في ظل انغلاق الأفق السياسي للقضية الفلسطينية؛ خاصةً بعد استبدال "السلام السياسي" في ما بات يُعرف بـ "السلام الاقتصادي" والذي أكدته زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لدولة الاحتلال، وخلال لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مدينة بيت لحم، منتصف يوليو الجاري، وتجذر حالة الانقسام الوطني الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، مُنذ 15 عامًا، أعلن رئيس الملتقى الديمقراطي الفلسطيني، والقيادي في حركة فتح، ناصر القدوة، عن مبادرة "للإنقاذ الوطني"؛ في محاولة لإحياء الأمل لدى أبناء الشعب الفلسطيني المحبط من الواقع السياسي "المنحط بشكل لا مثيل له". كما وصفه القدوة.
ما هي مبادرة " الإنقاذ الوطني"؟
وتقوم المبادرة، التي أعلن عنها القدوة، في مؤتمر صحفي عبر تقنية "زووم" يوم أمس الأربعاء، على إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية؛ خاصةً "منظمة التحرير الفلسطينية " من خلال "مجلس وطني جديد" يجري تشكيله عن طريق الانتخابات؛ وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وتشكيل حكومة جديدة بعيدًا عن "الاشتراطات الدولية".
واعتبر القدوة، أنَّ "النظام السياسي الفلسطيني "يفقد الشرعية" بشكل متسارع؛ بسبب غياب الانتخابات وتدمير المؤسسات وتدهور القانون وتراجع الحالة المعيشية للفلسطيني وانتهاك كرامته، حسب وصفه، مُشدّداً على أنَّ الوثيقة "لا تقول إنَّ النظام فقد شرعيته بل يفقدها".
وأردف: "نحن لم نختار مصطلح "يفقد الشرعية" لأنّنا لا نُطالب بإسقاطه، لأسباب مختلفة بينها السلم الأهلي، بل نُطالب بإجراء سياسي عميق وواسع فيه".
وترى الوثيقة أنَّ اجتماع المجلس التشريعي الأخير في شباط الماضي "غير قانوني"، لافتةً إلى أنّه "ألحق الضرر بمنظمة التحرير وأحبط المبادرة الجزائرية لإنهاء الانقسام".
كما تعتبر أنَّ الفصائل الفلسطينية سواءً المنضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية أو خارجها تُعاني من "حالة تراجع عامة ويجب عليها إجراء مراجعة سياسية شاملة؛ لاستعادة عافيتها".
ودعت الوثيقة، الفصائل الفلسطينية إلى "صياغة عقد اجتماعي جديد" يقوم على احترام المواطن ومركزية كرامة الفلسطيني وحقوقه، وإعادة الاعتبار العملي لكون الشعب مصدر السلطات والشرعيات، والالتزام بالوحدة والشراكة السياسية، وسيادة القانون وحقوق المواطنة.
وأشارت مبادرة القدوة، إلى أنَّ الباب لا يزال مفتوحاً لكافة الأطراف للمشاركة في هذه المبادرة، إذا تم الاتفاق على الآلية الحاكمة فيها، على الرغم من توقع مساهمة محدودة في هذا المجال، والذي لا ينفي المسؤولية الملقاة على الآخرين، وفق ما ترى المبادرة.
شعور بالواجب الوطني
بدورها، بيّنت عضو لجنة صياغة مبادرة "الإنقاذ الوطني"، عضو الملتقى الديمقراطي الفلسطيني، نور عودة، أنَّ ردود الفعل من شرائح مختلفة من الشعب الفلسطيني على المبادرة كانت إيجابية، مُشيرةً إلى أنَّ عدد الموقعين والمتبنين للوثيقة في تزايد مستمر.
وقالت عودة في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّه من المبكر لأوانه الحديث عن موقف حركتي فتح وحماس من مبادرة الإنقاذ الوطني"، لافتةً إلى أنَّه تم تقديم المبادرة لكافة الفصائل الفلسطينية.
وأضافت: "نُدرك بأنَّ حركتي فتح وحماس سيكون لهما آراء مختلفة؛ خاصةً في ظل تجذر مصالح الجهات المتحكمة في الانقسام والغير معنية بإنهائه"، مُستدركةً: "لكِن وجهة نظرنا تقوم على خلق حالة من الضغط الشعبي والسياسي لتحريك الأمور في الاتجاه الصحيح".
اختلاف الخارطة السياسية
وبالحديث عن مدى قبول حركتي فتح وحماس، بمشاركة الأطراف التي شاركت في الترشح قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة التي تم إلغائها في 30 إبريل من العام 2021، في "هيئة الإنقاذ الوطني" التي طرحتها المبادرة، قالت عودة،: "إنَّ الأزمة التي يُعاني منها النظام السياسي الفلسطيني هو استفحال الانقسام والتفرد في الحكم والتحكم الأمني"؛ مُشدّدةً في ذات الوقت على أنَّ كسر حلقة التفرد؛ يكمن في عدم إقصاء أيّ طرف طالما أنَّ الأطراف التي تُقر وتلتزم بالأسس التي عليها إجماع وطني؛ بمعني التبادل السلمي للحكم والانتخابات للحكم والمعارضة.
وأكملت: "الشعب هو صاحب الكلمة في مشاركة أيّ الفصيل في الحكم وليس فصيل بعينه"، مُعتبرةً أنَّ الفصائل وجدت لخدمة الشعب وليس العكس.
وأردفت: "الساحة السياسية اختلفت تماماً، ولا يجوز التصرف وكأنّها لازالت في سبعينات القرن الماضي"، مُضيفةً: "يجب الاعتراف بمن هو موجود على الأرض وله شراكات اجتماعية شبابية في قوائم انتخابية وازنة، في ظل وجود لاعبين سياسيين جدد".
واستدركت: "لكِن أنّ نُبقي الحديث عن واقع سياسي افتراضي ونبني عليه في محاولة لإيجاد حلول سياسية، فهذا أمر تم تجربته مُنذ 15 عاماً وأثبت فشله، وذلك في إشارة لحصر الصراع السياسي بين حركتي حماس وفتح فقط".
المبادرة بحاجة لعمل جاد
أما عن الجديد الذي ستُقدمه مبادرة "الإنقاذ الوطني" للشعب الفلسطيني، أوضحت عودة، أنَّ "المبادرة ستُقدم الكثير وقد ورد هذا في نصها، من الإقرار بأنّنا بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، وأسس جديدة للعلاقات الوطنية والسياسية ترتكز على احترام كرامة المواطن الفلسطيني، وعلى أنّه هو صاحب القرار وهو الموجود من أجل أنّ تخدمه الفصائل وليس العكس؛ وبالتالي الأمر بحاجة إلى تحمل مسؤولية من جميع الأطرف".
وشدّدت على أنَّ المبادرة جدية وقد عمل على صياغتها قطاعات مختلفة عُمريًا وجغرافيًا من فئات المجتمع؛ وبالتالي ليس هناك مكسب لهؤلاء سوى الشعور بالواجب الوطني وتحريك المياه الراكدة؛ بدلاً من الجلوس على الناصية والاكتفاء برفض الواقع السيئ.
وختمت عودة حديثها، بالتأكيد على ضرورة أنّ يأخذ المجتمع الفلسطيني زمام المبادرة، وأنّ يتم طرح "مبادرة الإنقاذ الوطني" التي هي رؤية الشعب الفلسطيني للنقاش والعمل الجاد، مُوضحةً أنَّ العمل فيها استغرق وقتاً طويلاً ولمتكن وليدة يوم أو يومين، بل شارك في توقيعها أجيال وشرائح مختلفة بما يعكس تنوع الشعب الفلسطيني.