حتى لا يصبح إغلاق محاور الحركة في غلاف غزة اعتيادياً

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام


كان الراحل موشيه فرد ابن 67 عندما قتل في 5 أيار 2019 بنار صاروخ مضاد للدروع أطلقه نحوه "مخربو" "حماس" الذين تمترسوا في شمال القطاع. فقد استغلوا خط رؤية أتاح النار نحو سيارته بينما كان مسافراً على الطريق المؤدي من مفترق يد مردخاي باتجاه مفترق نير عام قريباً من مدخل كيبوتس "ايريز".
رغم جولة التصعيد العنيفة بين إسرائيل ومنظمات "الإرهاب" في القطاع والإخطار الاستخباري عن تهديد نار مضاد للدروع من القطاع نحو طرق الغلاف اتخذ الجيش في حينه قراراً بعدم إغلاق الطريق. من المعقول الافتراض بأن الحدث القاسي بقي خدشا عميقا لدى قائد قيادة المنطقة الجنوبية، اليوم، اللواء اليعيزر طوليدانو، الذي كان في تلك الأيام قائد فرقة غزة. فقد كان هو الذي اتخذ المسؤولية عن إبقاء المحور مفتوحا رغم التهديد الملموس من غزة بالنار نحو مقطع الطريق المكشوف، بل اعترف باستقامة بأنه ينبغي التقدير بأنه أخطأ بالتفكير رغم الرغبة في الحفاظ قدر الإمكان على نسيج الحياة المدني.
من اكتوى بالنار يحذر البرد، وفي تاريخ إسرائيل العسكري الحافل بمكافحة "الإرهاب" لأسفنا لا تنقص الأمثلة عن عمليات قاسية تحققت رغم الإخطارات التي لدى جهاز الأمن.
في كل حدث من هذا النوع تكون المعضلات القيادية كبيرة، ويكون مطلوباً قرار للاختيار بين إمكانيات سيئة. لكن قبل كل شيء تكون المسؤولية ملقاة على كاهل القادة، وتعرض أمامهم صورة الاستخبارات الشاملة التي لا توجد تحت تصرف الجمهور.
للهازئين على أنواعهم من سلوك قيادة المنطقة الجنوبية وقرارات القادة الكبار، نوصي ان يتذكروا ان ليسوا هم من سيكونون مطالبين بإعطاء تفسيرات مقنعة لعائلات المواطنين القتلى. فحياة المواطنين تسبق الاعتبارات الأخرى، وفي المستوى التكتيكي في فرقة غزة اتخذت الخطوات السليمة في عزل المنطقة.
لكن مشكلة إسرائيل مع قطاع غزة ليست تكتيكية ومحلية، بل مشكلة استراتيجية تمتد على مدى زمن طويل، ومعها أيضا المشاكل الدائمة في السياسة الإسرائيلية.
في الأيام التي انقضت منذ اعتقال بسام السعدي، كبير "الجهاد الإسلامي" في "السامرة"، اتخذ الجيش الإسرائيلي سلسلة أعمال دفاعية استهدفت في جوهرها ان تسلب الطرف الآخر الفرصة لتنفيذ عمليات: عزل المنطقة عن دخول المدنيين، وتخفيض تواجد قوات الجيش في المناطق المكشوفة لنار مضادات الدروع او للقنص من القطاع، والتشديد في الإرشادات وفي أعمال القوات في الميدان على هدف الامتناع عن ارتكاب الأخطاء التي تعطي فرصا عملياتية للطرف الآخر.
الهدف هو اجتياز هذا الفصل دون ضحايا في الأرواح، وربما كلما مر الوقت بعد الاعتقال سيبرد الدم الحامي لـ"مخربي" "الجهاد الإسلامي"، في ضوء جهود "حماس" أيضا، انطلاقا من مصلحتها، لتهدئة الخواطر. وكذا سيفعل الوسيط المصري فعله هو الآخر.
على المستوى الاستراتيجي تختلف الصورة تماماً. إعلان نوايا فقط من تنظيم "إرهابي" ضعيف وصغير يتطلب أثمانا لا تطاق من إسرائيل، إذ يحاول أن يقرر معادلات وشارات ثمن، قبل ان يطلق "مخربو" "الجهاد الإسلامي" ولو مفرقعة واحدة من القطاع، وذلك في حدث ينتهي باعتقال المطلوب وليس بموته.
فضلا عن الأمور التكتيكية والأعمال الدفاعية التي يتخذها الجيش الإسرائيلي لإحباط عملية مضادة محتملة، إسرائيل مطالبة بالنظر الى صورة وضع استراتيجي أوسع واكثر أشكالية بكثير. ان حقيقة أن إحساس الأمن ونمط الحياة الاعتيادي في الجنوب تضرر وأغلقت محاور سير مركزية وتوقفت حركة القطارات من عسقلان الى "نتيفوت" تجسد عمليا ان بوسع منظمات "الإرهاب" ان تجبي ثمنا باهظا بمجرد التهديد بالعملية، حتى قبل ان تنجح في تنفيذ تلك التهديدات.
ثمة عشرات التعريفات لمصطلح الإرهاب في العالم. وفي كلها تقريبا توجد لجانب الوعي، وللتأثير على السكان المدنيين وللمس بنمط الحياة الاعتيادي، أهمية اكبر من العملية نفسها. منذ الآن، وحتى قبل إطلاق الصاروخ الأول، يمارس "الجهاد الإسلامي" "الإرهاب" من القطاع ضد مواطني إسرائيل.
في هذه النقطة، يجب تغيير القرص وبسرعة، كي لا يصبح إغلاق الطرق وسكك القطارات بسبب تهديدات "إرهابية" عاجلة من القطاع عادة. لا يمكن لإسرائيل أن تنظر الى التطورات الأخيرة فقط انطلاقا من رؤية دفاعية وحماية الوضع القائم.

تأثير معاكس
سكان الغلاف معتادون على وضعيات أمنية معقدة بسبب قربهم من قطاع غزة. ففي العيش في الغلاف توجد مزايا أيضا. ففي السنوات الأخيرة تزدهر المنطقة وتتفتح لكن عدم المبالاة العامة في إسرائيل لإغلاق طرق مركزية في الجنوب وسكة القطاع على مدى أيام وفقط بسبب تهديدات "إرهاب" وكأن هذا قدر لا تطمس المشكلة. تصوروا وضعا تغلق فيها بسبب تهديدات "إرهابية" طرق مركزية في الوسط، وتبقى محطات القطار فارغة. فهل عندها أيضا سيكون ممكنا مواصلة نظام الحياة المعتاد دون الانشغال بالآثار بعيدة المدى؟
يصعب على إسرائيل على مدى سنوات طويلة إدارة استراتيجية مستقرة تجاه منظمة "إرهابية" تسيطر عملياً على كيان شبه دولة معادٍ على حدود مشتركة وعلى علاقات اقتصادية صرفة مع إسرائيل. في هذه الوضعية تصدت كل حكومات إسرائيل في السنوات الأخيرة للمعضلات ذاتها، وفي نهايتها انتهت جولات تصعيد او حملات عسكرية ناجحة الى هذا الحد او ذاك دون أي غاية سياسية واضحة، وأجلت فقط المواجهة التالية.
ان تهديدات مضادات الدروع على سكة القطار يمكن وينبغي حلها منذ زمن بعيد. يدور الحديث عن مقاطع قصيرة جدا ومكشوفة لغزة ويمكن حل المشكلة بقرار حكومي مشترك مع وزارات الدفاع، المالية، والمواصلات، في ظل تخصيص مقدرات لمسار بديل لتلك المقاطع القصيرة.
سبق أن كتبنا عن بناء مسار السكة في ظل تجاهل توصيات الجيش مرات عديدة في الماضي. لكن الآن أيضا لا يزال ممكنا الإصلاح وإيجاد الحلول اللازمة. وجراء إغلاق سكة القطار تدفع إسرائيل الثمن كل مرة من جديد. ويضاف الى الكلفة الاقتصادية ثمن باهظ في الردع متداخل مع جائزة وعي مجانية تمنحها إسرائيل لمنظمات "الإرهاب" في غزة في كل مرة من جديد عندما يغلق خط القطار.
في جهاز الأمن، يعتقدون ان "حماس" و"الجهاد الإسلامي" فشلا في السنة الأخيرة في محاولتهما التأثير من غزة على الضفة. أما الآن فـ"الجهاد الإسلامي" يحاول خلق تأثير معاكس في إطاره يحاول ان يخلق رابطا بين الأعمال التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في الضفة ضد شبكاته "الإرهابية" وبين أعمال الرد التي يهدد بتنفيذها من غزة.
يتضح من تقويمات الوضع في قيادة المنطقة الوسطى ان الأعمال التي نفذتها إسرائيل على المستوى العسكري والمدني في الأشهر الأخيرة عززت أيضا السلطة الفلسطينية، وباتت المنطقة أكثر استقرارا بقليل. لكن التحدي الأمني حيال منظمات "الإرهاب" في نابلس وجنين اكبر من حجوم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بعدة مستويات. وعليه، ففي الأشهر القادمة بالذات من المتوقع ان يواصل الجيش العمل في هذه المواقع عندما يكون كل دخول الى مخيمات اللاجئين تقريبا مترافقا وتبادلاً لإطلاق النار وغير مرة أيضا بقتل "مخربين" فلسطينيين.
في جهاز الأمن، يحددون الأشهر القادمة كفرصة لضرب شبكات "الإرهاب" في "السامرة"، ومن هنا فإن الأعمال التي ستنفذ في الضفة قد تؤثر على الجنوب حتى لو مرت الحادثة الأخيرة وانتهت في الأيام القادمة.
حتى لو مر التوتر الأمني الأخير في الجنوب دون تصعيد فإن إسرائيل قد تكون مطالبة بخط اكثر عنفاً على المستوى العسكري أو الاقتصادي كي لا يصبح إغلاق مسارات المواصلات والمس بنمط الحياة الاعتيادي لسكان الجنوب أمرا اعتياديا.

عن "معاريف"