انتهى التوجيهي و"السباك" الذي كان طبيبا

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم : حمدي فراج


انتهى"التوجيهي"بخيره وشره، وما صاحبه من احتفالات ومفرقعات، لتبدأ "معركة" الجامعات والتخصصات والتكاليف. وما يلفت النظر ان ظاهرة إقحام الاباء انفسهم في مادة تخصص ابنائهم، ما زالت شائعة، أما بناتهم، "فمصيرهن للبيت والزواج" حتى حين يحصلن على علامات بارزة. وما زالت مادة "الطب" هي المحبذة لدى معظم الاباء، أغنياء وفقراء على حد سواء، الاب الغني يريد ان يقال عنه "أبو الدكتور"، والفقير يريد ان يخلصه الطب من فقره وعوزه ، ويصبح لديه ما لدى باقي الاطباء من منزل وربما عمارة وسيارة وباقي الاحتياجات والامتيازات، في غمرة برهة قصيرة ، والكل يعرف ان ليست هذه هي رسالة الطب.
ما لا يعرفه هؤلاء الآباء، الذين يحشرون انفسهم في خيارات تخصص ابنائهم، هو ان أمور الطب لم تعد عليه الحال كما قبل خمسين سنة ، وأن عياداتهم اصبحت أكثر من المطاعم ، وأن الاقبال عليها اصبح امرا مدروسا بشيء من الدقة، له علاقة بالتخصص ومكان التخصص وسنة التخرج وسعر الكشفية، ولهذا يؤثر الكثيرون على عدم الاكتفاء بالشهادة الاولى التي تمتد الى سبع سنوات، يتبعها اربع او خمس سنوات أخرى ، ناهيك عن المزاولة في احدى المستشفيات .
وما لا يعرفه هؤلاء الاباء، ان عددا لا بأس به من مفكري العالم، قد بدأوا يتنبأون و يتوقعون بنهاية الطب خلال عقد واحد من الزمن ، ولن يتبقى منه سوى تقنياته التي تتطلب التدخلات الجراحية المباشرة ، وإذا امعنا النظر للتدقيق بين طب اليوم وطب قبل خمسين سنة، فإننا نجد أنفسنا امام طب جديد بالمطلق ، سواء في التشخيص اوفي العلاج ؛ لا أحد اليوم من الاطباء يحمل السماعة في أذنيه ، ولا أحد يدق على صدر المريض او ظهره بيده ويطلب منه ان يقول "آه" .
لقد وصل "التنبؤ" بالفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي -رحل عام 2006- بإختفاء الكتاب والدفتر والقلم والحقيبة المدرسية، بل بالمدرسة نفسها، وقد بدأنا نلحظ ذلك ، خاصة في وقت الكورونا، حيث التعلم عن بعد، وجامعاتنا عندما شهدت الخلافات الاخيرة بين مكوناتها المختلفة ، او ما سمي بالتعلم الافتراضي ، ولو كان هناك وزير تعليم او فيلسوف فرنسي او روسي او عربي، لسارع في إعلان وفاة المدرسة، لطالما انه بالامكان الاستغناء عنها ببديل مريح للطالب وللمدرس ويوفر هذا البديل نفقات مهولة تبدأ بالمواصلات ولا تنتهي بمرتبات المعلمين ورسوم المدرسة .
تقول الطرفة ان طبيبا انجليزيا تعطلت عنده حنفية الماء، فاتصل بالسباك الذي اصلح الخلل خلال عشر دقائق وطلب أجرته مئة جنيه ، فاحتد الطبيب قائلا له انه دكتور ولا يتقاضى هذا المبلغ في عشر دقائق ، فرد عليه السباك باسما : أنا كنت طبيبا و توقفت عن ذلك .