للمرة الأولى منذ انتهاء الهجمة الإسرائيليّة الأخيرة على غزّة، زار وفد طبّي مُبتعثٌ من جمعيّة أطبّاء لحقوق الإنسان، نهاية هذا الأسبوع، قطاع غزّة، بهدف القيام بنشاط طبّي، والوقوف عن كثب على تداعيات العدوان الإسرائيليّ على سكان القطاع.
وقد مكث الوفد في القطاع مدة أربعة أيام، وتكوّن من 26 طبيبًا وخبيرًا في مجالات الصحة النفسيّة، وترأس الوفد صلاح حاج يحيى، رئيس الوفود الطبّيّة الخاصة بالجمعيّة إلى كلّ من قطاع غزّة والضفّة الغربيّة.
هذا، وقد عمل الوفد في مجال الصحة النفسيّة، برئاسة الأخصائيين النفسيين، محمد منصور، ومحمود سعيد، ومرسي حبيب الله، وأمجد موسى، على مرافقة عائلات الشهداء من ضحايا الهجمة الأخيرة في منطقتي رفح وجباليا، وعلى معالجة الصدمات النفسيّة التي يعيشونها.
وقد تم التركيز بصورة خاصة على العلاج النفسي للأطفال الذين استشهد أصدقاؤهم قريبًا من مقبرة الفالوجة. وعلى التوازي، استمرّت الدورات التأهيليّة الشاملة لطواقم الصحة النفسيّة الفلسطينيّة، وهو نشاطٌ مشتركٌ ما بين أطبّاء لحقوق الإنسان، ومركز غزّة للصحة النفسيّة، ووزارة الصحة، بتمويل الاتحاد الأوروبيّ.
كما تم عقد دوراتٍ تأهيليّةٍ إضافيةٍّ بإشراف د. هشام بواقنة في مستشفى الصحة النفسيّة في مدينة غزّة. كما جرى خلال الزيارة، وبحضور الوفد، افتتاح مركز طبّي جديد لمعالجة ضحايا الصدمة في مدينة غزّة، والذي يعمل بالتعاون مع أطبّاء لحقوق الإنسان، وتحت إشراف ورقابة خبراء صحة نفسيّة من جانب الجمعيّة.
وقد أقيم المركز بمساعدة التبرّعات التي تم جمعها من المجتمع العربيّ في "إسرائيل"، بواسطة الطبيب النفسي محمود سعيد، المتطوع في جمعيّة أطبّاء لحقوق الإنسان.
كما قام أعضاء الوفد، في المستشفى الأوروبي بخانيونس، وبحضور المدير العام للمستشفى، د. يوسف العقّاد، بتدشين جهازٍ جديدٍ لإجراء عمليات المياه البيضاء في العيون من طراز "بيكو ". هذا الجهاز الذي تبلغ كلفته 60 ألف دولار، قامت جمعيّة أطبّاء لحقوق الإنسان بشرائه بواسطة أموال قامت الجمعيّة بجمعها من المجتمع العربيّ في "إسرائيل".
ويحتاج أكثر من 1200 مريضًا في قطاع غزّة إلى الخضوع لجراحة الساد (المياه البيضاء)، والآن، بعد توفر الجهاز الجديد، سيكون بإمكانهم الخضوع للعمليّة.
يُذكر أن أطبّاء لحقوق الإنسان قد اشترت مؤخرًا جهازًا جديدًا للعمليات، بكلفة إجماليّة تبلغ 80 ألف دولار، ومن المرتقب أن يتم إرسال هذا الجهاز للمستشفى خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وعلى التوازي، أجرى فريق الجرّاحين التابع للوفد 26 عمليّة جراحيّة في ثلاثة مشافٍ: مستشفى الشفاء، مستشفى ناصر، والمستشفى الأوروبي. وقد شملت العمليات عمليات استبدال المفاصل والركبة، وجراحة المجازة المعديّة، وجراحات الصدر والأوعية الدمويّة. وقد قام الأطبّاء الجرّاحون في إطار زيارتهم بتسليم معدات طبّيّة تبلغ قيمتها 400 ألف شيكل، لغرض استخدامها في غرف العمليات في المستشفيات الثلاثة.
هذا وقد قام أطبّاء الوفد خلال زيارتهم بتشغيل عيادتين متنقلتين: إحداهما في المستشفى التابع لجمعيّة الخدمة العامة، جنوبي مدينة غزّة، حيث شارك أطبّاء العائلة، والعظام، والأطفال، بفحص 303 مريضًا؛ في حين تمت إقامة العيادة الثانية التي تخصصت في طبّ النساء، في مركز د. فيصل الطبّي التابع لجمعيّة "قلوب رحيمة" في بلدة بيت لاهيا، شمالي القطاع، حيث تم فحص 150 سيدة.
إلى ذلك، شارك أطبّاء الوفد في حفل تدشين مركز ابن سينا الطبّي الجديد في بلدة بيت لاهيا، الذي يعمل بالتعاون مع أطبّاء لحقوق الإنسان. وقد تمت إقامة المركز بتوصية من أطبّاء الجمعيّة، برئاسة المختص في طبّ عظام الأطفال، د. ياسر خطيب، الذين شخّصوا الحاجة إلى مثل هذا المركز لدى سكان المنطقة، وبعد تجنيد الأموال المخصصة لهذا الغرض. ويشمل المركز عيادتي أسنان، وعيادة نساء، وأطفال، وقلب، وقسم داخلي، وطبّ عظام. وستقدم الخدمات في المركز لقاء سعر رمزي يتمثل ببضعة شواقل.
في إطار هذه الزيارة، التقى أعضاء الوفد بكبار المسؤولين في وزارة الصحة، ومن ضمنهم وكيل وزارة الصحة د. يوسف أبو الريش، ود. منير البرش، ود. عبد اللطيف الحاج. وقد أشار مسؤولو الوزارة أمام ممثلي الوفد بأنّه ولدى انتهاء العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، كان أطبّاء لحقوق الإنسان هم أول الجهات لاتي قدّمت الأدوية المعدات للجهاز الصحي.
وقد أعلم رؤساء وفد أطبّاء لحقوق الإنسان مسؤولي الجهاز الصحي أن الجمعيّة قد قامت خلال الأسابيع الماضية الأخيرة بإرسال أدوية معدات طبيّة إلى مستودعات وزارة الصحة الفلسطينيّة في قطاع غزّة بتكلفة تزيد عن 700 ألف شيكل، قامت الجمعيّة بجمعها من متبرّعين أفراد في المجتمع العربيّ في إسرائيل.
بدوره، قال رئيس الوفد الطبي التابع لأطباء لحقوق الإنسان إلى قطاع غزّة صلاح حاج يحيى: "رأينا في زيارتنا أن الهجمة الإسرائيليّة قد تركت، إلى جانب الخسائر الفادحة في الأرواح، مئات العائلات في حالة صدمة شديدة، وهي صدمة ستستغرق وقتًا طويلاً إلى أن يتمكّنوا من التغلب عليها، هذا إن تمكّنوا من الأمر أصلًا.
تضاف هذه الجريمة إلى الجريمة المستمرة والمتمثلة في الحصار الإسرائيليّ الذي يخنق قطاع غزّة منذ أكثر من عقد من الزمن، ويحول تمامًا دون تمكّن سكّانه من العيش حياة إنسانيّة أساسيّة.
وأكمل: "التقينا بمئات السكان اليائسين، الذين يعانون من الفقر، وتدهور الحالة النفسيّة، وغياب الأمل، وهو أمر لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه نتيجة مباشرة للسياسات الإسرائيليّة".
واختتم حديثه بالقول: "ستواصل الجمعيّة العمل بجميع الوسائل المتاحة لها من أجل تقديم العون لسكان غزّة من ناحية طبيّة، كما ستواصل، على التوازي، النضال من أجل تغيير السياسات الإسرائيليّة تجاه القطاع"."