على الرغم من تحذير وزير المواصلات الفلسطيني، عاصم سالم، في 16 أغسطس الجاري، الفلسطينيين، من مغبة السفر عبر مطار رامون الإسرائيلي، وتهديده بفرض عقوبات على أيّ فلسطيني يُسافر من خلاله -لم يحدد طبيعة العقوبات-؛ أعلن الاحتلال الإسرائيلي، يوم أمس، عن انطلاق أول رحلة سفر جوى للفلسطينيين عبر مطار رامون في النقب إلى قبرص.
أول رحلة عبر رامون
وشاركت مجموعة سياحية من الضفة مكونة من الأطباء والصيادلة وعائلاتهم في تدشين الرحلة الأولى من مطار "رامون"، وصولًا إلى مطار "لارنكا" في قبرص، حيث من المفروض أنّ يقضوا عدة أيام ومن المتوقع العودة إلى الضفة يوم الجمعة المقبل.
وبحسب وصف، ما يُسمى منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المُحتلة غسان عليان، فإنَّ "سفر الفلسطينيين من الضفة عبر مطار "إسرائيلي" أمر تاريخي وغير مسبوق، وكان حلماً وأصبح حقيقة"، على حد تعبيره.
وكانت دولة الاحتلال "الإسرائيلي" قد دشنت مطار "رامون" عام 2019، لكِن الإسرائيليين لا يرغبون بالسفر عبره لبعده عن مركز المدينة، إذ يبعد نحو 340 كيلو متراً عن تل أبيب.
وتبلغ مساحة المطار، الذي بلغت تكلفة بنائه 500 مليون دولار، نحو 14 ألف دونم، وهو الثاني من حيث المساحة في دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد مطار بن غوريون في اللد.
يخدم مصالح الاحتلال على المدى البعيد
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، أنَّ "مبدأ سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون الاحتلالي مرفوض؛ لأنَّ الشعب الفلسطيني يمتلك مطارات؛ لكِنه لا يستطيع تشغيلها؛ كمطار قلنديا الدولي في القدس ومطار غزّة الدولي، مُحذّراً من "مطار رامون" الذي يخدم مصالح الاحتلال بالمقام الأول وليس الفلسطينيين".
وأضاف عوض، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لكِن الشعب الفلسطيني محاصر من جميع الاتجاهات"، لافتاً إلى أنَّ جزءًا من الجمهور الفلسطيني يتساءل لماذا لا يحصل على فرصة فيها جهد أقل ومال أقل؛ الأمر الذي يستدعي من الأطراف الفلسطينية والأردنية معًا تحسين شروط الخدمة التي تُقدم على معبر الكرامة بين الأردن لسكان الضفة الغربية وفلسطين وكذلك عبر معبر رفح لسكان غزّة.
وتساءل: "لماذا تكون إسرائيل هي التي تُقدم خدمة أفضل، طالما بالإمكان تقديم خدمة أفضل للفلسطينيين وبتكلفة أقل؟"، مُردفاً: "الخطوة مرفوضة وطنيًا؛ لكِنها تستدعي من الأطراف ذات الاختصاص تقديم خدمات أفضل".
ومضى متسائلاً: "هل تستطيع السلطة منع فلسطينيين من السفر عبر مطار رامون؟"، مُستدركاً: "السلطة لا تستطيع منع السفر؛ لأنّه ببساطة ليس بمقدورها فرض أيّ قوانين في مناطق "أ، ب، ج" وفقاً لاتفاق أوسلو، وبالتالي الأمر متروك لوعي المواطن ورغبته وقدرته وإيمانه بما يفعل".
وأشار إلى خطورة مطار رامون على الأردن؛ لأنَّ المملكة الأردنية الهاشمية بمثابة الرئة التي يتنفس منها الفلسطينيين بالضفة الغربية، مُؤكّداً في ذات السياق على عمق العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني.
وبيّن أنَّ خدمة مطار رامون، ليست لصالح الفلسطينيين على المدى الطويل، مُضيفاً:"ربما تكون لها فوئد على المدى القصير من ناحية تقليل التكاليف والجهد".
رامون.. وسيلة عقاب للفلسطينيين
وبالحديث عن احتمالية توسع خطوة مطار رامون؛ لتشمل سكان غزّة في ظل تعامل الاحتلال بسياسية السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين في الضفة وغزّة، قال عوض: "إنَّ الرؤية الكبيرة لإسرائيل هي عدم وجود دولة فلسطينية؛ وبالتالي استبدال التسوية السياسة بتسهيلات اقتصادية مختلفة كمطار رامون".
وأضاف: "إنَّ إسرائيل تُغذي الانقسام الفلسطيني؛ حتى لا تدخل في تسوية مع الفلسطينيين، وبالتالي تُقدم تسهيلات لغزّة؛ لدرجة تقديم تصاريح للنساء؛ لاعتقاد الاحتلال الإسرائيلي أنّه كلما تحسن الاقتصاد قل التهديد"؛ مُتابعاً: "هذه معادلة خاطئة قد تنجح لمدة وجيزة، لكِنها معادلة خاطئة لأنَّ الشعب الفلسطيني لا يبحث عن الطعام والشراب والسفر بل عن الكرامة والحرية".
وعن المطلوب لمنع سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون، أوضح عوض، أنَّ "هناك خشية من أنّ يُصبح سفر الفلسطيني عبر مطار رامون، وسيلة عقاب؛ وبالتالي لابّد من التوعية الوطنية بأهمية عدم فك ارتباط حياة الفلسطيني اليومية والحياتية والاجتماعية عن الأردن".
وأكمل: "جدار الفلسطيني وذخره هو العرب ويجب أنّ لا نقطع العلاقة معهم"، مُحذّراً من سيناريو إسرائيلي يجعل سفر الفلسطيني فقط عبر مطار رامون؛ وبالتالي سيقطع الفلسطيني علاقته مع جميع العرب.
الأردن المتضرر الأكبر
يوسف داوود، أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، قال: "إنَّ سماح إسرائيل للفلسطينيين بالسفر عبر مطار رامون؛ جاء لتلبية مطالب أمريكا بالتسهيل على الفلسطينيين عندما جاء بايدن للمنطقة في تموز الماضي؛ بينما الأردن تُعارض الخطوة؛ بسبب المخاسر الاقتصادية، كذلك السلطة تُعارض الأمر، ربما للوقوف مع الأردن، بالإضافة للإيرادات التي تحصل عليها السلطة من الفلسطينيين عبر معبر الكرامة".
ولفت داوود، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، إلى أنَّ تكلفة سفر الفلسطيني عبر جسر الملك حسين؛ حتى يصل إلى مطار عمان، تصل إلى حوالي 470 شيكل، بينما التكلفة عبر مطار رامون تُقدر بـ170 شيكل؛ مُستدركاً: "لكِن الاحتلال لم يُقدم أيّ شيئ للفلسطيني من أجل خدمته".
ونوّه إلى أنَّ مطار رامون، تم بنائه بتكلفة عالية؛ لكِن لم يُسافر عبره الإسرائيليين؛ وبالتالي السماح للفلسطينيين تعويض خسائرهم.
كما أكّد داوود، على أنَّ الأردن هو المتضرر الأكبر من سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون، مُردفاً: "الخطأ الأردني هو عدم تسهيل الرحلات على الفلسطينيين؛ الأمر الذي قد يدفع فئة من المواطنين للسفر عبر مطار رامون".