بقلم: سليمان يعقوب زروق

تقرير عن الوضع الإنساني في غزة

شمال غزة.
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

يعاني قطاع غزة من أزمة إنسانية متفاقمة تُعد من بين الأسوأ في التاريخ الحديث، نتيجة تراكم عوامل متعددة منها الحصار الاقتصادي الخانق الذي يستمر منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، والحروب المتكررة التي تسببت في دمار هائل للبنية التحتية، وأعمال العنف المستمرة التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة.

هذه العوامل مجتمعة خلقت بيئة معيشية صعبة جدًا لأكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في ظروف بالغة القسوة، حيث تكاد الخدمات الأساسية كالماء والغذاء والكهرباء والرعاية الصحية تصبح نادرة أو منقطعة، الأمر الذي زاد من معاناة السكان وهدد وجودهم اليومي.

الوضع العام

منذ بداية التصعيد العسكري في أكتوبر 2023، شهد القطاع موجات متتالية من القصف والدمار التي لم تترك جانبًا من جوانب الحياة إلا وأثرت عليه. انعدام الأمن الغذائي وانتشار الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى تعطل حركة دخول وخروج المساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل بسبب إغلاق المعابر. كل هذه العوامل أدت إلى تدهور سريع للوضع الإنساني، حيث يواجه السكان تحديات يومية للبقاء على قيد الحياة وسط نقص حاد في المواد الأساسية.

الوضع الصحي

تعاني المستشفيات والمراكز الصحية من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، إلى جانب انعدام الوقود اللازم لتشغيل الأجهزة والمولدات، ما أجبر العديد من المنشآت على تقليل ساعات عملها أو إغلاق بعضها تمامًا. تفشي الأمراض المزمنة والأوبئة، وسوء التغذية خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل، يزيد من أعباء النظام الصحي المتهاوي. كذلك، أدت الانقطاعات المتكررة للكهرباء إلى تعطيل أجهزة التنفس والمعدات الطبية الحرجة، ما زاد من معدلات الوفيات والإصابات.

الأمن الغذائي

تشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة إلى أن نحو نصف سكان غزة معرضون لخطر المجاعة وسوء التغذية بسبب الحصار المستمر وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل قياسي. حيث تجاوزت أسعار الغذاء مستويات لا يستطيع أغلب السكان تحملها، في ظل توقف برامج المساعدات الإنسانية وتقليصها المستمر. سوء التغذية له تأثيرات طويلة الأمد على صحة الأطفال وقدرتهم على التعلم والنمو، مما يضع مستقبل الأجيال القادمة في خطر بالغ.

المياه والكهرباء

تعاني غزة من أزمة مياه حادة مع تلوث غالبية مصادر المياه الجوفية، حيث تعتبر المياه المتاحة غير صالحة للشرب بالنسبة لمعظم السكان. انقطاع الكهرباء المستمر لأكثر من 20 ساعة يوميًا يعطل تشغيل محطات ضخ المياه والصرف الصحي، ما يزيد من تلوث البيئة ويعرض السكان لخطر الأمراض المنقولة بالمياه. هذه الأوضاع البيئية تشكل تهديدًا مباشرًا على الصحة العامة، خاصة في ظل تفشي الأوبئة وسوء التغذية.

التعليم والنازحون

أدت الحرب المستمرة إلى تدمير أكثر من 450 مدرسة، وتحولت العديد منها إلى مراكز إيواء للنازحين داخليًا، ما أدى إلى توقف العملية التعليمية لأكثر من 700 ألف طالب وطالبة. الأطفال يعانون من فقدان فرص التعليم والتعلم، مما يؤثر على مستقبلهم ويزيد من نسب الفقر والبطالة في المستقبل. في المقابل، يواجه النازحون ظروفًا معيشية صعبة للغاية في المخيمات المؤقتة التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ما يعرضهم لمخاطر صحية واجتماعية كبيرة.

الوضع النفسي

لا تقل الأضرار النفسية والإنسانية عن الأضرار المادية، حيث يعاني ملايين الفلسطينيين في غزة، وخاصة الأطفال، من صدمات نفسية حادة نتيجة مشاهدة القتل والدمار وفقدان الأحباء. نقص الدعم النفسي والاجتماعي في ظل الأوضاع الراهنة يزيد من احتمالية تفاقم حالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية، مما يشكل عبئًا إضافيًا على المجتمع بأكمله.

النداءات الدولية

على الرغم من تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي دعت مرارًا لرفع الحصار وفتح المعابر، فإن الوضع الميداني لم يشهد تحسنًا يذكر، ولا تزال المساعدات الإنسانية محدودة للغاية وغير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة. المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته والعمل بشكل عاجل لمنع كارثة إنسانية وشيكة في غزة، تأخذ بأيدي سكان القطاع نحو حياة كريمة ومستقبل أفضل.

الخلاصة

الوضع الإنساني في غزة يشكل تحديًا إنسانيًا وإنمائيًا بالغ الخطورة، يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا لإنهاء الحصار، وإعادة بناء ما دمرته الحروب، وتأمين وصول المساعدات لجميع المحتاجين.

استمرار هذه الأزمة لن يؤدي إلا إلى تعميق المعاناة الإنسانية، وزيادة الانقسامات والتوترات في المنطقة بأكملها. على المجتمع الدولي أن يضع حدًا لمعاناة ملايين الأبرياء، وأن يعمل على ضمان حقوق الإنسان الأساسية لهم في العيش بكرامة وأمان.