جنود يحطّمون الصمت: هكذا تنسج الإدارة المدنية علاقات مع مواطنين فلسطينيين مقابل تصاريح ورخص بناء

عميرة-هاس.jpg
حجم الخط

بقلم: عميره هاس



تذكر متان، وهو جندي مسرّح، أنه كان هناك فلسطينيون تعودوا على المجيء إلى القاعدة التي كان يخدم فيها في المساء، بين الساعة 20:00 – 23:00، والالتقاء مع ضباط كبار.
لم يقم دافيد، الذي تسرح من الجيش قبل ذلك ببضع سنوات، بالإشارة إلى فترة زمنية، لكنه أيضا عرف أنه بعد مجيء هؤلاء الأشخاص، وبعد ساعات خدمته فإنه ينتظره عمل كثير: إصدار تصاريح حركة لهم ولأبناء عائلاتهم. وتذكر ألون، الذي هو أيضا جندي مسرح، بأن ضباطا كبارا التقوا معهم خارج القاعدة.
متان، دافيد وألون (الأسماء المذكورة في المقال هي أسماء مستعارة)، خدموا في السنوات الأخيرة في وحدة الإدارة المدنية، في عدة مناطق في الضفة الغربية.
وتحدثوا للصحيفة عما يسمى في الوحدة "المتحدثين"، وهم فلسطينيون تقيم الإدارة المدنية معهم علاقات خاصة من خلال "خذ وأعط": أعط معلومات وتقديرات عامة عن الوضع في الشارع الفلسطيني، وخذ تصاريح حركة بسهولة، لك ولأبناء عائلتك، وربما لأصدقائك ولمقربين آخرين.
وأكد الجنود المسرحون على أن الحديث لا يدور عن عملاء يشغلهم عملاء "الشاباك" والشرطة بالأجر (أيضا مقابل تصاريح حركة)، ممن يقدمون معلومات أمنية سرية تجرم آخرين. هكذا أوضح لهم القادة، قالوا.
متان، دافيد، وألون، هم ثلاثة من بين عشرات الجنود المسرحين الذين خدموا في الإدارة المدنية، وقدموا شهادات لـ "نحطم الصمت" عن طبيعة الوحدة ومهمتها وعملها. وقال الشهود إنه أصبح للوحدة اسم سيئ في أوساط الكثير من المتجندين الأغرار.
اعتبرت الوحدة مكاناً لـ "محبي العرب واليساريين"، لأنه كان من وظيفتها إعطاء تصاريح للفلسطينيين لأمور أساسية مثل السفر والسفر إلى الخارج للعلاج وفلاحة الأراضي وزيارة عائلية وشق شوارع ومد أنابيب مياه وما شابه. هناك من يسمون الوحدة باستخفاف باسم "عاملة اجتماعية للفلسطينيين".
بسبب ذلك بالضبط طلب عدد من الشهود الاندماج فيها من البداية "لمساعدة الناس والتعرف على الفلسطينيين في مكان يمكنهم فيه أن يفيدوهم. ولكن سرعان ما اكتشفوا أن هناك فجوة كبيرة بين السمعة التي لحقت بالوحدة وبين الحقيقة، وعرفوا أن الأمر يتعلق بآلية سيطرة على الفلسطينيين، تستخدم "عنفا بيروقراطيا"، كما اعتبر ذلك بعضهم. الكشف وخيبة الأمل شجعتهم على تقديم شهادات لـ "نحطم الصمت".
اليوم ستنشر المنظمة كراسة جديدة بعنوان "الإدارة العسكرية"، وفيها مقاطع من شهادات جنود في هذا الجسم، وعن اختراقه لحياة الفلسطينيين.
يقدر متان بأن هناك محاور لكل صاحب وظيفة "كبير" في إدارة التنسيق والارتباط الخاضعة للإدارة المدنية.
في الضفة الغربية هناك ثماني إدارات للتنسيق والارتباط، وهي مسؤولة عن التنسيق مع المستويات المدنية والأمنية في السلطة الفلسطينية في المنطقة ذاتها، وعن معالجة طلبات التصاريح للسكان الفلسطينيين. "الضابط الجيد هو الذي يبادر إلى إجراء لقاء مع محاوره ويطور العلاقة معه"، قال. حضر متان، حسب قوله، عدداً من اللقاءات، ودائما سمع قادته يسألون الضيف عن رأيه بهذا الحدث أو ذاك. كيف يمكن الفهم؟ أحيانا تولد لديه الانطباع بأن هذه المحادثات كانت دون مضمون، "لمجرد الحفاظ على العلاقة". وفي نهاية اللقاء كان هناك عدد من طلبات إصدار التصاريح.
متان ودافيد قالا للصحيفة إنهما عرفا أهمية هؤلاء الأشخاص من أجل الإدارة المدنية عندما فشلوا مرة أو مرتين في إعطاء تصريح للمحاور.
غضب قادتهم منهم، وذلك في تناقض بارز مع اللامبالاة التي تعاملوا بها مع المعالجة غير المكترثة بطلبات التصاريح التي قدمها الفلسطينيون العاديون.
وفرت العلاقة المباشرة مع ضباط في الإدارة المدنية على كثير من الفلسطينيين الذين يعتبرون محاورين وقتا طويلا من الانتظار الطويل للحصول على جواب على طلباتهم للتصاريح، وكذلك وفرت عليهم الوقوف في الطابور في مكاتب الارتباط الفلسطينية وإدارات التنسيق والارتباط، ووفرت عليهم التعامل المهين للجنود.
يمكن أن تثمر هذه العلاقة تصاريح لكل ساعات اليوم والليل، التي أعطيت أيضا في فترات إغلاق "كورونا"؛ تصاريح شملت أيضا كل أبناء العائلة، التي تمكن من الخروج من الضفة أيضا من المعابر المخصصة فقط للإسرائيليين وليس للفلسطينيين.
وجود عملاء فلسطينيين يقدمون معلومات أمنية معروف للإسرائيليين. لكن لا يوجد ما هو معروف كثيراً عن الدائرة غير الرسمية للمقربين، والتي ترعاها الإدارة المدنية، والحديث عنها هو أحد التجديدات البارزة في كراسة "نحطم الصمت".
في المقابل فإن وجود محاورين لم يخف عن المجندين الجدد للإدارة المدنية. "تعلمنا عنهم في دورة الإعداد للوحدة في مدرسة التنسيق والارتباط التي توجد في تسريفيم"، قال ألون للصحيفة.
قيل للجنود إن الهدف من رعاية المحاورين هو خلق علاقة اجتماعية، فيما بعد من شأنها أن تفيد في أوضاع متوترة، مثلا أثناء تظاهرة محلية لفلسطينيين أمام موقع عسكري فإن هؤلاء المحاورين ربما سينجحون في تفريق هذه التظاهرة في مرحلة مبكرة. ولكن هناك سيناريوهات لأوضاع أكثر تعقيدا، يستعد لها الجيش والإدارة المدنية التي هي جزء منه: إلغاء كامل للتنسيق الأمني، انهيار السلطة الفلسطينية، أو موت الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. سيناريو قريب من هذه السيناريوهات وقع في النصف الثاني من العام 2020 عندما جمدت السلطة الفلسطينية جزئيا التنسيق المدني والأمني بسبب نية إسرائيل ضم أجزاء من الضفة، وعندما كان وباء "كورونا" في ذروته.
وقال متان إنه في الإدارة المدنية كان هناك في حينه شعور بأنه يمكن إدارة الأمور حتى دون السلطة الفلسطينية. نبع جزء من هذا الشعور من العلاقة مع المحاورين.
لم تفاجئ أي ظاهرة من هذه الظواهر الواردة في الكراسة الفلسطينيين، التي ستنشرها "نحطم الصمت".
هذه الظواهر التي خبرها الفلسطينيون على جلودهم. على سبيل المثال، المماطلة في إعطاء تصاريح للفلسطينيين العاديين، والتعامل العدائي والهجومي على نوافذ استقبال الجمهور في إدارات التنسيق والارتباط، وشطب تصاريح قرية كاملة بالجملة، والتمييز ضد الفلسطينيين في أمور مثل رخص البناء والربط بشبكة المياه، وتأثير المستوطنين على ضباط وشخصيات رفيعة في الإدارة المدنية في كل ما يتعلق بالسيطرة على الأراضي.
أيضا النشر عن مجرد وجود المحاورين لا يفاجئ الفلسطينيين، فقط المفهوم بالعبرية غير معروف لديهم.
على الأغلب يعرف الجمهور الفلسطيني أو يخمن من هم المقربون من الإدارة المدنية والذين يحصلون بسهولة على تصاريح بشتى أنواعها.
هذا هو "حزب الإدارة المدنية"، كما سماهم في المحادثة مع "هآرتس" مصدر في إدارة الشؤون المدنية، التي هي الجهاز الفلسطيني الموازي للإدارة المدنية.
قبل نحو شهرين قال مصدر رفيع في "فتح" بصورة مبالغ فيها إن "الحزب الأكبر هو حزب الإدارة المدنية"، وفي محافظة الخليل تم إلصاق هذا التعريف بعدد من القوائم التي تنافست في الانتخابات للمجالس المحلية في آذار.
إعطاء معلومات وتقديرات للوضع والحصول على تسهيلات في المقابل، كل ذلك ليس ظاهرة جديدة. فهكذا عملت الإدارة المدنية قبل اتفاقات أوسلو، وهكذا كان الأمر في فترة الحكم العسكري، داخل إسرائيل، مع بعض الاختلافات، وهذا ما هو متبع حتى الآن.
تعرف الجنود المسرحون، الذين تحدثت معهم الصحيفة، على محاورين من رجال الأعمال والتجار وأصحاب مناصب في البلديات وضباط في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
في بيان على الواتس اب كتب أن المحاور قال إن وزارة التربية التعليم الفلسطينية أصدرت توجيها ما. وفي بيان رابع كتب أن المحاورين يبلغون بأنه يسود هدوء.
على الأقل حسب هذه التقارير لمستشار الشؤون الفلسطينية فإن أي معلومات قدمت من قبل المحاورين كما يبدو غير سرية، ويمكن الوصول إليها عن طريق سماع الأخبار وقراءة الصحف وتصفح الفيس بوك والشبكات الاجتماعية الأخرى.
تحدثت "هآرتس" مع عدد من الفلسطينيين عن هذه الظاهرة، بعضهم كانوا غير متسامحين، وقالوا إن الأمر يتعلق بمتعاونين تماما، يعملون بصورة أنانية.
آخرون أظهروا تفهما أكبر، أو سموهم "عملاء لايت" (...).
مصدر فلسطيني في إدارة الشؤون المدنية قال للصحيفة إن الجانب الإسرائيلي يفعل ذلك بشكل متعمد. فهو يتباطأ عن قصد في إعطاء إجابة على الطلبات التي تحول إليه من قبل الجانب الفلسطيني، على سبيل المثال تصريح خروج للعلاج أو تحسين شارع في القرية أو تصريح زيارة لأحد الأقارب من الأردن. هكذا فإنه يدفع الناس للذهاب مباشرة إلى الإدارة المدنية، وعندها السقوط في شبكة "المحاورين".
تأثير زرع محاورين يتجاوز التمييز ضد طالبي التصاريح الآخرين: تعزز الظاهرة المعروفة لمقربي الإدارة المدنية الشك حول طبيعة العلاقة، وتضم أشخاصا تلحق بهم وصمة العار التي تلحق بـ "المتعاونين"، وتثير الشك حول الطريقة التي تم إصدار التصريح بها من أجل القيام بأبسط الأمور. مثلما قال للصحيفة عدد من الفلسطينيين الذين أشاروا إلى هذه الظاهرة: "في نهاية الأمر أيضا هذا هو الهدف الإسرائيلي، إثارة الشكوك المتبادلة في المجتمع الفلسطيني".
رفضت المتحدثة باسم منسق أعمال الحكومة في "المناطق" الإجابة عن الأسئلة المحددة التي أرسلتها الصحيفة وعلى رأسها مسألة المحاورين. بدلا من ذلك أرسلت المتحدثة بيانا كتب فيه: "الإدارة المدنية منظمة عسكرية ومهنية مسؤولة عن عدد من مجالات المسؤولية والفعل في مناطق يهودا والسامرة، سواء بقوة تعليمات القانون التي تسري في المنطقة، أو بقوة قرار المستوى السياسي. يعمل ضباط وجنود وموظفو الإدارة المدنية بصورة مهنية، قيمية ونزيهة، أمام مجمل السكان من خلال الحرص على إعطاء إجابة مهنية ومناسبة عن احتياجات مجمل السكان طبقا للإجراءات والأوامر وتعليمات القانون".
وجاء في البيان أيضا: "ندين كل محاولة للطعن بعمل ونزاهة أفراد الإدارة، ونرفض بشدة أي محاولة لنسب أجندات سياسية كهذه لأعمالها، المستندة إلى تصريحات عامة لأطراف مجهولة غير صحيحة. يجب التوضيح بأن الإدارة المدنية تحرص طوال الوقت على فحص ومعالجة الحالات التي يظهر فيها تجاوز للإجراءات والقانون والأوامر. هذه الحالات هي حالات شاذة ولا تعكس سلوك الإدارة المدنية".


وصي على "المناطق" المحتلة
بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في 1967 أوكلت معالجة الشؤون المدنية لضابط كبير يقدم تقاريره مباشرة لوزير الدفاع، وهو منسق أعمال الحكومة في "المناطق". عمليا، الحكام العسكريون في المحافظات تحكموا بالمجال الأمني – العسكري وكذلك بالمجال المدني. في 1981 تقرر الفصل بين النشاطات الأمنية والنشاطات المدنية. ومن اجل ذلك تم تشكيل الإدارة المدنية الخاضعة لوحدة منسق أعمال الحكومة في "المناطق" وقائد المنطقة في الوقت ذاته. في الإدارة يخدم جنود وضباط من الخدمة النظامية ومدنيون (ضباط قيادة) من قبل عدد من الوزارات الحكومية. الهدف المعلن الأول للإدارة المدنية هو الاهتمام برفاهية ومصلحة السكان. في الوقت ذاته في الإدارة المدنية عملت منذ بدايتها سلطات تخطيط وإشراف حركت عملية سيطرة إسرائيل على الأراضي لصالح المستوطنات، ما يخالف القانون الدولي، ويعتبر معاكسا لمصلحة السكان المحليين.
عند إقامة السلطة الفلسطينية توقع الفلسطينيون أن يتم حل الإدارة المدنية، كما هو مكتوب في اتفاق أوسلو ب الذي وقع في 1995: "بعد تأسيس المجلس الفلسطيني (السلطة الفلسطينية) يتم حل الإدارة المدنية في الضفة الغربية وينسحب الحكم العسكري". ولكن الاتفاق نفسه يضع عددا كبيرا من القيود على هذا الوعد، وهذه مكنت ليس فقط بقاء الإدارة المدنية بل أيضا توسيعها وتوسيع دورها كخادم للمستوطنين الذين ازدادوا. في التقارير السنوية لمنسق أعمال الحكومة في "المناطق" كتب في السنوات الأخيرة أن وظيفة الإدارة هي "التقديم والدفع قدماً بإجراءات تشكل المنطقة بمنظار المصالح الإسرائيلية".
على ذلك يشير تقرير منظمة "يوجد حكم" من العام 2008: "بهذا يعلن الجيش بصورة صريحة أنه يخرق واجبه كوصي على المناطق المحتلة، الذي من المفروض أن يعمل على تعزيز مصالح السكان المحميين".

عن "هآرتس"