في مصادفة غير بريئة، قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي بتعقيد إجراءات سفر الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية المحتلة عبر معبر الكرامة، في طريق سفرهم من الضفة إلى المملكة الأردنية الهاشمية؛ حتى يتمكنوا من السفر عبر مطار الملكة علياء للعالم الخارجي؛ الأمر الذي فاقم معاناتهم الإنسانية؛ ليُعلن الاحتلال عن السماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار "رامون" جنوب إيلات بدلاً من الأردن.
تفاصيل مطار "رامون"
وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية: "إنَّ سلطة المطارات الإسرائيلية تستعد لتشغيل أولى الرحلات الدولية للفلسطينيين من مطار رامون بالقرب من إيلات إلى تركيا مطلع شهر أغسطس القادم".
وأضافت الصحيفة :"إنه إذا تم تنفيذ الرحلات الجوية، فستكون خطوة تاريخية، حيث سيتمكن الفلسطينيون من السفر من الأراضي المحتلة للخارج دون الحاجة للمرور بالأردن".
ووفق الصحيفة، فإنَّ شركة الطيران التي تستعد لتشغيل الرحلات المباشرة للفلسطينيين من مطار رامون إلى إسطنبول، هي شركة طيران بيجاسوس التركية، التي تُدير بالفعل رحلات مباشرة من تركيا إلى مطار بن غوريون.
وتابعت الصحيفة أنّه في هذه المرحلة، سيتم تنفيذ الرحلات بعد موافقة وزير جيش الاحتلال بني غانتس، حيث يقوم مسؤولو الأمن لدى الاحتلال بفحص القضية على جميع المستويات، وسيخضع المسافرون لعمليات تدقيق أمني وتفتيش مسبقة.
وأشارت إلى أنَّ أسئلة مفتوحة في هذا السياق تحتاج لإجابات بما في ذلك من سيكون مسؤولاً عن ترتيب دخول الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة 1948، وما إذا كانوا سيصلون بالحافلة مباشرة إلى مطار رامون ولمن سيكون ذلك ممكنًا، ومن الذي سيؤمن الرحلات، ومن سيقدم خدمات ما قبل الرحلة للمسافرين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وخارجها.
وقال مسؤولون في إدارة مطار رامون لصحيفة "إسرائيل اليوم": "إنّهم يُرحبون بالمبادرة ويأملون في تنفيذها وتوسيعها"، مُضيفين: "منذ أكثر من عامين لم تكن هناك رحلات دولية هنا. هذا المكان بحاجة إلى أن يعود للحياة".
مطار رامون.." فشل إسرائيلي تحت عباءة حسن نية"
من جهته، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي، أنَّ "الهدف الإسرائيلي من هذه الخطوة هو مزيد من استبعاد الفلسطينيين ومحاولة قهرهم؛ بإظهار عدم وجود أيّ ظهير سوى الإسرائيلي؛ وبالتالي إظهار أنَّ الأفضل لهم التعامل مع إسرائيل بدلاً من التعامل مع مصر أو الأردن، وهو أمر غير صحيح".
وأوضح الهندي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ الهدف من إنشاء مطار "رامون" هو استقطاب السياح العرب؛ لكِن "إسرائيل" فشلت في تحويل المنطقة لجذب سياحي؛ وبالتالي بدأت بالبحث عن تنمية المنطقة سياحياً؛ لتعويض خسائرهم من خلال تسويق فكرة المطار بأنّها بادرة "حسن نية" لصالح الفلسطينيين.
واستعرض مخاطر فكرة مطار رامون، بالقول: "لابّد من التنويه إلى أنَّ الفكرة ستضرب شركات الطيران الأردنية، بالإضافة إلى أنَّ مدة السفر تستغرق أربع ساعات"، مُبيّناً أنَّ التعليمات التي أصدرتها الحكومة الإسرائيلية لمن يرغب بالسفر من الفلسطينيين عبر مطار "رامون" تُشبه شروط العمل في الداخل المُحتل.
واستدرك: "السفر عبر مطار "رامون" سيكون بمثابة رحلة عذاب تحتاج إلى خمس ساعات للذهاب إليه ناهيك عن التفتيشات الأمنية؛ وبالتالي يضطر المسافر إلى صرف مبالغ مالية؛ وبالتالي تنيمة مدينة إيلات دون السماح للفلسطينيين بالتنقل خارجه".
رفض فلسطيني للخطوة
وبالحديث عن إمكانية قبول السلطة بسفر الفلسطينيين عبر مطار "رامون"، قال الهندي: "إنَّ المستوى الرسمي الفلسطيني يرفض تلك الفكرة"؛ مُعتقداً أنَّ ما جرى في معبر الكرامة ربما جاء بهدف الضغط على الفلسطينيين للذهاب إلى مطار "رامون".
وأكّد الهندي، على أنَّ الإجراءات في مطار "رامون" أكثر إزعاجًا للفلسطينيين، وبالتالي خيار الجسر سيبقي هو الأفضل بكثير لهم.
مطار رامون.. سلام اقتصادي
من جهته، بيّن الكاتب والمحلل السياسي، عمرعساف، أنَّ سماح "إسرائيل" للفلسطينيين بالسفر عر مطار "رامون" يأتي في سياق البرنامج الإسرائيلي الذي يُركز على "السلام الاقتصادي" والذي يُسميه الإسرائيليون بـ" تحسين ظروف المعيشة الفلسطينيين وتقديم بعض الخدمات"، وذلك بدون طبيعة سياسية.
وأكمل عساف، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "عملياً ما يجري يُترجم الفشل في توجيه الإسرائيليين للسفر عبر مطار "رامون"؛ البعيد عن المركز السكاني رغم الاستثمار الكبير فيه؛ وبالتالي يريدون الجمع بين "رشوة الفلسطينيين" و"تعويض استثمارات بعض الشركات الإسرائيلية في مطار رامون".
وأردف: "تشغيل المطار يحول دون أيّ مطالب سياسية ويبقى تحت السيادة الإسرائيلية سواء بالسفر عبر معبر الكرامة، أو عبر مطار رامون مُستقبلاً".
وبسؤاله عن إمكانية قبول السلطة بالخطوة، قال عساف: "إنَّ مصادر في السلطة أكّدت رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لهذا الأمر، لكِن الرفض يحتاج إلى تطبيق"، مُرجحاً أنّ يكون ما جرى في معبر الكرامة خلال الأيام الماضية؛ وسيلة للضغط على الفلسطينيين للتعامل مع مطار "رامون" كبديل للمعبر.
واعتقد أنَّ السلطة لا تستطيع فرض إرادتها على الفلسطينيين؛ بسبب تزعزع ثقتهم بها؛ الأمر الذي يحول دون التزام الفلسطينيين بتعاملاتها، مُستدركاً: "لا أعتقد وجود أيّ إجراء قانوني فلسطيني يحول دون سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون".
وأشار إلى دور المجتمع الأهلي والقوى والنقابات والمؤسسات الدينية في مواجهة الخطة الإسرائيلية التي عمليًا تسعى لزيادة عمق الربط بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال؛ مُردفاً: "هناك مطار القدس- قلنديا؛ عوضاً عن قيام الاحتلال بتشغيله كمطار للدولة الفلسطينية، يذهب الاحتلال نحو بناء 9500 وحدة استيطانية؛ وبالتالي هذا الأمر يُشير بوضوح إلى أنَّ الغاية ليست التسهيل على الفلسطينيين وإنّما ربط حياتهم بالاحتلال".
أما عن قضاء الاحتلال على خيار حل الدولتين بخطوة "مطار رامون"، قال عساف: "إنَّ الفلسطينيين هم أكثرية بين البحر والنهر، لكِنهم يُريدون بهذه الخطوة تعزيز الفصل العنصري، بوجود سكان يهود بحقوق وفلسطينيين بلا حقوق وجعلهم تابعين لدولة الاحتلال".