إسرائيل والسلطة .. علاقة ملتبسة!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

باقتحامها مخيم جنين، يوم أمس، وقتلها شابين، تحسم إسرائيل واقع علاقتها بالسلطة الفلسطينية نحو مزيد من الإضعاف، وذلك بعد سلسلة اجتياحات وإعدامات كانت سمة المشهد للأسابيع الماضية وطرحت قدرا من التساؤلات المأزومة لواقع الصدام بين الطرفين، حيث وقفت إسرائيل حائرة بين استمرار تلك الاجتياحات ونتائجها بإضعاف السلطة وبين عدم القيام بها وكلفة استمرار الصدامات.
في أوج الدم، كان هناك نقاش حاد في الطبقة السياسية والأمنية في إسرائيل، البعض كان ينصح بدعم السلطة وتعزيزها لضبط الأمن، وهو ما يحتمل خسارة مؤكدة للسلطة إذا ما استمرت تلك الاجتياحات بتعزيز توجه هو على النقيض التام من سياستها السلمية ينتجها فائض الدم والجنازات غير المتقطعة، وإذا ما تم تعزيز السلطة وفقا للوجهة الإسرائيلية للقيام بدور أمني فهذا يعني أن تقوم بدور على النقيض من متطلبات اللحظة الراهنة خصوصا في ظل غياب أي مسار سياسي مع إسرائيل.
لكن إسرائيل تحسم أمرها بعدم الاستجابة للأصوات الداعية لدعم السلطة، فالأمر في دولة تقرره الاستراتيجيا ودوائر الأمن ويبدو أن الأمر يرتبط بالمشروع الأكبر وهو أنه لم يعد من الضروري وجود للسلطة والتي أصبحت عبئا على التوجهات السياسية الإسرائيلية بعد إسدال الستار على مرحلة المفاوضات على حل الدولتين. وذلك بات واحدا من أبرز عوامل الإجماع في إسرائيل الذي لم يعد يشهد خلافا على الملف الفلسطيني وانتقلت خلافاته في الحملات الانتخابية الخمس بما فيها الأخيرة التي نعيش أجواء دعايتها إلى قضايا مختلفة تماما حيث لبنان والداخل الإسرائيلي وشخص زعيم «الليكود».
جردت إسرائيل السلطة من كل عوامل بقائها ومن أي دور وظيفي تشكلت من أجله، وعلى امتداد السنوات الماضية كانت تخفض من سقف مهماتها ودورها لتحصره، مؤخرا، في الجانب الأمني وإذا لم تقم بهذا الدور ستستمر في إضعافها وصولا لإنهائها بما يخدم المشروع الأكبر لإنهاء الوجود السياسي للفلسطينيين في الضفة وحصره في غزة. والحقيقة أن هذا ليس خروجا على مسار أوسلو بل عودة لروح أوسلو بوجهته الإسرائيلية بمركزة السلطة في القطاع.
الحديث الإسرائيلي المتكرر عن السلطة والإعلانات السافرة إسرائيليا عن ضرورة «القيام بواجبها الأمني» يصور السلطة كأنها تعمل لدى الأمن الإسرائيلي، وفي هذا خروج عن العلاقات بين الجانبين بما فيها الأمني. فالتنسيق الأمني كان جزءا من عملية سياسية متكاملة جاء بهدف منع المعارضين من الطرفين من التشويش على المفاوضات أو القيام بعمليات تخلق بيئة تحرض الرأي العام على المفاوضات، بمعنى أنه كان جزءا من عملية سياسية وكوسيلة وليست هدفا. وهنا بالتدرج الزمني، كأن إسرائيل تمكنت من تحويله لهدف أو تريد ذلك وهذا مدعاة للتفكير فلسطينيا.
هنا يتكرس مأزق آخر للفلسطينيين. فبقاء السلطة بدورها وشكلها ومهماتها الحالية دون غطاء سياسي يبرر وجودها هو مشكلة، وبالمقابل فإن إضعافها وإنهاءها هو مشكلة أكبر تدفع مباشرة نحو الرغبة الإسرائيلية بحصر مشروع الفلسطينيين في غزة. ويزيد الأمر استعصاء عندما تضع إسرائيل معادلة شديدة الإيذاء وهو أن وجود السلطة وعملها مرتبط بمهمة أمنية محددة وهو ما لم يفعله أو يقُله أشد قادة إسرائيل كراهية للسلطة وزعيمها مثل شارون الذي كان يطالب بأسبوع من الهدوء ليستأنف المفاوضات.
لا أحد ينكر التغيرات التي أدت لهذا الوضع ومركزها، وبدايتها هذا القدر من العبث الفلسطيني في إدارة مشروعه ليقاتل نفسه بالسلاح حد التشظي وفشله المبكر في إدارة اختلافه تحت قبة برلمان كما كل العالم الحضاري والإمعان في هذا الانقسام وتجذره وفشله في تصويب ذلك الخطأ القاتل رغم كل المحاولات، بالإضافة للبعد العربي الذي استند إلى خلافات الفلسطينيين لينفض يده من هذه القضية ومثلهم الأوروبيون وأولوياتهم الاقتصادية أما الولايات المتحدة التي احتكرت هذا الملف فقد كان كل هذا الانهيار يجري تحت رعايتها وإشرافها الدقيق.
هذا وضع تعاني فيه السياسة الفلسطينية حدا لم تمر به في أسوأ لحظاتها ومعضلة شديدة تحتاج للخروج منها. لأن المراوحة تعني مزيدا من الانحدار نحو تبخر القضية والبكاء على أطلالها. وبات من الواضح أن المسار الحالي يعمل على تآكلها الطبيعي وهو ما يمكن رؤيته بقياس المسار في السنوات الماضية.
فقد هدد الفلسطيني كثيرا بالتنصل من اتفاقيات ووقف تنسيق وسحب اعتراف وبلغ به الحد أن ينذر العالم لمدة عام كان قد انقضى ما يعني أن الواقع بات يجرد الفلسطيني من كل أوراقه ويعمق مأزقه.
لا حل مبشرا فلسطينيا في هذه المعادلة التي يقف طرفاها أحدهم منظم يفكر ليل نهار ويجري انتخاباته قبل موعدها قبل أن يصل لأصغر استعصاء، وعلى الجانب الآخر طرف مهلهل يتصارع داخليا ولا يجري انتخابات وكل جزء فيه يعمل ضد الآخر لإضعافه بنظر الرأي العام كأن الانتخابات ستجري غدا، لا حل إن استمر الحال الفلسطيني يسير نحو نهايته التي يكتبها انعدام الكفاءة في إدارة شؤونه.
تشهد الحالة الفلسطينية غياب القراءات الجادة والتفكير الاستراتيجي، وتبدو كأنها تدير نفسها بمنطق العمل اليومي المحكوم بمناخ اللحظة غير المترابط في خطة وطنية شاملة حول ماذا سيكون عليه الوضع الفلسطيني بعد عام؟.
بالتأكيد، لا توجد إجابة لدى الفلسطينيين، صحيح أن الإسرائيلي لا يكف عن الطرق فوق رؤوسهم للدرجة التي أفقدتهم توازنهم لكن هذا لا يمنع رؤية مأزق يتعمق يحتاج إلى إعمال الفكر الفلسطيني الذي بات غائبا في السنوات الأخيرة لصالح ردات فعل أصبح الجزء الأكبر منها يرتد للداخل الفلسطيني ضد نفسه ...إسرائيل تدير سياسة في الضفة وغزة والفلسطينيون يشتمون ويهاجمون ويشهرون ببعضهم ...هذا ملخص الحالة!