شهدت السنوات الأخيرة انحيازاً من الرأي العام العالمي للرواية الفلسطينية، وهو الأمر الذي تم ترجمته عملياً، بخروج مسيرات ضخمة في العواصم الغربية للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزّة؛ خاصة خلال عدوان 2021، واصطفاف مؤثرين عالميين إلى جانب القضية الفلسطينية أبرزهم عارضة الأزياء الأمريكية من أصل فلسطيني بيلا حديد، الأمر الذي تم مواجهته بتحرك من دولة الاحتلال "الإسرائيلي" نحو إدارة فيسبوك لتقيد المحتوى الفلسطيني دون فعل فلسطيني واعٍ لمواجهة الهجمة.
الاحتلال "الإسرائيلي" رصد ميزانيات ضخمة لتعزيز حضوره على منصات التواصل الاجتماعي التي نجح الفلسطينيون في توظيفها لتعزيز الرواية الفلسطينية عالمياً.
لكِن بالمقابل لم تتحرك الجهات الرسمية الفلسطينية سواءً وزارة الثقافة الفلسطينية أو نقابة الصحفيين الفلسطينيين لمواجهة الأمر، وترك المؤثرين والنشطاء فريسة لسياسيات ظالمة تقييد كل محتوى يخدم القضية الفلسطينية، الأمر الذي يؤكد على سياسية ردة الفعل القائمة لدى الرسمية الفلسطينية.
ازدواجية معايير
ونشر موقع "إنترسيبت" نشر مُوخراً، تقريراً انتقد فيه تحيز شركة "ميتا" المالكة لموقع "فيسبوك" ضد المحتوى الفلسطيني، في مقابل دعم المحتوى الأوكراني، وهو ما يُمثل تمييزاً واضحاً وصريحاً، بحسب الموقع.
وأشار معدا التقرير سام بيدل وأليس سبيري، إلى أنَّ مستخدمي تطبيقات "فيسبوك" و"إنستغرام"، احتجوا على حذف ما نشروه من صور ومنشورات على المنصتين في أثناء وبعد الغارات الإسرائيلية في آب/أغسطس الماضي، على المناطق السكنية المكتظة في غزة، التي وثقت الموت والدمار الذي حل بالمكان نتيجة القصف.
وفي المقابل وفقاً للتقرير، لا يُواجه جميع مستخدمي منصات "ميتا" في أوكرانيا هذه المشكلات عند توثيق قصف أحيائهم، حيث أظهر جزء من الخطاب السياسي خلال حرب أوكرانيا، الذي لم يتم الإبلاغ عنه واطلع الموقع عليه، أظهر أن الشركة أصدرت تعليماتها للمشرفين مرارا وتكرارا بالابتعاد عن الإجراءات القياسية، ومعالجة الصور الرسومية المختلفة من الحرب الروسية الأوكرانية بلمسة خفيفة".
وأكّد الموقع على أنَّ "ميتا" استجابت كما فعلت شركات أمريكية أخرى للعملية الروسية في أوكرانيا، من خلال سن مجموعة من السياسات الجديدة التي تهدف إلى توسيع وحماية خطاب الأوكرانيين عبر الإنترنت، والسماح على وجه التحديد لصورهم الرسومية للمدنيين الذين قتلوا على يد الجيش الروسي بالبقاء على منصتي فيسبوك وإنستغرام.
ولكن في الحالة الفلسطينية، لم يتم استخدام هذه السياسة المتعاونة والمتراخية على الإطلاق مع صور الفلسطينيين ضحايا "العنف الإسرائيلي"، كذلك لا تظهر هذه السياسة المتعاونة من فيسبوك مع أي شعب يعاني من معاناة أخرى.
تحريض إسرائيلي متعمد
بدوره، رأى الصحفي والمختص في الإعلام الاجتماعي، سلطان ناصر، أنَّ "إدارة فيسبوك عمدت مُؤخرًا إلى تقييد المحتوى الفلسطيني على حساب المحتوى الإٍسرائيلي، وذلك بسبب عدم احترام إدارة فيسبوك "المعايير التي بُني عليها الفيسبوك كحرية الرأي والتعبير؛ كمعيار أساسي وحق مكفول للجميع".
وقال ناصر، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ إدارة فيسبوك تزعم أنَّ المحتوى الفلسطيني يُخالف المعايير المجتمعية، لكِنها في المقابل تسمح بنشر مئات الرسائل من المحتوى الإسرائيلي الذي يُحرض على قتل الفلسطينيين دون حذفها".
وأضاف: "إنَّ انتهاك إدارة فيسبوك للمحتوى بدأ يزيد مع الوقت، الأمر الذي هدد التواجد الرقمي لمئات النشطاء والمؤثرين المتواجدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وأشار إلى وجود ماكنة "إسرائيلية" تعمل على تقديم بلاغات ضد المحتوى الفلسطيني لإدارة فيسبوك؛ وبالتالي عندما تتلقى تبليغات على تقييد المحتوى تقوم بتقييد المحتوى وحذفه.
لتجنب الحظر.. معايير أساسية للنشر
وأكّد على أهمية توفر وعي من جانب النشطاء الفلسطينيين بكيفية مراعاة معايير أساسية يجب عدم تجاوزها في عملية النشر.
وبحسب سلطان، فإنّه من بين تلك المعايير الأساسية التي يجب مراعاتها عند نشر المحتوى الفلسطيني من جانب النشطاء، "حظر أيّ صور أو فيديوهات يظهر بها مشاهد القتل والدماء، وعدم نشر صور الأطفال والنساء وفي المقابل عليهم نشر محتوى إنساني".
وأكمل: "كذلك يجب أنّ تكون الكتابة بمعيار دقيق إنساني وبلغة حقوقية بعيدًا عن التهديد والوعيد؛ الأمر الذي يُسهل عدم استبعاد هذا المحتوى من فيسبوك"، مُنوهاً إلى أنَّ النشطاء لايتابعون بريد الرسائل من الدعم الفني لفيسبوك؛ الأمر الذي يؤدي إلى حظر محتواهم.
دور الرسمية الفلسطينية
وبيّن سلطان، أنَّ جزءًا من المسؤولية بشأن تقييد المحتوى الفلسطيني يقع على النشطاء الفلسطينيين الذين لا يقومون بإبلاغ إدارة فيسبوك بهذه الانتهاكات؛ الأمر الذي يعكس الوعي في إدارة هذه الهجمة ضدهم.
ولفت إلى المسؤولية التي تقع على المؤسسات الرسمية الفلسطينية سواء وزارة الإعلام أو وزارة الثقافة وكذلك نقابة الصحفيين والاتحاد الدولي للصحفيين؛ بتشكيل أدوات ضغط على إدارة "فيسبوك" للتوقف عن هذه السياسيات؛ لأنّه من الممكن أنّ يكون المشرف على المحتوى في الشرق الأوسط لا يعي طبيعة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
الهروب ليس حلاً
أما عن هجرة النشطاء الفلسطينيين إلى منصات بديلة مثل "باز وتيك توك"؛ بعد حظرهم من إدارة فيسبوك؛ رأى ناصر، أنَّ "هروب الفلسطينيين من وسيلة إلى أخرى فإنّه سيتم ملاحقتهم من قبل إدارة التبليغ الرقمي العشوائي الموجودة داخل دولة الاحتلال".
وأردف: "الأفضل من الهروب هو تعزيز التواجد الرقمي الفلسطيني ومحاولة التواصل مع إدارة فيسبوك من جانب الجهات المختصة؛ لعقد اجتماعات معهم واستيضاح الصورة"، لافتاً إلى نجاح هذه التجربة خلال حرب 2021 ويجب الاستفادة منها وتعزيزها.
وختم ناصر حديثه، بالقول: "يجب أنّ تُدرك إدارة فيسبوك أنّها تنتهك حرية الرأي والتعبير للفلسطينيين، وأنّها تحكم على قضية كاملة عمرها مئات السنوات بالشطب من منصة فيسبوك، وبالتالي لابّد من التوجه لإدارة فيسبوك بدلاً من الهروب لمنصات أخرى".