واشنطن وبرنامج إيران النووي.. استمهال بعد استعجال

تنزيل (10).jpg
حجم الخط

بقلم عريب الرنتاوي

 

 

 

واشنطن قررت أن العودة لمحادثات فيينا لإتمام الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، لم تعد من ضمن أولوياتها في المرحلة الراهنة، قالها الرئيس جو بايدن، وكررها وزير خارجيته أنطوني بلينكن، وردد صداها مسؤولون أقل شأناً.. هل نحن أمام موقف حقيقي مبني على مراجعات ومستجدات أم أننا أمام «تكتيك تفاوضي» للضغط على طهران؟ ما الذي يعنيه تطور كهذا؟ وما الأسباب التي حدت بواشنطن لاستمهال المحادثات والاتفاق بعد أن كانت تستعجلهما؟
اللافت أن واشنطن لم تعد تتحدث بإلحاح، كما في زمن استعجال المفاوضات، عن «ساعة الرمل» التي تنهمر حباتها بسرعة شديدة، مؤذنة بقرب امتلاك إيران للقنبلة النووية..لم نعد نسمع كثيراً كلاماً من هذا النوع، كما غاب عن خطاب التريث والتأجيل الأميركي، ما اعتادت واشنطن بثه من تهديد ووعيد بإبقاء الخيار العسكري على الطاولة.. هذه أيضا، انسحبت تدريجيا من التداول، ولا ندري إلى متى ولماذا، وما الذي يدور في ذهن الإدارة؟
بهذا المعنى، يمكن قبول فرضية «التكتيك التفاوضي» في وصف الموقف الأميركي الجديد، لكأن واشنطن تريد أن تقول للإيرانيين: إن كنتم غير مستعجلين، وتفضلون المماطلة والتسويف، فنحن كذلك غير مستعجلين، ولتبقَ إيران في قبضة العقوبات والحصار حتى إشعار آخر، بل ولتواجه المزيد منها، وإن على خلفيات أخرى، منها حقوق الإنسان وقمع المتظاهرين، ومنها التدخل في الحرب الأوكرانية عبر بيع طائرات «شاهد» المسيرّة لموسكو، وتدريب جنود روس في القرم، على طرق استخدامها، كما تقول المصادر الأميركية. لكن الأخذ بهذه الفرضية، لا ينبغي أن يُسقِطَ من الحساب، عوامل أخرى، لا شك بأنها أسهمت في تشكيل قرار واشنطن ورسم توجهها الجديد، من مثل: أن الولايات المتحدة تنتظر انتخابات نصفية لكونغرسها، وسط منافسة حادة بين الحزبين الكبيرين، وتوقعات راجحة بخسارة الديمقراطيين لهذا الاستحقاق، وأن إدارة بايدن لا تريد تسليح خصومها بأوراق جديدة، وهي التي بالكاد تقوى على صد هجمات الجمهوريين الكاسحة على الإدارة والحزب الديمقراطي والرئيس ونجله.
ومن هذه العوامل أيضا، أن إسرائيل، الخصم الألد والأفعل لسياسة واشنطن التفاوضية مع إيران، بل ومسار فيينا برمته، تواجه بدورها انتخابات مصيرية، يُطل من صناديقها شبح نتنياهو بقوة، والمؤكد أن واشنطن لا تريد أن تضع أصدقاءها الإسرائيليين الأقرب، في خانة ضيقة، ولا أن تزود خصمهم الألد والأشد شراسة: «بيبي»، بمزيد من الذخيرة في حملته على حكومة لابيد وحلفائه.. إرجاء الملف النووي الإيراني ربما يخرجه من بازار الانتخابات الإسرائيلية، وهذا تطورٌ يعمل لصالح لابيد وحلفائه. وثمة عامل ثالث ربما يكون في خلفية القرار، ويتجلى في زيادة انخراط إيران المباشر في الحرب الأوكرانية من بوابة دعم روسيا ومدّها بالسلاح والمدربين، وهو أمرٌ تنفيه طهران وتؤكده واشنطن وبروكسل، فهل يعقل أن تُكافَأ إيران برفع العقوبات عنها، في لحظة تجلي حلفها الإستراتيجي مع موسكو، وفوق الأرض الأوكرانية، التي سينبثق عنها نظام عالمي جديد، وتترسم بنتيجتها قواعده وآلياته؟
أرجح شخصيا أن واشنطن قررت إرجاء الانخراط في بحث عميق مع إيران حول اتفاق فيينا، لبضعة أشهر لا أكثر ولا أقل، ربما إلى ما بعد انتخابات الكنيست والكونغرس وأعياد الميلاد ورأس السنة، ولا أحسب، أنها ستترك إيران ماضية في عمليات التخصيب المُفضية لـ«القنبلة».
وطالما أن واشنطن، ما زالت تفضل طريق الديبلوماسية للتعامل مع هذا الملف، كما قال مسؤول الأمن القومي فيها، وطالما أن واشنطن المنهمكة في حربين غير معلنتين على روسيا والصين، ليست بوارد تفعيل الخيار العسكري ضد إيران، وفتح جبهات حرب جديدة، فإن من المرجح أن تعود لمسار فيينا الدبلوماسي، وأن تعود إليه بأسرع مما قد يُظن.