يديعوت : إيران النووية: أين يكمن الخطر الحقيقي؟

حجم الخط

بقلم: دورون متسا*

 



وصف رئيس "الموساد"، دافيد برنياع، الاتفاق النووي الآخذ في التبلور بين الولايات المتحدة وإيران بالخلل الاستراتيجي. هو محق، لكن ليس بالمعنى التبسيطي الذي يتعامل به المعلقون والسياسيون وواضعو السياسات مع التهديد الذي تشكله طهران. يجب وضع الحقيقة البسيطة على الطاولة: تهديد إيران نووية غير ناجم عن إمكانية شن هجوم نووي على إسرائيل. التخوف مفهوم، لكن الهستيريا لا لزوم لها. هذا السيناريو ليس معقولاً لأن لا قيامة بعده، أيضاً بالنسبة إلى إيران، وهذا تعرفه طهران جيداً.
الخطر النووي الإيراني ناجم بصورة أقل عن السلاح النووي بحد ذاته بقدر ما هو ناجم عن آثاره الجانبية. تمثل إيران فكرة وجدول أعمال مختلفاً في الشرق الأوسط، يقوم كله على المقاومة، ويهدف إلى زعزعة الوضع القائم. ولجدول الأعمال هذا شركاء وأطراف أُخرى، أغلبيتها قريبة من حدود إسرائيل، مثل "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي".
المغزى الضمني لواقع إيران نووية، أو دولة على عتبة النووي، هو التغيير في قوة الصراع العام الدائر في الشرق الأوسط، بين معسكر المقاومة (الذي يعرّف نفسه بمصطلحات أيديولوجية متشددة) وبين المعسكر المنافس له (الذي يعرّف نفسه بوساطة مفاهيم اقتصادية). ضمن هذا الإطار، ستتوسع قدرة إيران على منح مظلة حديدية استراتيجية لشركائها الذين سيشعرون بأنهم قادرون على العمل ضمن ظروف جديدة، لأن زعيمهم يملك قدرات نووية.
لكن هذا لا يلخص الصورة كلها، لأن قدرات عسكرية نووية أو غيرها ليست كافية وحدها لتغيير قواعد اللعبة بصورة مطلقة. والمثال على ذلك كوريا الشمالية: فهي دولة لديها قدرة نووية، لكن ظروف العزلة الدولية المفروضة عليها، ووضعها الاقتصادي البائس، يجعلانها كياناً مخيفاً على الورق، وهي عملياً لا تملك قدرة حقيقية على الإيذاء. كي تصبح كوريا الشمالية دولة كبرى فعلاً تملك إمكانية التأثير في سياسة واستراتيجية جنوب شرق آسيا، المطلوب التزامن بين قدرة عسكرية وبين قدرة اقتصادية وتكنولوجية لا تملكها اليوم بسبب عزلتها.
وبعكس كوريا الشمالية، فإن الاتفاق الآخذ في التبلور مع إيران سيسمح لها بإزالة نظام العقوبات عنها والوصول بسرعة إلى التزامن بين قدرات على عتبة النووي العسكري وبين قدرات أُخرى تمنح طهران مجدداً مكانتها كدولة إقليمية كبرى. وهذه قصة مختلفة جداً بالنسبة إلى إسرائيل وشركائها في المنطقة.
هناك انطباع بأن هذا الأمر فهمه جيداً الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي على الرغم من الازدراء العام حياله، فإنه كان لديه نظرة إلى الشرق الأوسط أكثر دقة من المعلقين المستهزئين به. كان خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الطريقة الوحيدة لوقف الربط الذي تسعى له إيران، بين قدرات على عتبة النووي وبين قوة اقتصادية ومكانة دولة كبرى. لقد أدرك ترامب أنه حتى ولو حصلت إيران على سلاح نووي، فإن الحرص على أن تظل دولة فقيرة معزولة ومستبعَدة مثل نموذج كوريا الشمالية سيحيّد، على الأقل جزئياً، التهديد المحتمل الذي تمثله.
سيفعل الاتفاق الذي يجري العمل عليه الآن العكس. سيسمح لإيران بربط القطب السلبي بالقطب الإيجابي في البطارية لإنشاء تآزر قوي. وهذه الأخبار سيئة بالنسبة إلى إسرائيل، التي تعتمد مكانتها الإقليمية ومنظومة علاقاتها مع الدول الغنية في المنطقة على قدرتها على تأمين "السلعة"، وستجد نفسها بعد بضعة أعوام، وتحت الاتفاق النووي الجديد، لم تعد تملك حق الحصرية. في مثل هذا الواقع، ستزداد قدرة إيران على إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة، بوساطة مكانتها العسكرية والاقتصادية وتقويض أسس" اتفاقات أبراهام" التي تشكل أساساً للجدار الحديدي السياسي - الإقليمي في مواجهة طهران.

عن "يديعوت"

*مستشرق ومحاضر.