بداية نهاية «البايدنية»

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 


ثلاثة أشهر وعدة أيام تفصل عن الانتخابات الأميركية النصفية التي يتوقع فيها هزيمة ساحقة للحزب الديمقراطي الحاكم وإنهاء أغلبيته البسيطة في مجلسي النواب والشيوخ لصالح الغريم التقليدي الحزب الجمهوري المحافظ.
تاريخياً ومنذ الحرب العالمية الثانية يخسر الحزب الحاكم في الانتخابات النصفية حسب توثيقات سجل الانتخابات الأميركية، وفي هذه الأوقات الحالية التي يشهدها الاقتصاد الأميركي من أزمة تضخم خطيرة، من المحتمل أن يعاقب الناخب الأميركي الحزب الديمقراطي على سوء إدارة الأزمة الاقتصادية.
منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية قبل عامين، وضع الرئيس بايدن خططاً استراتيجية للنهوض بالاقتصاد الأميركي وإعادة بناء البنية التحتية، وأول ما فعله هو منع تفشي انتشار فيروس "كورونا" في إطار سقف زمني للحد من معدلات الوفيات والمصابين به.
النتيجة أن بايدن تمكن من تقليل حجم الخسارة البشرية، لكنه أهمل أثر الفيروس على الوضع الاقتصادي، حتى بدا أن الاقتصاد الأميركي يشهد أكبر ارتفاع في الأسعار منذ سنوات طويلة، الأمر الذي أهلك وأقلق الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
لا يهم الناخب الأميركي كثيراً موضوع السياسة الخارجية الأميركية طالما أن ذلك لا يمثل تهديداً مباشراً على أمنه، وأكثر ما يتطلع إليه هو ارتفاع أسعار الوقود والمنتجات الاستهلاكية إلى درجة استنزاف قدرته الشرائية، وهو أمر لا يألفه كثيراً.
المشكلة أن الرئيس الأميركي لم يُقدّر كثيراً أولوية الوضع الداخلي على السياسة الخارجية وخصوصاً أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، وتأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والنتيجة أن هذه الحرب بالإضافة إلى تحديات "كورونا" وأخواتها من المتحورات، جميعها أربكت الاقتصاد العالمي.
مع بداية الحديث عن احتمالات أزمة ركود اقتصادي قد تشهدها البلاد مع ارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، بدأ بايدن يتحرك بسرعة لمعالجة الملف الاقتصادي قبل أن "يقع الفأس في الرأس"، وسعى للضغط على السعودية لزيادة إنتاج النفط وضخه في السوق العالمي.
كذلك هدّأ من قلق المستثمرين والمستهلكين ودعا شركات البترول الأميركي لزيادة إنتاج النفط وكذلك طلب من المشرعين تعليق ضريبة فيدرالية على أسعار الوقود، وسمح بسحب مليون برميل نفط يومياً من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لمدة ستة أشهر من أجل خفض أسعار الوقود.
من الطبيعي أن يستثمر الحزب الجمهوري هذا الوضع لتعبئة الناخب الأميركي لصالحه، ومن المتوقع أن ينجح في ذلك في ضوء استطلاعات الرأي التي تشي بانخفاض شعبية الرئيس بايدن إلى حوالي 40%، واستمرار تدني الثقة به.
وفي حال خسر الحزب الديمقراطي الحاكم في الانتخابات النصفية والمؤشرات تقول ذلك، سيكون الرئيس بايدن مكتوف اليدين أمام تمرير أي مشروعات قوانين أمام مجلسي النواب والشيوخ، وبالتالي ستكون مهمته الرئاسية في نصفها الثاني صعبة للغاية.
حتى يتجنب هذه الخسارة، يحاول بايدن كل جهده للحد من ارتفاع الأسعار، وفي الحقيقة ثمة هبوط تدريجي في أسعار الوقود، لكن المستهلك لن يلمس تصحيحاً سريعاً في أسعار باقي المنتجات الاستهلاكية، وكذلك أسعار المنازل والمركبات وتكاليف الرعاية الصحية.
موضوع تصحيح الأسعار يحتاج إلى وقت ويحتاج أيضاً إلى تدخل فوري حكومي للتأثير على الشركات الكبرى بشأن خفض أسعار المنتجات الاستهلاكية ارتباطاً بانخفاض أسعار الوقود، وعودة الموظفين إلى أماكن عملهم وانخفاض معدلات البطالة إلى 3.6%.
ليس الوضع الاقتصادي وحده هو المقلق على الساحة الداخلية الأميركية، ولو أنه أكبر مُهدّد للحزبين الجمهوري والديمقراطي، بل هناك امتحان آخر يتعلق بالإرهاب الداخلي وارتفاع معدلات الجريمة والعنف، وهذا يهدد الديمقراطية الأميركية التي تتغنى بها أمام دول العالم.
الولايات المتحدة مليئة بالعنصرية والحقد الاجتماعي والطبقي وكل أصناف الآفات الاجتماعية، ولم يتمكن الحزب الديمقراطي ومن قبله الجمهوري من رأب هذا الصدع، والحال أنه لا يوجد في القاموس الأميركي ما يسمى بالنسيج الاجتماعي المتماسك، لأن هناك خللا كبيرا في موضوع الدمج الحقيقي بين البيض والسود ومختلف الطبقات الاجتماعية وفي غياب ثقافة التسامح.
من يتابع نمط العيش الأميركي يلحظ أن البلاد مقسمة جغرافياً وديمغرافياً إلى طبقات غنية ومتوسطة وفقيرة، وكل طبقة لها مدارسها وأسواقها ومراكزها الصحية والخدمية وتعيش في "غيتوات"، وهذه أسعارها مختلفة عن باقي الطبقات الأخرى ومرتبطة بالدخل والحالة الاقتصادية والقدرة الشرائية، وهذا يفسر إلى حد كبير أنماط السلوك الفردي.
زد على ذلك سهولة اقتناء السلاح بكل أنواعه وغياب الرقابة عليه، وأيضاً سهولة شراء المشروبات الكحولية و"الحشيش" المخدر، وتقديس العمل واستهلاك كل الوقت فيه على حساب الحياة الأسرية والاجتماعية، كل ذلك يهدد أمن المجتمع ويزيد من انقسامه الداخلي.
أمام كل هذه المعضلات لم يتمكن بايدن من حلها بميزة الأغلبية البسيطة التي يتمتع بها الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ، فماذا سيكون الحال مع فقدانه هذه الميزة واستعار الاستقطاب السياسي بين الحزبين وتأثيره على الرأي العام الأميركي.
الانتخابات النصفية المقبلة في الثامن من شهر تشرين الثاني 2022، من المرجح أنها ستكون بداية نهاية مرحلة البايدنية، وإذا انتزع الحزب الجمهوري الأغلبية من غريمه الديمقراطي تحت قبة البرلمان، فليس بعيداً أن يسيطر الحزب المحافظ على الانتخابات الرئاسية بعد عامين تقريباً من الآن.