لا أعرف من هو سيء الطالع الذي اقترح تسمية جسر الملك حسين (اللنبي) بجسر الكرامة لأن هذا الجسر أصبح رمزا ً وشاهدا ً على الإهانة والمعاناة التي يتعرض لها أبناء شعبنا أثناء المرور منه.
اليوم الكل يضج ويحتج بينما الجهات الرسمية الفلسطينية والأردنية تتحدث عن حلول أراها "تجميلية" لا تسمن ولا تُغني من جوع، بينما يأتي صوت من أقصى شمال أفريقيا، من المغرب العربي يتحدث عن "وساطة مغربية" لإقناع اسرائيل بتمديد ساعات العمل على الجسر وجعلها على مدار الساعة.
والحقيقة هي أن الأزمة الخانقة على معبر "الإهانة" لا يمكن حلها بالتسجيل الالكتروني المسبق ولا بإغلاق الجسر عشرة أيام يتم فيها "تحويش" المسافرين لتعود الأزمة أعنف وأعقد مما كانت عليه، وإنما الحل هو بالبحث عن جذور هذه المشكلة ومعاجلتها.
ومن أجل أن نعود الى استخدام مسمى "معبر الكرامة" فإن علينا أن نعيد للمواطن المسافر من خلاله إحساسه بالكرامة الإنسانية واحساسه أيضا ً بأنه ليس بقرة حلوبا يريد الكل أن يحلبها حتى لو تحول حليبها الى دم ينزف.
ومن أجل التوصل الى حل جذري لمشكلة المعابر فإنني أقترح وبأسرع وقت ممكن تشكيل لجنة مشتركة من المواطنين الفلسطينيين يتم اختيارهم شعبيا ً، ومن المسؤولين الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين ومشاركة أممية لوضع خطة عمل ملزمة للجميع تضع حدا ً للمعاناة والاهانة المستمرة التي يتعرض لها أبناء شعبنا المسافرين عبر الجسور.
ولا بد من التأكيد أولا ً بأنه إذا كانت هناك نية صادقة للتعامل مع هذه المشكلة وحلها فإن التغيير الأساسي المطلوب هو تغيير مفهوم المعبر والطريقة التي تتم فيها ادارته.
أولا- لا أبالغ اذا قلت بأن المعاناة على الجسور بدأت تتزايد تدريجيا منذ قيام السلطة الفلسطينية بدلا ً من أن تتلاشى.
فقبل قيام السلطة كان هناك جسرين يعملان منذ بداية الاحتلال حتى أوائل التسعينيات. كان هناك جسر دامية مخصصا ً لشمال الضفة الغربية وجسر الملك حسين (اللنبي) مخصصا لجنوب الضفة وغزة. ولكن سلطات الاحتلال قامت بإغلاق جسر دامية وحصر الدخول والخروج بجسر الملك حسين. والآن وفي ظل الأزمة الخانقة التي نواجهها فإن المطلوب كإجراء فوري إعادة تأهيل وتفعيل جسر دامية ليكون لسكان شمال الضفة الغربية. واذا ما تم هذا فإن نصف المشكلة سيجد طريقه الى الحل.
ثانيا: لم تكن المشكلة قائمة قبل الخروج على الناس ببدعة ال VIP ولكن وجود هذه الخدمة عمل على تحويل المواطن المسافر الى هدف للاستغلال بحيث بات المرء يشعر أحيانا ً وكأن هناك افتعال لمشكلة الازدحام في الاستراحة حتى يضطر الناس لاستخدام هذه الخدمة.
وهذه الخدمة وللأسف الشديد هي استغلال رسمي مقنع بثياب غير رسمية هدفه تحقيق الثراء الفاحش من خلال استغلال حاجة الناس. ففي هذه الأيام مثلا ً يصل الدخل اليومي لهذه الخدمة حوالي مئة ألف دولار أو أكثر، وبنفس القدر الذي ألوم به القائمين على هذه الخدمة، فإنني ألوم الناس لأنهم لو كانوا على مستوى كاف من الوعي لقاطعوا هذه الخدمة رفضا ً للاستغلال الذي يتعرضون له. وقد شاهدنا في الآونة الأخيرة قبل العيد أن خدمة ال VIP كانت تجبي من كل مسافر 110 دولارات أمريكية ثم تضع الركاب في باصات ليسافروا مثلهم مثل من سافروا بدون هذه الخدمة.
وليس هذا فحسب، فقد علمت بأن الكثير من المسافرين قد لجأوا الى إعطاء الرشوة لبعض العاملين في هذه الخدمة لتمكينهم من السفر قبل غيرهم. وكان ذلك ممكنا ً نظرا لعدم وجود أرقام للمسافرين على شاشة يراها الجميع والتزام بهذه الأرقام.
ولقد آن الأوان لإلغاء هذه الخدمة وافساح المجال أمام الجميع للسفر أسوة وعلى قدم المساواة.
وأنا أجزم بأنه اذا تمت عملية اصلاح جذري لإجراءات السفر على الجسور فإن الجميع سيجدون بأنه لم يكن هناك أصلا ً داع أو مبرر لوجود هذه الخدمة.
ومن أجل ذلك فإنني أقترح ما يلي:
1. منذ الانتفاضة الثانية وإغلاق الجسر في وجه الارتباط الفلسطيني ومنع الشرطة ورجال الارتباط الفلسطيني من التواجد داخل الجسر اضطرت السلطة الفلسطينية الى استحداث إجراءات تسجيل للمسافرين سواء المغادرين أو القادمين. وهذه الاجراءات تضاعف من الوقت الذي يقضيه المسافر. ولذا فإن عودة الارتباط الفلسطيني الى داخل تيرمنال الجسر وتمكين الجانب الفلسطيني من الوصول الى قيود القادمين والمغادرين يؤدي الى إلغاء التسجيل في الاستراحة سواء عند الخروج أو العودة مما يوفر على المسافر حوالي ساعة من الوقت هو بحاجة اليها. ولا بد من تفعيل ضغط دولي على إسرائيل للعودة الى هذا الاجراء الذي هو جزء من اتفاق المعابر والحدود الذي التزمت به إسرائيل ثم نكثت به وتنكرت له.
2. أضف الى ذلك موضوع الباصات. فاستعمال حافلات كبيرة يضطر المسافرين للانتظار وقتا ً أطول داخل الحافلة لعدم وجود جدول زمني ثابت وبمدد قصيرة يرغم الباصات على السفر حتى لو لم يكن فيها العدد الكافي من الركاب.
3. وإذا قال البعض بأن هذا الأمر موجود حاليا ً ولكن بوتيرة بطيئة فإن الرد عليه هو أنه يجب تقصير فترة انتظار الركاب للحافلات أو الانتظار وهم داخلها. وهذا غير ممكن ما لم يتم تكليف الشركات العاملة على نقل المسافرين عبر الجسور باستخدام حافلات صغيرة لا يزيد عدد ركاب الواحدة منها عن 12 راكبا ً.
4. مراجعة الإجراءات البيروقراطية التي تتعلق بنقل الركاب وأمتعتهم واختصار كل الإجراءات الروتينية التي لا فائدة من ورائها سوى الإيحاء للمسافر ب : نحن هنا.
5. ومع كل هذا وإضافة له فإنه لا بد من التوقف عند الأعباء المالية التي توضع على كاهل المسافرين والتي تزيد من الاستغلال المالي البشع لهم. فالمسافر من أي مطار بما في ذلك من المطارات الإسرائيلية لا يدفع أية رسوم في حين أن المسافر الفلسطيني ملزم بدفع رسوم تصريح تقارب الخمسين دولارا عن كل نفر بما في ذلك الأطفال، كما أن هناك تمييزا في الدفع بين حملة الهوية الفلسطينية وأشقائهم الفلسطينيين المقدسيين حملة البطاقة الزرقاء الإسرائيلية. وإضافة للدفع على الجانب الفلسطيني/الإسرائيلي فإن كل فلسطيني ملزم بدفع عشرة دنانير على الجانب الأردني!! ولقد آن الأوان لوقف هذا الاستغلال على الجانبين غربي النهر وشرقي النهر، ومن قبل كل الأطراف.
وأخيرا ً ، لا أبالغ اذا قلت إن مشكلة السفر على الجسور مفتعلة وأنه اذا تم التعامل مع الجسر كمعبر مفتوح 24 ساعة باليوم، وتم فتح جسر دامية لأبناء شمال الضفة، وتم استخدام حافلات صغيرة لنقل الركاب، ووضع جدول زمني للحافلات، وتحسين المعاملة الإنسانية على الجسور ، وتم أولا ً وقبل كل شيء الغاء خدمة ال VIP ، لو تمت كل هذه الإجراءات مع التوقف عن الاستغلال المادي للمسافرين وإلغاء الرسوم فإننا عندها سنتنفس الصعداء وربما نعود لنسمي المعبر بمعبر الكرامة.