رغم ما قاله عن الكارثة.. للإسرائيليين: لا تنتظروا زعيماً “أكثر اعتدالاً” من أبو مازن

حجم الخط

بقلم: يوسي بيلين

الأقوال التي قالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في برلين (من كل الأماكن التي في العالم) تقشعر لها الأبدان، وجديرة بكل تنديد حظي بها، بل وأكثر من ذلك. غير أن السؤال هو: ما الاستنتاج من ناحية إسرائيل ومصلحتها؟ فمن يعارض تقسيم البلاد مستعداً للتسليم بدولة واحدة غربي نهر الأردن، تسيطر فيها الأقلية اليهودية على الأغلبية غير اليهودية، إنما يتمسك بأقوال أبو مازن كي يشرح بأن لا وجود لمن نتحدث معه، وبالتالي لا حاجة لنا لفعل شيء، غير أن نخلف كياناً لا ديمقراطياً ولا يهودياً للأجيال القادمة.

 

من يرى نفسه صهيونياً لا يمكنه أن يرى في هذا خياراً. إذا لم يكن ياسر عرفات شريكاً مناسباً وإذا لم يكن محمود عباس شريكاً، فثمة استنتاج واحد فقط من هذا: اتخاذ خطوة من طرف واحد.

 

عرب بلاد إسرائيل قبل أن يعرفوا أنفسهم كفلسطينيين، رأوا في الهجرة اليهودية إلى البلاد تهديداً على استمرار حياتهم هنا. الحركة الصهيونية، التي كانت أساساً حركة لإنقاذ يهود أوروبا قبل الاضطرابات، لم تفهم الخوف الفلسطيني ووجدت صعوبة لتفهم سبب عدم استقبالهم وترحابهم بنا في بلاد آبائها وأجدادها. الفلسطينيون الذين رأوا كيف تشترى أراضيهم، وكيف يتم إخلاؤهم منها وتجري المحاولة لتثبيت العمل فيها على أساس “العمل العبري”، رأوا في ما نراه نحن طلائعية سلباً، وبذلوا جهداً كبيراً لمنع هجرة اليهود بجموعهم والاستيطان هنا.

 

كارثة يهود أوروبا منحت الصهيونية لحظة رأفة على الأمر الرهيب الذي حل باليهود وتأييداً لمشروع التقسيم في 1947. فالحجوم الوحشية للكارثة لم تترك للعالم، الذي وقف جانباً، غير ضرورة الاعتراف بالدولة اليهودية وإلى جانبها – دولة عربية. بدأ العرب جهداً فشل لعرض الكارثة كاعتداء جماعي آخر كانت اعتداءات كثيرة مثله. وبقدر ما تبدو الكارثة أصغر – هكذا اعتقدوا- ستقل الشرعية لوجود دولة إسرائيل، بل حتى ستتبدد.

 

لقد مال معظم زعماء العالم العربي لتقزيم حجوم الكارثة. كثيرون منهم – من الحاج أمين الحسيني وحتى أنور السادات – كانوا من العاطفين على النازية أو حتى حلفائها. إسرائيل، التي عقدت اتفاق التعويضات التاريخي مع ألمانيا قبل 70 سنة بالضبط ما كان بوسعها أن تسمح لنفسها بمقاطعة الزعماء في العالم ممن مالوا إلى النازية، وبقوا في مناصبهم. في الجدال الرهيب بين بن غوريون وبيغن على قبول التعويضات، رجحت كفة البراغماتية لأن أمن إسرائيل وازدهارها كانا الأولوية الأولى، مع كل الألم. عندما قام بيغن بالفعل السياسي الأهم في تاريخ إسرائيل بعد قيامها، وتفاوض مع السادات على انسحاب إسرائيل من أرض أكبر بثلاثة أضعاف من أرضها السيادية، لم يطلب منه التنكر لإعجابه بهتلر. معارضو التنازل عن سيناء انتقدوا بيغن على ذلك. أما هو فقد كان على ما يكفي من الحكمة كي يفضل التوقيع على اتفاق سلام مع العدو الأكبر لإسرائيل.

 

محمود عباس زعيم براغماتي، يفهم بأن السلام مع إسرائيل مصلحة حيوية لنجاح المشروع الوطني الفلسطيني، وأن الحياة إلى جانب إسرائيل هي الخيار الأفضل لتطور دولة فلسطين. الأقوال التي لا تطاق التي يقولها عن الكارثة (حتى وإن كان يكرر أقواله عن أن هذه كانت الجريمة الأكبر في العصر الحديث) لا ينبغي أن تمنعنا عن بذل الجهد للتوقيع معه على اتفاق سلام. من يؤمن بإمكانية الوصول إلى اتفاق كهذا، عليه ألا ينتظر زعيماً فلسطينياً أكثر اعتدالاً.

 

لكن من لا يريد أن يتحدث عن إسرائيل كدولة يهودية، ديمقراطية وليبرالية، ولا يريد أن يتحدث مع الزعيم في رام الله، فهو ملزم بالنهوض، ويتخذ خطوة من طرف واحد، مع كل أخطارها، ويقرر حدوداً تبقى على حالها حتى مفاوضات السلام. إن الخضوع لمفضلي بلاد إسرائيل الكاملة على دولة إسرائيل هو الخطر الحقيقي على مستقبلنا في هذه البلاد.

 

 إسرائيل اليوم