جريمة بشعة تلك التي وقعت في مدينة اللد وأدت الى مقتل سيدة وابنتها بهجوم بالرصاص شنه مسلحون، ثم لاحقوا ابنتها الثانية لاستكمال عملية القتل، لكنها نجحت في الهرب وأفلتت من القتل رغم ملاحقة القتلة لها.
هذه الجريمة شكلت حالة وتطوراً وخصوصية نوعية في انتشار ظاهرة القتل في أوساط أهلنا في مناطق 1948 .
النوعية والخصوصية تأتي من أن المستهدفات هذه المرة هن ثلاث نساء:
أم في متوسط العمر (34 عاماً) متعلمة وكانت تعد لنيل الماجستير في التربية في الجامعة المفتوحة. ولم يعرف عنها الدخول في خصومات أو مشاكل أو خلافات مع أي جهة أو طرف كما أكد شقيقها، والابنتان كذلك، خصوصاً وأنهما في مقتبَل العمر أو أوائله.
خصوصية ونوعية هذه الجريمة ودرجة نجاحها، لا تُخرجها عن المسار العام لظاهرة القتل المنتشرة بين أهلنا في مناطق الـ 1948 وبمساق ومستوى عالٍ وسريع الانتشار نسبياً.
وهي ظاهرة تستمر وتتواصل ويستمر ويتسع معها مساقها منذ سنوات، ويتسع انتشارها بشكل مطّرد، وبما يشمل النساء على الرغم من الطبيعة المحافظة لمجتمعنا الفلسطيني في الداخل كما في كل تجمعاته.
وللأسف، فإنه يبدو أن ظاهرة القتل بشكل عام والنساء بشكل خاص لم تحظَ بالاهتمام اللازم والجهد الكافي لدراستها ودراسة مسبباتها ودوافعها، والتوصل الى رؤية موحدة حول طرق وأساليب التعامل معها ومعالجتها من قبل القوى والتيارات الفكرية والسياسية والمجتمعية الفلسطينية في مناطق الـ 1948.
وذلك كمقدمة ضرورية وموحدة للعب الدور الأساسي المطلوب في التعامل معها (ظاهرة القتل) ومقاومتها، وللحد من انتشارها والتوافق على طرق وأساليب التعامل معها وعلى طريق إيقافها. وإذا كان من محاولات حصلت فإنها كما يتضح من النتائج الحسية لم تكن بالمستوى المطلوب إنْ لجهة ضعف الاتفاق بين أصحاب المحاولة أو واقعيته وقوته، أو لجهة حجم المشاركة وقوة وثبات وتواصل فعلها، وطرائق وأساليب التعاطي والتعامل، او لجهة الصبر وطول النفَس والمثابرة.
وفي كل الأحوال، فإن قضايا النساء بكل جوانبها بشكل عام وطرق التعاطي بنجاح مع إشكالاتها لا يمكن ان تكون الا بالطرق الديمقراطية السلمية طويلة النفَس، وإلا بالنجاح في التوصل الى المشاركة الفعلية لأكبر عدد من الرموز النسائية المجتمعية ذوات الخبرة والتجربة والاستعداد.
إن عملية القتل في المجتمع العربي تحت الاحتلال بقدر ما سلطت من أضواء على قصور المعالجة الوطنية المجتمعية والسياسية التنظيمية لظاهرة القتل الذاتي المجتمعي كما تمت الإشارة بشكل عام وتجاه المرأة بشكل خاص، فإنها تسلط أضواء أشد قوةً وسطوعاً على دور دولة الاحتلال في التشجيع على استمرار هذه الظاهرة وتوسعها انسجاماً مع سياستها العامة في التعامل مع الوسط العربي القائمة على التهميش والتمييز العنصري والإهمال الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي وعلى كافة المستويات.
ويحصل التشجيع بشكل مباشر او غير مباشر. سواء حصل عن طريق غض النظر عن مروجي المخدرات وتجار السلاح ومجموعات الجريمة المنظمة، او من خلال الادعاء بالفشل في الوصول الى مرتكبي هذه الجرائم، أو من خلال السياسات العامة التي يتبعها الاحتلال في أوساط التجمعات العربية.
وأيضاً عدم القيام بمسؤوليته المباشرة في معالجة هذه الظاهرة بالإجراءات المناسبة والمعروفة.
بالمحصلة الإجمالية، فإن الاحتلال هو المستفيد الأول من هذه الظاهرة وانتشارها. وهو لذلك لم ولن يقوم بدور فاعل في معالجتها ولا مصلحة له بذلك، بل يقوم بتغذيتها ليستفيد من استمرارها كونها أولاً وبالأساس تضعف من وحدة المجتمع العربي وتُضعف استعداده وقدرته على مقاومة الاحتلال في مناطق الـ 48 وتحد من مشاركته الضرورية والفاعلة في النضال العام للشعب الفلسطيني.
اذاً، يصبح القضاء على هذه الظاهرة الخطرة مهمة وطنية بامتياز، وتبقى معالجتها منوطة بمسؤولية القوى الوطنية والمجتمعية في مناطق الـ 1948 أولاً وقبل أي طرف. وتبقى هذه الظاهرة في جوهرها وأساسها وتأثيراتها قضية وطنية فلسطينية عامة. وهذا ما يفرض على القوى والتنظيمات والهيئات الوطنية الفلسطينية السياسية والمجتمعية التعامل معها بهذا الفهم والإسهام بأقصى ما هو ممكن، وبكل الطرق المتاحة في مساعي وجهود الخروج منها.