من المؤسف أننا نواجه مشكلة المعلبات التي تحكم أفقيا وعموديا تلك العقول عندما يتجرأ كاتب ما على الحديث عن العلاقة الأردنية الفلسطينية أو حتى تسليط الضوء على بعض مشكلاتها.
المسألة أقرب إلى الكتابة على لحم يحترق والتعامل إخباريا مع هذا الملف الحساس أشبه بـ«احتضان حبة بطاطا ملتهبة خرجت للتو من نار جهنم».
صديق وزميل من خبراء المهنة يراسلني على الخاص «بسام خلي عندك شوية ضمير» معترضا بطبيعة الحال على تصريح نقلته عن رئيس الوزراء ولم أبتدعه يقول فيه بأن الأردن لا يتحدث لهجتين بخصوص القضية.
صاحبي يريد مني فقط أن أندد بتلك المعلومة ولا أنقلها، وهي معلومة يعارضها زميلنا ويمارس حقه علنا لكنه يعترض علي أنا وليس على المعلومة، ويحاول تعليب ضميري على هذا الأساس مع أنه يملك كل الأهلية للتنديد بالمعلومة ومن قالها أو لنفيها، الأمر الذي لا يحصل.
على جبهة مقابلة زميل آخر يصر على التنديد بمعلومة أخرى لست أيضا مصدرها، فالرقم الذي استعمله وزير النقل الفلسطيني أمامي في ملف الجسور والمعابر أربك وصدم وأرعب الجميع.
ما قاله يا قوم وزير النقل الفلسطيني بسيط ومختصر وواضح: حجم المبلغ الذي يدخل في الدورة الاقتصادية الأردنية سنويا جراء إجمالي الحركة والنقل والسفر عبر الجسور الأردنية يصل الى 4 مليارات دولار، وأضاف الوزير نفسه بأن الحكومة الأردنية تعلم بذلك، وهو موجود في تقارير البنك الدولي التي على أساسها اتخذ قرار تخصيص منحة بقيمة 150 مليون دولار لتحسين وتطوير المعابر والجسور.
كنت هنا ناقلا لمعلومة أيضا ولست متبنيا لها، وسرعان ما دققت فيها من وزيرين مختصين في حكومة بلادي ولست أنا الجهة المعنية لا بالنفي ولا بتأكيد رقم يتبناه البنك الدولي.
تماما قراءة منحرفة مغرضة بكل الحالات وعلى طريقة ناقل الكفر كافر ودون انشغال بتحديد ماهية الكفر أصلا فذلك تصريح لرئيس حكومة حقه أن يقوله، والآخر تصريح لوزير يطرحه رقما وليست وظيفتي أن أنفيه أو أندد به أو حتى أناقشه إلا من زوايا محددة، وفي حكومة عمان جيش من الناطقين الرسميين يمكنه أن يعمل ولو قليلا في سياق التحقيق أو التعليق أو الرد والتوضيح.
لدينا خلل حول الضفتين بصراحة ليس في بيع الأوهام، فالسلطات في فلسطين والأردن تجيد ذلك دوما لكن القصور الأكبر في وجود قاعدة عريضة من المتاجرين بشراء تلك الأوهام
في الرأي الأول طولبت بإظهار قدر من الضمير رغم أن المعلومة يقولها رئيس الحكومة، وفي الرأي الثاني تلميحات مبطنة عن تهويل واختراع أرقام لأنه لا أحد يريد أن يصدق أصلا بأنه آن الأوان فعلا، وكما يقول باحثنا الكبير الدكتور وليد عبد الحي لمغادرة منطقة الحساسيات في ملف العلاقة الأردنية الفلسطينية.
سمعت شخصيا من وزراء أردنيين وبصراحة ترميزات عن موقف مسؤولين في السلطة من أي مصالح اقتصادية وتجارية أردنية بالاتجاه السلبي لأنها تمس مصالح وكلاء وسماسرة من الصنف الذي يستفيد من التعاون مع الإسرائيليين وليس مع الأردن.
سمعت ذلك بأذني وعدة مرات وعندما واجهت فيه وزيرا فلسطينيا مهما أقر به، ولم ينكره فهل تجعلني هذه المعلومة كافرا بنظر السلطة والفلسطينيين عندما أنقلها او ألمح إليها؟
سمعت بالمقابل ملاحظات بالجملة من وزراء فلسطينيين عن الطريقة المتعالية لموظفين أردنيين في التعامل مع الشقيق الأصغر الفلسطيني وما تيسر بدون إحراج نقلته في تقارير ومقالات، فهل انضم لحلقة المروجين للوطن البديل عندما أفعل ذلك.
لدينا خلل حول الضفتين بصراحة ليس في بيع الأوهام، فالسلطات في فلسطين والأردن تجيد ذلك دوما لكن القصور الأكبر في وجود قاعدة عريضة من المتاجرين بشراء تلك الأوهام.
الاتهام دوما أسهل من النقاش والحملة التي شنت تشكيكا واتهاما بكاتب هذه السطور وهذا المنبر، بعد الكشف عن الرقم المربك، لا تطال الرقم ولا من يقوله بل من ينقله ويتحدث عنه مما يزيد قناعتنا الراسخة بصعوبة تشبيك علاقة حقيقية منتجة تحمي مصالح الأردن والفلسطينيين من بين فكي الكماشة الإسرائيلية، بدون مصارحة من المدهش أنها كانت عبر الأرقام مؤخرا، فلا أحد يستطيع الاعتراض على أي عملية تتضمن عبور آمن للمسافر الفلسطيني ومريح وبأسعار معقولة إن لم تكن منخفضة ومدعومة.
هل يعقل أن يتهم من يطالب بابتسامة الموظف الأردني على الجسور والمعابر بأنه يعمل لصالح إسرائيل؟
وهل يعقل القول لكل من يطالب باحترام كرامة المواطن الفلسطيني بأن هدفه الترانسفير وتصفية القضية الفلسطينية؟
بالمقابل ينضم زملاء كبار وأصدقاء أحيانا لحفلة «الجمهور عايز كدة» فمن غير المعقول أن ينطوي أي حديث عن حقيقة دعم الدولة الأردنية للشعب الفلسطيني على التشكيك بضمير، فتلك حقيقة ولا تخضع للتسييس.
نحتاج طبعا لمغادرة فوبيا الحساسية.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»