صراع الغذاء والطاقة في شرق المتوسط.. إلى أين؟

لقطة الشاشة 2022-10-01 110932.png
حجم الخط

بقلم محمد عبدالهادي نصار

 

 

 مع استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وجدنا أن الغذاء ومصادر الطاقة هي أبرز أشكال الصراع الاقتصادية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، حيث تستحوذ روسيا مع أوكرانيا على نحو 29 بالمئة من إجمالي صادرات القمح العالمية، فيما تعتبر أوكرانيا أكبر مصدر للذرة وفول الصويا، وزيت دوار الشمس، وغيرها من المواد الغذائية، حيث تعتبر الدولتان سلة الغذاء لبعض دول أوروبا، ولدول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وقد تسببت العمليات العسكرية منذ مارس 2022م، إلى توقف الشحن البحري للسلع الغذائية الأوكرانية، كما تسببت العقوبات الاقتصادية الأوروبية الأمريكية إلى وقف إمدادات السلع الغذائية الروسية للعالم، مما تسبب في غلاء أسعار معظم السلع الغذائية الأساسية عالمياً، ولعل اتفاق إسطنبول للحبوب الذي تم توقيعه بين أوكرانيا وروسيا مع تركيا والأمم المتحدة، والذي يهدف إلى تسهيل تصدير السلع الغذائية الأوكرانية والروسية جاء ليجنب العالم أزمة غذاء كانت ستؤدي إلى موجه من المجاعات في ظل التغيرات المناخية التي تضرب معظم دول العالم.
ولربما المشكلة الأكبر لأوروبا كانت في التقليص التدريجي لتدفقات الغاز الطبيعي وخاصة عبر خط نورد ستريم1، وقد عزت روسيا ذلك لمشكلات تتعلق بالصيانة ونقص التوربينات إثر عقوبات التصدير التي فرضتها أوروبا وأمريكا، حيث توجت التقليصات بوقف هذا الخط بداية شهر سبتمبر الحالي بشكل تام، وقد كان يورد 35% من احتياج الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وقد انعكست أزمة الغاز على ارتفاع فواتير الطاقة في عموم الدول الأوروبية، مما قد يضع الملايين من الأوروبيين مع اقتراب فصل الشتاء بين خيار إما الإنفاق على الطعام أو التدفئة، ومن جهة ثانية تعمق الأزمة الحالية النقص في مخزون الغاز في عدد من الدول الأوروبية، وهو ما دفع بعض هذه الدول إلى تطبيق خطط لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية.
وقد شهدت الشهور الماضية تحركاً أمريكياً أوروبياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من أجل تأمين الطاقة للدول الأوروبية وتعويض نقص الإمدادات الروسية بعدة طرق منها:
1. العمل على الوصول إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني من أجل عودة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية.
2. حث قطر على توفير عقود للغاز المسال للدول الأوروبية، حيث تضع قطر شروطاً مشددة بشأن مدة العقود وتريد أن توقع عقوداً ل 20 عام.
3. إقناع الجزائر من أجل زيادة كميات الغاز والنفط التي تضخها للدول الأوروبية.
4. حث السعودية والعراق على زيادة كميات النفط المورد إلى أوروبا.
5. وأخيرا السعي المستمر من أجل حل المشكلات المتعلقة بغاز شرق المتوسط، والبحث عن مصالحات بين تركيا، اليونان، مصر، "إسرائيل"، ومحاولة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و "إسرائيل" وذلك من أجل البدء بشكل فعلي باستخراج الغاز من هذه المنطقة التي تعوم على كنز من الغاز الطبيعي.
ولعل المحاولات الأوروبية الأميركية لن تفلح في تعويض النقص في إمدادات النفط والغاز الروسيين لأوروبا بشكل كامل في المدى القريب، وهذه المحاولات مجتمعة هي حلول مؤقتة لا يمكن الاعتماد عليها اقتصادياً إذا استمرت الأزمة والتي ستنعكس على الاقتصاد من خلال الزيادة في معدل التضخم والزيادة في معدلات البطالة وتراجع النمو في أوروبا.
وعلى الجانب الآخر تعمل روسيا على استمرار الأزمة الأوكرانية حتى الشتاء، لأنها ترى أن أوروبا لن تتحمل برد الشتاء في ظل نقص إمدادات النفط والغاز الروسيين وتراهن على تفكك المواقف الأوروبية، وتحاول التدخل بشكل غير مباشر لمنع أمريكا وأوروبا من توفير البديل عن مصادر الطاقة الروسية من خلال:
1. ضمان حياد تركيا التي وقعت معها روسيا اتفاق نقل الحبوب الأوكرانية والروسية من خلالها.
2. ابتزاز أمريكا عبر وضع شروط إيرانية جديدة في الاتفاق النووي الإيراني.
3. تعزيز العلاقات العسكرية مع الجزائر.
4. استمرار تهديد حزب الله "لإسرائيل" في حال تم استخراج الغاز من حقل "كاريش" قبالة السواحل اللبنانية.
5. وربما يكون أحد أهداف زيارة حماس الرسمية الأخيرة بدعوة من وزير الخارجية الروسي الاقتصادية تشجيع الفلسطينيين على المطالبة بحقهم في استخراج الغاز من الحقول المكتشفة قبالة ساحل غزة.

خلاصة القول أننا أمام وضع لن يتكرر لمنطقة الشرق الأوسط ولفلسطين لأن ما ويحصل يجعل هذه الدول أكثر قوة من خلال:
1. البحث عن المصالح الاقتصادية لدول شرق المتوسط وخاصة فلسطين سواء كانت مع روسيا أو مع أمريكا من أجل تحسين الأوضاع المعيشية لسكان هذه المنطقة وتطوير القدرات التنموية.
2. ونرى أن إدارة غزة لديها فرصة كبيرة في إعادة الحديث عن حقول الغاز قبالة سواحل غزة إلى الواجهة، ولكن هذا الأمر بحاجة إلى تفاهمات مع حركة فتح ومنظمة التحرير، وربما تحمل لقاءات الجزائر المرتقبة بشائر على صعيد التفاهمات الفلسطينية والتي ربما لن ترتقي في هذا المرحلة إلى المطالبة بتطبيق اتفاقيات المصالحة ولكنها ستكون على قاعدة المصالح المشتركة.