هارتس : حرب أوكرانيا: فشل محاولة إسرائيل السير بين النقاط

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 


يجسّد قرار روسيا، الذي يلوح في الأفق، منع نشاطات الوكالة اليهودية على أراضيها، مرة أخرى، إلى أي درجة فشلت محاولة إسرائيل السير بين القطرات، مسبقاً، حول الحرب في أوكرانيا. كلما تعقد الغزو الروسي والحرب التي خطط لها لأسبوع أو أسبوعين، طالت شهوراً كثيرة. وهكذا ازدادت خيبة الأمل في الكرملين من الانتقاد الدولي، وبالذات من موقف إسرائيل.
محاولة رئيس الحكومة السابق، نفتالي بينيت، تعيين نفسه وسيطاً بين الأطراف الصقرية، وبذلك التهرب من المطالبة باتخاذ موقف واضح بخصوص الأزمة، لم تنجح. بعد ذلك كان يكفي إدانة إسرائيل الخفيفة لجرائم الحرب الصارخة التي ترتكبها روسيا من أجل إثارة غضبها. لم يتأثر الروس حقاً بحقيقة أن إسرائيل، مقارنة بالولايات المتحدة والدول الأوروبية، حذرت جداً من تقديم مساعدة فعلية لجهود الأوكرانيين من أجل صد الغزو عن بلادهم. بعد القنبلة التي أُلقيت، الأسبوع الماضي، مع بيان وزارة العدل الروسية بخصوص الوكالة اليهودية، وصلت، أول من أمس، رسائل ضبابية من موسكو. من جهة قال ديمتري بيسكوف، المتحدث بلسان بوتين: إن المشكلة قانونية بطبيعتها، ولا تؤثر على العلاقات مع إسرائيل. ومن جهة أخرى، أكدت المتحدثة بلسان وزارة الخارجية، الأقل مرتبة من بيسكوف، في الواقع على أن هذه مسألة قانونية، ولكنها في الوقت ذاته أضافت: إن مقاربة إسرائيل تجاه روسيا في الأشهر الأخيرة "غير مجدية، وإن القيادة في إسرائيل سمحت لنفسها بإطلاق تصريحات مناوئة لروسيا".
عن أقوال رئيس الحكومة، يائير لابيد، الذي قال: إن "إغلاق مكاتب الوكالة سيشكل حدثاً خطيراً سيؤثر على العلاقات" بين الدولتين، قالت المتحدثة: "هناك أشخاص قالوا، إن خطوات روسيا في مسألة معينة يمكن أن تؤثر على العلاقات بين الدولتين. ولكني أريد السؤال: هل هؤلاء الأشخاص لا يعتقدون أن نشاطاتهم وتصريحاتهم في الأشهر الأخيرة قد أثرت على العلاقات؟".
يبدو أن روسيا اختارت الرد على إسرائيل في المكان الذي تزعجها فيه نشاطات إسرائيل (وجود أعضاء الوكالة على أراضيها) من البداية. القول: إن الردود الحساسة من القدس وطلب إرسال بعثة لترضية الروس، وربما ستقنعهم بالتراجع، لا تدل على قراءة عميقة للواقع. احتمالية ألا يجبي الكرملين من إسرائيل ثمناً على رفضها الحذر جداً بحد ذاته لتأييد خطواته، ضعيفة. ربما كان من الأفضل عدم بذل جهود والاستفادة بدلاً من ذلك من الفرصة لاتخاذ موقف أخلاقي مناسب حتى لو بتأخر فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
ادعاء إسرائيل الرئيس، الذي أخر الوقوف بشكل صريح ضد خطوات روسيا، يتعلق بالمعركة بين حربين، وهي المعركة التي في إطارها نفذ الجيش الإسرائيلي مئات الهجمات في أرجاء الشرق الأوسط في العقد الأخير. جبهة رئيسة في المعركة بين حربين هي سورية. ومنذ نشر السربين الروسيين في شمال غربي سورية في خريف 2015 (الذي رجح بالتدريج الكفة لصالح انتصار نظام الأسد في الحرب الأهلية) تحذر إسرائيل من ألا تدوس على أطراف أصابع بوتين في سورية.
في البداية تمت بلورة بروتوكول في إطاره نقلت إسرائيل لروسيا في سورية تنبيهاً مسبقاً قصيراً قبل أي هجوم؛ من أجل أن يستطيعوا الدفاع عن رجالها وقواعدها.
في خريف 2018، بعد أن أسقطت النار المضادة للطائرات السورية بالخطأ طائرة تجسس روسية في نهاية هجوم إسرائيلي، وقتل 15 جندياً، زاد بوتين الضغط. استأنفت إسرائيل الهجمات بعد بضعة أسابيع، لكنها مددت قليلاً زمن الإنذار وبدأت تتصرف بطريقة حذرة قرب المصالح الروسية.
لكن اختارت روسيا إلقاء المسؤولية عن الحادثة بشكل مطلق على إسرائيل. رغم هوية الجنود الذين كانوا يديرون بطاريات الصواريخ، إلا أنها جسدت إلى أي مدى لا يوجد هنا تعاطف خاص مع إسرائيل أو زعمائها. تأكدت هذه الأمور أيضاً بعد بضعة أشهر عندما لم تفِ روسيا بتعهداتها ولو ليوم واحد بإبعاد القوات المؤيدة لإيران عن الحدود السورية مع إسرائيل في هضبة الجولان. لم يزعج هذا رئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، في التفاخر بعلاقته الشخصية الحميمية مع بوتين. وصلت الأمور ذروة غير معقولة عندما اتهم مؤيدو نتنياهو، هذا الأسبوع، لابيد بتخريب العلاقات مع الحليفة الكبرى.
يوجد لإسرائيل حليف كبير واحد فقط وهو الولايات المتحدة. يبدو أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي زار البلاد في هذا الشهر، لم يعد في ذروته. ولكن ليس هناك أي مقارنة بين علاقته المتعاطفة والصادقة مع إسرائيل وبين المقاربة المتهكمة والمطلقة لبوتين تجاه إسرائيل. هذه هي الولايات المتحدة وليس روسيا التي تعطي إسرائيل مساعدات أمنية تبلغ 3.8 مليار دولار في السنة. كان هذا بوتين، وليس بايدن، هو الذي وصل، الأسبوع الماضي، إلى طهران لحضور لقاء قمة ثلاثي مع زعماء إيران وتركيا. للسبب ذاته لم يكن في أي يوم أساس لتوقعات مدحوضة، من قبل نتنياهو وبينيت بعد ذلك وأحياناً من قبل ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، بحسبها روسيا هي التي ستبعد الإيرانيين عن الأراضي السورية؛ لأنها تفضل الحفاظ على العلاقات مع دمشق نفسها.
مثلما لم يكن على إسرائيل أن تتفاخر بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا، فإنه ليس لها أيضاً أي سبب لمجاراة الدول الغربية وقيادة المساعدات العسكرية الدولية لحكومة زيلينسكي. ولكن اتخاذ موقف واضح ضد العدوان الروسي على أوكرانيا سيكون خطوة صحيحة، موضوعية، وبالتأكيد أخلاقية. يوجد في ذلك مخاطرة معينة، لكن من المشكوك فيه إذا كانت روسيا سترغب في فتح جبهة جديدة لنفسها عن طريق التصادم المباشر مع سلاح الجو الإسرائيلي في سماء سورية. تقف أمام إسرائيل اعتبارات أكبر وزناً من الحفاظ على حرية عمل الوكالة اليهودية في روسيا، أو حتى من الاستمرار المقدس للمعركة بين حربين، لأجيال كثيرة. في كل ما يتعلق بأوكرانيا من الأفضل عدم البقاء في الجانب غير الصحيح للتاريخ.

 عن "هآرتس"