الفلتان الأمني في الضفة الغربية إلى أين؟

حجم الخط

بقلم:د.عقل صلاح* 

 

في البداية القضية الفلسطينية مستهدفة بشكل كبير جدًا، وقد تم تهميشها وصولًا لتصفيتها، وهذا ما تم التعبير عنه بشكل واضح من خلال زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن للمنطقة في منتصف تموز/يوليو2022، التي حملت رسالة للفلسطينيين والعرب بأن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العالم والعرب بل يجب التعامل على أساس تسييد إسرائيل، وعلى الفلسطينيين أن يتعايشوا مع الاحتلال وخدمات الاحتلال المشروطة باستمرار التنسيق الأمني.


ففي هذا الوقت مطلوب من الكل الفلسطيني إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وتجديد الشرعيات لكل المؤسسات الوطنية على أسس الشراكة والوحدة الوطنية، وليس العودة إلى مربع الخلافات والاقتتال والفتنة الفلسطينية الفلسطينية؛ بظل تكالب وتآمر العالم الغربي والإسرائيلي وحتى العربي على القضية والشعب الفلسطيني؛ كان المطلوب من الكل الفلسطيني التوحد لمواجهة المؤامرة الكبيرة على القضية، فالوحدة الوطنية وتجميع الفرقاء هو خيار الشعب الفلسطيني غير ذلك يصب في خانة تصفية القضية الفلسطينية وتمزيق النسيج الوطني والاجتماعي للشعب الفلسطيني.


وفي ظل الهجمة الاستيطانية الشرسة على الضفة الغربية التي لم تترك تلة أوجبلًا في الضفة إلا تم وضع مستوطنة عليها لكي يتم ضم الضفة الغربية بطريقة الأمر الواقع وتحويلها إلى أراضي الـ 48 جديدة، وشطب حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.


في ظل جل ذلك، تطل علينا كارثة إطلاق النار على القائد الأكاديمي الوحدوي الدكتور ناصر الدين الشاعر الرجل الخلوق والمصلح، لتكن هذه رسالة ثالثة للشعب الفلسطيني ومفادها لايكفي التآمر الإسرائيلي والأمريكي والعربي على الشعب والقضية الفلسطينية ليأتي دور الفلتان الفلسطيني ليشارك في استهداف القضية، وهذه المرة من خلال العودة إلى دائرة الفلتان الأمني وتمزيق النسيج الوطني والاجتماعي وذلك من خلال تهديد السلم الاجتماعي وإشغال الشعب في الخلافات والفلتان، في الوقت الذي تقوم فيه الجرافات الصهيونية باقتلاع الوجود الفلسطيني؛ فعملية إطلاق النار على القائد الشاعر كان ومازال وحتى بعد الاعتداء عليه وهو على سرير الشفاء يدعو للوحدة الوطنية.


فهذه الحادثة التي تمت بوضح النهار في محافظة جبل النار في 22تموز/يوليو 2022، لم تصب ولم تستهدف الشاعر وحده فقد استهدفت السلطة الفلسطينية بالدرجة الأولى والشعب الفلسطيني وكل مكوناته السياسية الرسمية وغير الرسمية، فهذه الحادثة أصابت السلطة في مقتل، وأنهت هيبتها وهيبة القانون الفلسطيني، وفي حال مرت هذه الكارثة مرور الكرام، ستتبدد هيبة ومكانة الشرطي الفلسطيني، وستستمر عمليات الاعتداء بأشكال مختلفة على الشعب وممتلكاته. بناء على ماتقدم، مطلوب من السلطة الفلسطينية صاحبة السيادة القانونية والسياسية والحكومية إعادة الاعتبار للشعب والمحافظة على السلم الأهلي والأمن والأمان، وتشكيل لجنة حقيقية ومن أطراف متعددة ومحايدة وإعلان نتائجها وتقديم الجناة إلى المحاكمة وإيقاع أشد العقوبات بمن يجرؤ على التطاول على حياة الناس وممتلكاتهم، فالشاعر لايمثل نفسه وإنما يمثل حياة ومستقبل ومكانة أبناء الشعب ويمثل حياة القانون الفلسطيني، فلو مرت مر الكرام والبقاء على الشجب والاستنكار سيحصل عند الشعب الفسطيني ردة فعل حقيقية قد تؤدي أو تطيح بما تبقى من هيبة القانون الفلسطيني.


فبعد إطلاق النار على الشاعر كان الموقف على جميع المستويات إيجابي وسليم ووطني وأخلاقي، وهذا هو المطلوب ويجب البناء عليه فمسارعة كل المؤسسات بإدانة واستنكار والمطالبة بالمحاسبة، هذا يعد استفتاء على قدر ومكانة الشاعر صاحب كلمة الحق ودليل على وعي الشعب الفلسطيني ورفض الفلتان والعربدة. وإعلان الرئيس محمود عباس عن استنكاره للحدث الأليم والشنيع، ورئيس الوزراء وجميع التنظيمات والقادة بكل أطياف الشعب الفلسطيني والمؤسسات المدنية ومنظمات المجتمع المدني الشخصيات الوطنية بما فيها موقف إدارة جامعة النجاح ومجلس أمنائها، ومجلس اتحاد نقابات الجامعات الفلسطينية فهذه المواقف مطمئنة، لذلك مطلوب من الجميع وفي مقدمتهم السلطة والتنظيمات والمؤسسات الشعبية القيام في العديد من الخطوات:


1. الإصرار على اعتقال ومحاسبة الجناة بأسرع وقت، كون العملية حادثة خطيرة للغاية، وتثير المخاوف لدى الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الحية من تصاعد الفلتان الأمني الذي إذا استمر سيأكل الأخضر واليابس وسيمس كل مكونات الشعب الفلسطيني والمستفيد الوحيد من مثل هذه الأعمال المقرفة هو الاحتلال والفلتان؛ أما الاكتفاء بالشجب والتنديد وعدم معاقبة الفاعلين والمنفلتين وبقاء الأوضاع على ماهي عليه من انفلات واعتداء على الناس وترهيبهم هو ضياع للحقوق، وهذا قد يفسر بعدم رغبة السلطة بمحاسبة المنفلتين أو عدم قدرتها على مواجهتم، وفي كلا الحالتين سيسبب ضررا فادحا على السلطة وأجهزتها واستسهال إراقة دماء الناس.


2. إنهاء ظاهرة انتشار سلاح الفلتان في المجتمع الفلسطيني، هذا السلاح الذي لايستهدف من قبل الاحتلال والذي يختفي أثناء الاقتحامات واعتداء الجيش الإسرائيلي والمستوطنين على الشعب يجب القضاء عليه.


3. يجب تفعيل وتسييد القانون على الجميع دون تمييز، واعتبار الناس متساويين أمام القانون وتغليظ عقوبة من يستسهل إراقة دماء الأبرياء، ولنعتبر قطرات الدماء التي سالت من الشاعر ناقوس خطر يحفز على تطبيق القانون وبكل صرامة بدون تدخلات وواسطات، فيجب أن تكون حادثة استهداف الشاعر بادرة لإعادة الاعتبار للقضاء والقانون وتطبيقه على المسؤول قبل المواطن.


4. مطلوب من الكل الفلسطيني وفي مقدمتهم السلطة الفلسطينية محاربة المخطط الإسرائيلي الهادف لتفكيك وتمزيق النسيج المجتمعي، وإثارة الفتنة الداخلية، وإشغال الشعب الفلسطيني في التناحر والاقتتال الداخلي لكي يصل بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلى ما أوصل إليه شعبنا في الداخل المحتل من خلال نشر السلاح وتسهيل الجريمة المنظمة وغير المنظمة.


5. مطلوب من الأجهزة الأمنية الفلسطينية الوقوف بوجه من يحاول إثارة الفتنة ونقل الشعب الفلسطيني إلى دائرة الفلتان الأمني وحرف بوصلة الشعب الفلسطيني عن مواجهة الاحتلال إلى الانشغال في الخلافات.


6. كل ما سبق مهم تحقيقه، كما يجب إتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الفلسطيني وهذا أفضل رد وطني على من يريد حرف بوصلة الشعب والقضاء على قضيته العادلة. فحماس اليوم هي في أمس الحاجة للمصالحة بظل إطباق الحصار عليها في غزة، ونضوج المرحلة والسياسة الحمساوية التي ترى الحل في الاقتراب من الوحدة وليس الابتعاد عنها، فعلى القيادة الفلسطينية الاستفادة من نافذة الفرص السياسية المتاحة لتحقيق الوحدة الوطنية.


7. عدم السماح للجهات التي تحاول حل مشاكلها وخلافاتها ومصالحها بالإدعاء بأن مايحصل هو مخطط حمساوي؛ فكل مايحصل في الضفة من فلتان وغيره هو بعيد عن حركة حماس المنهكة في الضفة؛ لنخرج من هذه الدائرة المقيتة، فحماس والكل الوطني وعلى رأسهم الشاعر هم دعاة للوحدة الوطنية.


8. ملاحقة المعتدين ومحاكمتهم بصورة علنية وإصدار أحكام رادعة تتناسب وجريمتهم النكراء، مما يوجه رسالة للمنفلتين بالتوقف والانكفاء، وهي في الوقت ذاته رسالة طمأنة للناس بأن أرواحهم وأرزاقهم في أمان.


9. المحافظة على جامعة النجاح والجامعات الفلسطينية ودعمها من المستوى السياسي الرسمي وغير الرسمي وعدم السماح في المساس بها أو إدخالها في دائرة الفوضى، فالجامعات الفلسطينية كانت ومازالت تخرج القادة والشهداء والأسرى، ويجب الارتقاء بها أكاديميًا ووطنيًا وذلك من خلال الاهتمام في البحث العلمي الذي يرفع من المستوى الأكاديمي والوطني.
*كاتب فلسطيني وباحث مختص بالحركات الأيديولوجية.