خبر بايدن مهندس زيارة بيلوسي لتايوان

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

ببدلتها الوردية، حلّت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي ضيفة على تايوان، منتصف الأسبوع الماضي، وسط حالة من السخط الصيني الشديد على هذه الزيارة التي تصبّ الزيت على نار العلاقات السياسية والاقتصادية الأميركية - الصينية.
بيلوسي تمثل السلطة التشريعية في أهم بلد بالعالم وتصنف الثالثة من حيث الأهمية في ترتيب الهرم السلطوي الأميركي وهي ليست سائحة أو متسوقة شغوفة بزيارة تايبيه، وثمة هدف واضح من هذه الجولة إلى دول آسيوية من بينها تايوان، يتصل بتوثيق التحالف الاستراتيجي وتوسيع آفاق التعاون مع الدول التي تقع في بحر الصين الجنوبي.
في الأساس، كانت الإدارة الأميركية تدرك مخاطر وتداعيات هذه الزيارة إلى تايبيه، ومع ذلك حصل ما حصل ووصلت طائرة عسكرية إلى تايوان برفقة حماية أميركية جوية وأرضية، في إشارة إلى أن المستوى السياسي الرسمي في واشنطن موافق ويدعم الزيارة.
على الرغم من سياسة الغموض الاستراتيجي مع الصين حول تايوان، إلا أن الولايات المتحدة تفهم أن زيارة رئيسة مجلس النواب تأتي في إطار دعم الدول الآسيوية في مواجهة التمدد الصيني خصوصاً في بحر الصين الجنوبي.
ليس هذا فحسب، بل هناك اعتقاد سائد لدى صناع القرار الأميركي أن فرملة التوسع الصيني تستلزم خلق أزمة دولية مسرحها جيران الصين، كما هو الحال مع السيناريو الروسي - الأوكراني، الذي يعني بالنسبة لواشنطن تحشيد العالم الغربي والأوروبي ضد موسكو، وثانياً استنزاف وإضعاف موارد الأخيرة في حربها المستمرة مع أوكرانيا.
هذا ما تريده واشنطن من زيارة بيلوسي إلى تايوان، خصوصاً أن رئيسة مجلس النواب أشارت صراحةً إلى أن وجودها مع وفد الكونغرس في تايبيه "يكرس التزام بلادها الثابت بدعم الديمقراطية في تايوان"، وفي ذات الوقت تشدد على أن زيارتها لا تتعارض مع سياسة واشنطن تجاه "صين واحدة".
بالتأكيد، واشنطن معنية بهذه الزيارة لسببين، الأول خارجي يتعلق بالحماية والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لحلفائها، وكلما زادت المخاطر على هذه الدول زاد حجم الصادرات الأميركية من السلاح إلى تايوان وماليزيا وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية.
كذلك لا يتوقف الأمر عند الجانب الاقتصادي، بل يسبقه البعد السياسي المتعلق بتطويق الصين غرباً وجنوباً، وتوليد المزيد من الأعداء وتحصينهم ضدها بحجة دعم الديمقراطيات ضد النظام الديكتاتوري الصيني.
السبب الآخر يتصل بالوضع الداخلي الأميركي ومشكلة الحزب الديمقراطي مع الخسارة المحتملة جداً في الانتخابات النصفية الأميركية التي تجرى بعد ثلاثة أشهر تقريباً، إذ جرت بالعادة تصدير الأزمات الداخلية إلى خارج الحدود الأميركية لتوجيه الرأي العام وتوحيده خلف السياسة الأميركية.
من غير المستبعد أن تلجأ بيلوسي بالاتفاق مع الرئيس بايدن إلى افتعال أزمة مع الصين عبر تايوان بادعاء حماية الحقوق والحريات وصون الديمقراطية هناك لتشتيت انتباه الرأي العام الأميركي إزاء موقفه الغاضب من أزمة الغلاء وتدهور الوضع الاقتصادي.
الحزب الديمقراطي الحاكم الذي يتمتع بميزة الأغلبية البسيطة في مجلس النواب قد يفقدها مع تدني شعبية الرئيس بايدن بسبب التضخم الاقتصادي، وقد يكون سيناريو إعادة تأزيم العلاقة مع بكين مفيداً للحزب الديمقراطي للخروج من ورطته.
الصين في المقابل ليست في وارد تكبير الأزمة وتحويلها إلى صراع مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة. غير أنها أوصلت موقفها بقوة عبر منابرها السياسية والإعلامية ضد هذه الزيارة، وعلى الفور، أجرت مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في مضيق تايوان.
وكذلك استدعت السفير الأميركي في بكين احتجاجاً على زيارة بيلوسي، وأوقفت الصادرات إلى تايبيه ومنعت وارداتها، ومن المرجح أن تشتعل الحرب الكلامية بين واشنطن وبكين وكذلك من المرجح أن تتأثر حركة الصادرات والواردات بينهما.
المناورات العسكرية التي تجريها الصين حالياً تأتي من باب حفظ ماء الوجه وتنفيس عن الغضب، وكذلك التأكيد على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين واحدة. لكن ستستثمر الولايات المتحدة هذا الغضب بإذكاء نار العداوة بين بكين وجيرانها في بحر الصين الجنوبي، وستقنع حلفاءها من تلك الدول باستيراد المزيد من السلاح الأميركي.
في كل الأحوال، يحاول بايدن السباق مع الزمن قبل موعد الانتخابات النصفية، باتخاذ إجراءات سريعة لتفادي ركود اقتصادي محتمل وتخفيف وطأة التضخم، وأيضاً يسعى إلى إدارة الأزمة مع الصين وروسيا بطريقة تجعله يوحد الرأي العام الأميركي حوله.
أما الصين فهي تقيس كل حساباتها بالمسطرة، وتدرك أن خيار عودة الحرب الاقتصادية مع واشنطن إلى الواجهة لا يفيد الطرفين، إلا أنها تسير على سياسة "التمسكن حتى التمكن"، وحين يأتي ذلك اليوم الذي ترى نفسها في قدرة مواجهة الولايات المتحدة فلن توفرها أبداً، وحينذاك لن توفر تايوان وغير تايوان.