتطلعاتها، دون أن تقطع وعدا أو تلتزم باستحقاق.. لفظتها دمشق، ورأت فيها «حصان طروادة» للتدخل الأميركي، وضاقت بها أطر المعارضة، فلم تتسع لها «هيئة التنسيق»، وضاق بها «المجلس» و»الائتلاف»، وكلما كان نفوذ تركيا في أوساط المعارضة، يزداد تعاظما، كانت «المُشتركات» بين الكرد ومعارضة الخارج، تزداد ضيقا وانحسارا.
في ثاني أو ثالث جلسات «أستانا»، وعندما تقدمت روسيا بمشروع دستور فيدرالي لسورية، كان لافتا أن النظام والمعارضة، سيلتقيان لأول مرة منذ اندلاع الأزمة، على موقف واحد: رفض المشروع، بوصفه جرعة دعم فوق عادية لـ»الانفصالية الكردية»، ولم يطرأ جديد ناشئ منذ ذلك التاريخ، سوى أن الشقة واصلت اتساعها بين الكرد والمعارضات على اختلاف مرجعياتها و»مرابط خيولها». في المقابل، كانت العلاقة بين دمشق والكرد تمر بمراحل متعاقبة من المد والجزر، بلغت حينا حد المواجهة بالسلاح، وتحسنت دائما على وقع الاجتياحات التركية أو التهديد بالمزيد منها، فالكرد لا يتذكرون دمشق، إلا عندما يطل شبح التهديد التركي المدجج بالأنياب والمخالب.
ما يجري، الآن، على محور تل رفعت – منبج، والتلويح التركي باجتياح خامس، ليس سوى أحدث الأمثلة على ما ذهبنا إليه. هي لعبة مفهومة عندما تصدر عن «أقلية» مسكونة بطموحات سقفها السماء، حتى وإن كانت شديدة الخطورة، وهي نسخة غير مزيدة وغير منقحة، لما قارفه إخوةٌ لكرد سورية في شمال العراق، فاللعب على المعارضات وبغداد، كان «ديدن» هؤلاء، حتى أن انفصالييهم الأشد حماسة، لم يجدوا غضاضة في الاستعانة بنظام صدام حسين لمواجهة الإخوة الأعداء في السليمانية، عندما بلغت طلائع قواتهم، قلب أربيل في تسعينيات القرن الفائت.
اليوم، ينتشر الجيش السوري في قلب مناطق الكرد، درءاً لاجتياح تركي، مدعوم بتأييد أو «صمت متواطئ» من بعض «الإخوة الأعداء» في أربيل والمحسوبين عليها، من كرد سورية. في العشرية الفائتة، تطورت «لعبة الكرد المزدوجة» مع الكبار.. بدأ الرقص يشتد على حبل رفيع مشدود بين موسكو وواشنطن.. الأولى عرفت الكرد تاريخيا، وتعاطفت مع قضيتهم في الشرق الأوسط عموما، والثانية، احترفت لعبة توظيف مختلف الأوراق، والتخلي عنها دفعة واحدة عندما تحين لحظة المصالح الضاغطة. اللعب مع الكبار من مستوى العملاقين، خطر للغاية، فكيف إن كان لعبا عليهم.
خلال نصف القرن الفائت، توزعت الحركات الكردية في الشرق الأوسط، بين ثلاث قيادات كردية وازنة، جلال طالباني، والبارزاني، وعبد الله أوجلان. الأخير، كان أكثرها قدرة على اجتياز الحدود القومية والقطرية، فوجد لنفسه أنصارا من بين كرد العراق وإيران وسورية، ولم تقتصر شعبيته على كرد تركيا، ونجح من موقعه اليساري في جذب تعاطف جهات دولية، من بينها روسيا وسورية وغيرهما.
البارزاني ظل في حدوده المحلية التقليدية الضيقة، ولم يتمدد تأثيره إلى كرد سورية إلا مؤخرا. أما طالباني فقد كسب بشخصه وعلاقاته مع العرب والاشتراكية الدولية، سمعة واسعة، وليس نفوذا وازنا. من سوء طالع الحركة الكردية السورية، أنها الأكثر تأثرا بفكر أوجلان وانخراطا في أنشطته حزبه التنظيمية، ونقول من سوء الطالع؛ لأن جغرافية هذه الحركة محاذية للحدود مع تركيا، وتركيا ترى في أوجلان وحزبه والمتعاطفين معه، من كردها أو أي كرد آخرين، تهديدا لوحدتها الترابية وأمنها القومي.
أما سوء الطالع الثاني، فيتجلى في اكتشاف طهران ودمشق وأنقرة فجأة، أن ما يجمعها حول المسألة الكردية أكبر بكثير مما يفرقها. ولهذا؛ لم تجد إيران غضاضة في عرض الوساطة بين دمشق وأنقرة، ولم تر العاصمتان اللدودتان، غضاضة في قبول الوساطة الإيرانية، طالما أن الهدف واحد: رأس الحركة الكردية، وكل ما يلي ذلك، تفاصيل.