رسمياً، أعلن البنك المركزي المصري، وللمرة الثالثة على التوالي تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، ولكن واقعياً اتخذ المركزي المصري قراراً جديداً يعادل في تأثيره رفع الفائدة، بحسب ما أكده خبراء .
وتجدر الإشارة إلى أنه على عكس التوقعات ورغم قرار الفيدرالي الأميركي الصادر في الاسبوع الماضي، برفع معدلات الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، فإن لجنة السياسة النقديـة في البنك المركزي المصري أعلنت مساء الخميس، أنها قررت الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 11.25 بالمئة، 12.25 بالمئة و11.75 بالمئة على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 11.75 بالمئة.
وكانت المرة الأولى التي ثبت فيها المركزي المصري الفائدة للمرة الأولى في 23 يونيو الماضي، والذي تقرر فيه تثبيت أسعار الفائدة عند 11.25 بالمئة للإيداع و12.25 بالمئة للإقراض.
والمرة الثانية حينما قرر أيضاً يوم 18 أغسطس تثبيت الفائدة عند 11.25 بالمئة للإيداع، و12.25 بالمئة للإقراض.
وكان البنك المركزي المصري قد قرر في 21 مارس الماضي وبشكل مفاجئ رفع أسعار الفائدة بنسبة 1 بالمئة لتصل إلى 9.25 بالمئة للإيداع و10.25 بالمئة للإقراض، ثم في 19 مايو رفعها بنسبة 2 بالمئة لتصبح 11.25 بالمئة للإيداع و 12.25 بالمئة للإقراض.
لكن القرار الجديد الذي اتخذه البنك المركزي المصري مساء أمس الخميس ويعادل رفع الفائدة وفقاً للخبراء، هو زيادة نسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لدى البنك المركزي المصري لتصبح 18 بالمئة بدلاً من 14 بالمئة، وسيساعد هذا القرار في تقييد السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي.
ما هو الاحتياطي الإلزامي؟
ووفق الأكاديمي الاقتصادي المصري كريم العمدة، فإنه برغم مخالفة المركزي المصري لتوقعات الجميع تقريباً وقراره تثبيت الفائدة على الإيداع والاقتراض للمرة الثالثة، وهذا الأمر أظهر جلياً شخصية رئيس البنك الجديد حسن عبد الله، إلا أنه اتخذ قراراً يعادل رفع سعر الفائدة وهو زيادة نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي للبنوك لدى البنك المركزي.
وأشار العمدة في تصريحه، إلى أنه رغم زيادة التضخم الشهري ووصوله إلى ما يقارب 15 بالمئة الشهر الماضي واتجاه جميع المؤشرات إلى رفع الفائدة، فإن المركزي المصري فضّل عدم تحميل موازنة الدولة أعباء جديدة تخص خدمة الدين لأن كل 1 بالمئة زيادة في الفائدة تقابلها زيادة في خدمة الدين ما يتخطى 10 مليارات جنيه إضافية.
وتابع أن المركزي المصري اتجه إلى سياسة نقدية انكماشية أخرى وهي زيادة الاحتياطي الإلزامي الذي تلتزم البنوك بوضعه تحت تصرف البنك المركزي من دون فوائد للتعامل مع الأزمات، وبالتالي هو قلل السيولة النقدية لدى البنوك ويحقق هدف رفع الفائدة نفسه وهو تقليل الإقراض ومن ثم تقليل نسبة التضخم، وهذا يحقق أهداف مصر أيضاً في توفير اشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، والذي قاربت المفاوضات بشأنه على الانتهاء بحسب إعلان حديث لوزير المالية المصري.
الاحتياطي الإلزامي هو أن تلتزم البنوك بوضع جزء من السيولة النقدية الجارية التي في حوزتها - بعيداً عن شهادات الاستثمار- لدى البنك المركزي وتحت تصرفه من دون فوائد.
حجم الأموال والودائع الجارية الخاضعة لاستهداف الاحتياطي الإلزامي بحسب ما حصل عليه "موقع اقتصاد سكاي نيوز عربية" من معلومات تقارب حالياً 3.5 تريليون جنيه في جميع البنوك المصرية.
نسبة 14 بالمئة من هذه الأموال والتي تلتزم البنوك بوضعها في البنك المركزي كانت تصل إلى 500 مليار جنيه.
بعد زيادة النسبة إلى 18 بالمئة أصبح ما تلتزم البنوك بوضعه تحت تصرف البنك المركزي من الأموال الجارية يقارب 650 مليار جنيه.
يحق للبنوك التصرف في أموال الاحتياطي الإلزامي المودع تحت تصرف البنك المركزي ولكن عن طريق قروض قصيرة الأجل لمدة ليلة أو ليلتين والمهم أنه بنهاية الأسبوع تكون نسبة كل بنك كاملة لدى البنك المركزي.
رفع الفائدة ليس الحل الأمثل
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، عمرو سليمان ، إن البنك المركزي أعلن أن الهدف الأولى خلال هذه المرحلة هو السيطرة على التضخم وليس سعر الصرف لضمان تحقيق معدلات نمو مستدامة، خاصة أنه في ظل رفع سعر الفائدة من الفيدرالي الأميركي وعدد من البنوك المركزية في العالم لن يكون رفع مصر لسعر الفائدة عاملاً فعالاً لجذب لمزيد من التحويلات الدولارية إلى مصر.
وتابع أن البنك المركزي المصري قام خلال عام 2022 برفع سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس مستبقاً باقى بنوك العالم فعلاً، وسعر الفائدة ليس الأداة الوحيدة لمحاربة التضخم وامتصاص السيولة.
وأشار إلى أنه لذلك نجد أن قرار تثبيت سعر الفائدة صاحبه استخدام أداة أخرى فعالة هي زيادة نسبة الاحتياطي القانوني للبنوك التجارية من 14 بالمئة إلى 18 بالمئة، وكذلك خلال الأسابيع الماضية لوحظت زيادة معدلات دخول البنك المركزي في عمليات السوق المفتوحة بطرح مزيد من السندات الحكومية.
وشدد سليمان على أن التضخم الموجود أسبابه خارجية في الأساس أو ما يسمي بالتضخم المستورد، وبالتالي مع تراجع الأسعار العالمية خاصة النفط والقمح سيعزز ذلك فرص تراجع معدلات التضخم محلياً.
وأكد أن الاقتصاد العالمي والمصري مقبلان على ركود خلال الربع الأخير من هذا العام والعام المقبل، وبالتالي رفع سعر الفائدة كان سيزيد من عوائق الاستثمار ويقف حائلاً أمام التوسع في الأنشطة الاقتصادية ومعدلات النمو وبالتالي فاستخدام أدوات أخرى غير سعر الفائدة يعد أمراً فعالاً للغاية.
وشدد على أن السياسة النقدية أمر حاسم في نجاح المفاوضات التي تجريها مصر مع صندوق النقد، ومن ثم فانتهاج الإدارة الجديدة للبنك المركزي لسياسة مرنة في سعر الصرف والتركيز على استهداف معدلات التضخم في الأجل المتوسط وتعزيز النمو المستدام هو أمر يعزز نجاح المفاوضات ويعزز من قدرة الاقتصاد المصري.
خفض تدريجي للجنيه
ومن جانبه قال أستاذ الاقتصاد في الأكاديمية العربية للنقل البحري، علي الإدريسي، إن قرار البنك المركزي المصري بتثبيث سعر الفائدة هدفه عدم الانسياق وراء الزيادات المتتالية من جانب الفيدرالي الأميركي، خاصة أن زيادة أسعار الفائدة يؤثر بالسلب على البورصة وعلى خدمة الدين وعلى تكلفة الاستثمار.
وأوضح في تصريحه، أن المركزي المصري اعتمد على أنه بالمشاركة مع وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة اتخذوا عدة إجراءات أخيراً بهدف خلق استقرار للمصانع وإعادة عجلة الانتاج من خلال تخفيف إجراءات استيرات المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وكل ذلك يؤدي إلى تقليل التضخم وخفض الأسعار.
وأشار إلى أن الأداة الجديدة التي استخدمها المركزي هذه المرة وهي زيادة الاحتياطي الإلزامي من البنوك تحقق نفس هدف رفع الفائدة وبتأثيرات سلبية أقل، أو لا تذكر ومن ثم يتم تقليل التضخم دون إحداث حالة من الركود الذي يحدث عند رفع أسعار الفائدة.
وأشار إلى أن البنك المركزي كذلك يعتمد أداة أخرى فعالة وهي الخفض التدريجي للجنيه بنسب قليلة من خلال أسعار الصرف المعلنة يومياً من البنك المركزي، وهو ما يمثل وجود اتجاه لتحرير سعر الصرف ليصل الجنيه إلى قيمته الحقيقية أمام الدولار من دون قرار تعويم مباشر كالذي حدث في نوفمبر 2016 أو في مارس الماضي.
فيما قال محاضر الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة، هاني جنينة، إن البنك المركزي بقراره رفع نسبة الاحتياطي النقدي الذي تلتزم البنوك بوضعها لديه من دون فوائد من 14% إلى 18%، هو بذلك قام بتوزيع الأعباء المالية الناتجة عن الحرب الورسية الأوكرانية على قطاعات أكبر في الدولة بدلا من تحميلها للدولة وحدها.
وشدد في تصريحه، على أن هذا القرار جاء في ظل مفاوضات صعبة جداً مع صندوق النقد الذي اشترط على لبنان وتونس رفع الدعم بالكامل عن الوقود، ومصر لا تفضل الدخول في هذا الطريق الآن ومن ثم عملت على اعتماد أداة لتوزيع الأعباء على قطاعات أخرى هي البنوك لحين اتخاذ قرار سياسي فيما يشترطه صندوق النقد.
وأوضح أن قرار رفع الاحتياطي الإلزامي سيسبب ضرراً للبنوك لأنها أصبحت تضع جزءاً كبيراً من سيولتها النقدية لدى البنك المركزي من دون فوائد، وستتضح كيفية تعامل البنوك مع هذا الضرر خلال الأسبوع المقبل، فهل ستقوم بتسعير جديد للقروض ولأذون الخزانة أم ستمتص هذا الضرر؟.. وكذلك سيتحمل جزءاً من هذا الضرر القطاع الصناعي والأفراد الذين سيصبح العائد على مدخراتهم أقل.
الجدير بالذكر أن البنك المركزي المصري قال في ختام بيانه الذي أعلن قرارته أمس إنه "سوف تتابع لجنة السياسة النقدية عن كثب جميع التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية ولن تتردد في استخدام أدواتها النقدية كافة لتحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، كما تؤكد اللجنة على أن أسعار العائد الحالية تعتمد بشكل أساسي على معدلات التضخم المتوقعة وليس المعدلات السائدة".
المصدر: سكاي نيوز عربية