"أنا المطارد عدى التميمي من مخيم الشهداء شعفاط. عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر. أعلم أني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً، وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية. ولكن نفذتها وأنا واضع هدفًا أمامي. أن تحرك العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي"، كانت هذه الكلمات القليلة التي كُتبت عن وعي تام، هي وصية الشهيد المطارد عدي التميمي "22 عاماً"، التي تم نشرها بعد استشهاده ليلة أمس، بعد تنفيذه عملية فدائية ثانية على مدخل مستوطنة معالي أدوميم شرق القدس.
بسالة وعنفوان عدي التميمي، أثناء اشتباكه مع حراس مستوطنة معاليه أدوميم، كما ظهر في الفيديو الذي تعمد الاحتلال تسريبه؛ ليؤكد القضاء عليه بعد 11 يومًا من المطاردة، ارتدت عكسيًا على الاحتلال، فصدحت الحناجر في أزقة المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وغزّة وشوارع المدن، باسم عدي غضباً وفخرًا لفعله الثائر، حيث عم الإضراب حدادًا وتخليدًا لذكراه".
مجموعة "عرين الأسود" نعت الشهيد عدي التميمي، في بيانٍ عبر صفحتها في تطبيق "تلجرام" والذي جاء فيه: "نقول لك يا عدي ونعدك ونقسم لك بالله العظيم، أننا سنؤدي التحية العسكرية في صدورهم قبل بزوغ الفجر".
وفي ساعات الفجر الأولى، أصدرت مجموعة "عرين الأسود"، بياناً آخر عبر تطبيق "التلجرم"، أكّدت فيه قيام مُقاتليها بعمليات إطلاق نار أدت لإصابات مُؤكدة في صفوف قوات الاحتلال وانسحاب مقاتليها بسلام إلى قواعدهم، مُستدركة: "هذا قبل طلوع الشمس، أما بعد طلوع الشمس فللعرين قول آخر بإذن الله، وإنَّ دماء عدي التميمي وشهداء فلسطين أصبحت وقودًا لبركان لن يخمده إلا الله ونقول للمحتل سنرى من سيحاصر من".
بعد تهديد عرين الأسود التي تقود المقاومة المسلحة ضد الاحتلال في الضفة والقدس، وتجد حاضنة شعبية داعمة لها معنويًا بالاستجابة لكافة نداءاتها، تساؤلات عدة تطرح نفسها فهل الضفة الغربية والقدس تعيشان انتفاضة حقيقية مختلفة عن سابقتها وما هي عوامل استمرارها وهل هناك قيادة لها من عدمه.
انتفاضة مختلفة عن سابقاتها
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أنَّ "هناك انتفاضة مختلفة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وإنّ كانت بوتيرة منخفضة؛ ولكنها أكثر تأثيرًا وتشويشًا لكل مخططات الاحتلال ومنظومته الأمنية".
وقال عوض، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنّها انتفاضة مختلفة، لأنَّ الجيل مختلف بعقلته والمصلحات التي يستخدمها وكذلك الأساليب المتبعة في المقاومة"، مُشيراً مٌشيرًا إلى أنً الانتفاضة مختلفة عن الانتفاضة الثانية حيث آنذاك كان هناك توافق بين السلطة والجمهور الفلسطيني عليها.
وأضاف: "لكِن هذه الانتفاضة مختلفة، حيث علاقة المقاومين قليلة؛ بمعنى أقل أيدلوجيا ولكن أكثر ثباتًا ضد الاحتلال؛ وكذلك هناك حاضنة اجتماعية وشعبية وفرت كل ما يطلبه المقاومين رغم الحصار والكلفة العالية له".
وأشار إلى أنَّ استجابة الاحتلال مختلفة لهذه الانتفاضة، حيث أدخل مُسيّرات من أجل اعتقال شخص، فهو بحاجة إلى 50 آلية عسكرية واشتباكات لتحقيق هذا الهدف؛ وبذلك يتأكد ارتفاع السقف النضالي وكذلك السياسي.
دور السلطة حاسم في استمرار الانتفاضة
وبالحديث عن عوامل امتداد أمد الانتفاضة لأطول فترة ممكنة، قال عوض: "إنَّ الحاضنة الشعبية ترغب في احتضان المقاومة وهو الأمر الذي سيُطيل أمدها"، مُوضحاً أنَّ استمرارية هذه الحالة، مرتبط بمشاركة أطراف أخرى من المجتمع الفلسطيني بها.
وتابع: "كذلك إذا كان هناك توافقات حزبية؛ خاصة بين فتح وحماس والجهاد الإسلامي؛ فإنَّ هذا الأامر سيُعطى المقاومة عمراً أطول"، مُعتبراً أنَّ ذكاء ومهارة المقاومين عامل مهم في إطالة أمدها، وذلك في ظل تهديد الاحتلال بالقضاء عليهم؛ حتى لا يتحولوا لصيد سهل لقواته.
ورأى أنَّ زيارة رئيس الوزراء محمد اشتية، لمخيم جنين، كانت رسالة قوية مفادها أنّه ليس هناك فرق بين السلطة والمقاومين، مُعتقداً أنَّ "موقف السلطة عامل حاسم في الوضع الحالي".
وأكمل: "يجب أنّ لا تكون السلطة في دور المتفرج أو المحايد، أو أنّ تكون وكيلة أمنية وناقلة رسائل؛ وإنّما تمثل الشعب الفلسطيني، ويالتالي فإنَّ موقف السلطة حاسم في إطالة الحالة أو تقصير عمرها، ولهذا السبب يقع على كاهلها مهام كبيرة لحماية مصالح الشعب الفلسطيني".
قيادة حكيمة وتكتيك قصير المدى
أما عن أهمية وجود قيادة للانتفاضة الحالية لضمان استمرارها، بيّن عوض، أنَّ "التشكيلات المسلحة مثل "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" نشأت بسبب العجز والضعف واليأس وإهانة الاحتلال لكل مُقدس فلسطيني، وبالتالي فهي بحاجة إلى قيادة وبرنامج عمل تكتيكي قصير المدى".
وأردف: "كذلك يجب فتح علاقات جيدة مع الأطراف الفاعلة في الساحة الفلسطينية من أجل الاستمرار"؛ مُؤكّداً على أهمية التنسيق والتصرف بحكمة ليس ضد المحتل فقط بل في العلاقة مع القوى المجتمعية والسلطة.
وختم عوض حديثه، بالقول: "نرقب التصرف الحكيم من المقاومة عبر البيانات التي تُطلقها عرين الأسود وكتيبة جنين، وأيضاً الحكمة في إدارة الاشتباك مع المحتل والقوى المختلفة على الساحة المجتمعية والسياسية والسلطة".