كل ما يحدث على هذه الأرض هو قضاء وقدر ولا أحد يُنكر هذه الحقيقة، لكِن الله هو خالقنا ودعانا للحفاظ على أرواحنا، فهي أمانة والاستهتار بها مرفوض، لأنَّ الله توَّعد من يرمي نفسه للتهلكة بعذاب كبير.
بكل أسف هناك من يُلقي بنفسه للتهلكة، ويتصرف على هذا الأساس، ففي الآونة الأخيرة ازدادت حوادث السير، والضحية كانوا من المواطنين الأطفال والنساء وشباب في مقتبل العمر، والسبب في ذلك بعض المستهترين الذين لا هم لهم سوى استعراض أنفسهم أمام المارة، حيث يقوم بعض هؤلاء المستهترين باستئجار سيارة فارهة أو جيب ويسير به على الطرقات في الشوارع المزدحمة التي تعج بالأرواح.
هذه التصرفات أوجدت حالة من السخط في صفوف المواطنين بغزة، الذين ألقوا جام غضبهم على المسؤول الذي يتهاون مع هذه الفئة من الشباب، مُطالبين بتشديد الرقابة على السائقين ومحال تأجير السيارات للشباب الذين لم يتجاوز أعمارهم الـ25 عاماً.
دائرة شرطة المرور بغزّة لم تتهاون لحظة مع من يقوموا بمثل هذه الأفعال، بل صادرت مركباتهم وقامت بحبسهم وتقديمهم لجهات الاختصاص لإيقاع العقوبة اللازمة بحقهم.
سمر حماد "37 عاماً" من مدينة رفح، كانت إحدى ضحايا الحوادث المرورية قبل أيام، حيث صدمتها مركبة مؤجرة من نوع "هونداي" في منطقة البرازيل بمحافظة رفح جنوب قطاع غزّة، وقد أوقفت الشرطة السائق الذي لم يتجاوز عمره الـ22 عاماً، رحلت سمر وتركت أطفالها وزوجها يحترقون ألما على فقدانها، رحلت سمر قبل أنّ ترى أبنائها يكبرون أمام عينيها، وقد تناولت وسائل التواصل الاجتماعي بحالةٍ من الألم والغضب مقطع فيديو لزوجها وأبنائها وهم يقفون بجوار ضريحها يرثونها ويدعون لها بالرحمة.
https://www.facebook.com/khbrpress1/videos/534513131370201مواطن يرثي برفقة أبنائه زوجته التي تُوفيت في حادث سير مؤسف قبل أيام جنوب قطاع غزة
Posted by وكالة خبر - Khbrpress on Saturday, November 5, 2022
وعلى إثر تلك الحادثة، عرضت عائلة الشاب الذي قام بدهس المواطنة حماد، منزلها للبيع لكي تتمكن من دفع "الدية" لعائلة المتوفاة سمر حماد، وهذا ما رآه البعض حق لعائلة الفتاة ولكي يتعظ الكثير من السائقين ويلتزموا بقواعد المرور، فيما دعا البعض الآخر عائلة حماد لمسامحة أهل السائق، فهم لا ذنب لهم لكي يخسروا منزلهم الذي يأويهم.
وفيما يلي صورة للمنزل المعروض للبيع جراء الحادثة وردود أفعال المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي:
ولم يمضِ سوى أيام معدودة على هذه الحادثة، حتى أعلنت وزارة الصحة ودائرة المرور بغزّة، عن وفاة الطفلة ديما الشياح "12 عاماً" من مدينة غزة جراء تعرضها لحادث دهس من قبل مركبة جيب من نوع "كيا" قرب ساحة الكتيبة غرب مدينة غزّة، والسائق لم يتجاوز الثانية والعشرين عاماً من عمره.
وماهي إلا ساعات بسيطة حتى وقع حادث آخر راح ضحيته الشاب محمد البحيصي "33 عاماً" من مدينة دير البلح وسط قطاع غزّة، حينما كان يستقل دراجته النارية.
صورة الشاب محمد البحيصي
مشاعرٌ مختلطة من الحزن والغضب انتابت المواطنين وهم يتناقلون أنباء الوفيات في كل يوم نتيجة تلك الحوادث، فتارة تراهم يُحملون شرطة المرور ما يحدث، مُرجعين سبب ذلك لعدم وجود قوانين صارمة تقف بالمرصاد للمستهترين وتمنعهم من الاستمرار بالأفعال الصبيانية التي تحصد أرواح الناس وتُنهي حياتهم، وتارةً لبعض السائقين المستهترين مستشهدين بقصص حدثت معهم وكان السائق فيها هو السبب بتلك الحوادث.
أما البعض الآخر فقد حمّل المواطن الذي يسير في وسط الشارع، وخصوصاً الأهالي الذين يتركون أبناءهم يلهون في الشوارع المزدحمة دون مراقبتهم وإبعادهم عن تلك الطرق الخطرة.
الأستاذ محمد أبو سعدة، وهو مُدرس المرحلة الإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تحدث لمراسلة وكالة "خبر" عن الحوادث المرورية والوعي الثقافي والحياتي للمواطن، فقال: "نحن مسؤولون عن كل تلك الحوادث سواء الأهل أو السائقين أو جهات التوعية والجهات الرسمية مثل شرطة المرور والمدارس والجامعات"، مُضيفاً: "على سبيل المثال الطالب يجب أنّ يكون لديه وعي كامل باحترام الطريق والسير على الرصيف، وعدم الازدحام وقت خروجه من المدرسة، ففي تلك الساعة تكون الشوارع مكتظة بالسيارات والمارة، وعلينا كجهة تعليمية أنّ نُراقب الطالب من لحظة قدومه للمدرسة وحتى خروجه وابتعاده أيضاً عن أسوار المدرسة".
وانتقد أبو سعدة، المدارس في غزّة التي تعتبر الطالب مسؤوليتها وهو داخل جدرانها وما دون ذلك فهي غير مسؤولة عنه.
وتابع: "من المجحف أنّ يُترك الطالب وخصوصاً في المرحلة الدنيا يخرج من المدارس في تزاحم دون أيّ تدخل رقابي، مع العلم أنّ بعض المدارس اتجهت للتعاون مع شرطة المرور لتنظيم حركة السير ومساعدة الطالب على تجاوز الازدحام، وهذه الخطوة في الاتجاه الصحيح".
وختم أبو سعدة حديثه، بدعوة الأهالي لتوعية أبناءهم ومتابعتهم من لحظة دخولهم حتى خروجهم من المدارس، والسائقين أيضاً للتحلي بالصبر أثناء قيادة مركباتهم بجوار المدارس.
على جنبات الطريق وبينما يتبادل مجموعة من الشباب أطراف الحديث، وجّهت مراسلة "خبر" سؤلاً لهم عن السبب الرئيس في تزايد الحوادث المرورية، فأجاب أحدهم ويُدعى باسل، بالقول: "الذنب ليس على السائق، فهو يكون متمرس في عمله منذ سنين، ولكننا نرى بعض المارة يقطعون الطريق دون الالتفات إلى اليمين أو اليسار وخصوصاً السيدات والأطفال، وفي إحدى المرات رأيت طالبتين جامعيتين تسيران في وسط الشارع تضحكان والسائق يصرخ عليهما من أجل الابتعاد عن الطريق لكنهما لم تكترثتان لصراخه، فلو حدث لهن أيّ مكروه سيلقي الجميع المسؤولية على السائق وهم لا يعلمون أنهن السبب في ذلك وليس هو".
وشارك خالد أيضاً رفيقه الحديث عن تجربته برؤية بعض السائقين يسيرون بسرعة كبيرة خاصةً في ساعات الليل وأثناء انعدام الإضاءة، وهو الأمر الذي يؤدي لزيادة الحوادث المرورية، داعياً في الوقت ذاته بلديات قطاع غزّة لوضع أعمدة إنارة على جوانب الطرق الرئيسية والفرعية لمنع متل هذه الكوارث.
السيدة الخمسينية ابتسام كلوسة، قالت لمراسلة وكالة "خبر": "كل الشوارع مليانة بالناس والسيارات صارت أكثر من البني آدمين، ما كنا نشوف هالعدد من السيارات زمان، بتلاقي السواقين بيتقاتلوا على راكب وبيعملوا مشكلة بنص الشارع، وغير هيك بيسكروا الشارع من ورا مشكلتهم".
وتابعت: "أغلب السواقين في العشرينات، أبو عشرين سنة شو بده يفهمه بالقوانين كلها، أبو العشرين مش واعي وما عنده دراية كبيرة في آداب هادي المهنة، مش عارفين انه السواقة مش شهادة ورخصة وسيارة، بقدر ماهي فن وذوق وأخلاق".
"أبو عاهد" وهو صاحب محل لتأجير وبيع السيارات، تحدث لمراسلة "خبر"، عن الشروط التي وضعتها المكاتب للسماح بتأجير المركبات، فقال: "كنت في السابق أقوم بتأجير الجيبات والسيارات للأشخاص الذين يمتلكون رخصة قيادة، بالعادة كانوا يستأجرون منا السيارات من أجل أفراحهم أو في حال كان لديهم مصلحة ليوم أو يومين، وأيضاً نقوم بإجراء ما يلزم لضمان حقوقنا وعودة السيارة سليمة وفي الموعد المُحدد"، مُوضحاً أنَّ لم يُسجل على سيارة قام بتأجيرها أيّ حادث مروري.
وبسؤاله عن السبب الذي جعله يقرر عدم تأجير السيارات، قال: "اكتشفنا أنَّ بعض الشباب يتفقون فيما بينهم على استئجار سيارة للتنزه بها مثلاً، وهم لا يملكون رخصة قيادة، فيبحثون عن شخص من معارفهم وأقاربهم يمتلك رخصة، ويطلبون منه تأجير السيارة باسمه، وهم يقودون المركبة فيما بعد لاستعراض أنفسهم، وبالتي تم تسجيل كثير من الحوادث لشباب صغيرة في مقتبل العمر ولم يحصلوا على رخصة قيادة، وبعد ذلك يتم إلقاء القبض عليهم وحجز مركبتهم، وهنا نتعرض للمسائلة من قبل الحكومة".
وأردف: "صحيح أننا نكسب كثيراً من تأجير السيارات لمدة بسيطة، ويمكن أنّ نجمع ثمن السيارة في وقت زمني قصير، لكِن الأسلم لنا وخصوصاً بعد ازدياد حوادث المرور والطرق التي يتبعها الشباب مع شركات التأجير، هو الامتناع عن تأجير هذه المركبات لأيّ شخص".
ردود أفعال المواطنين عبر الفضاء الأزرق "فيسبوك" جراء تزايد الحوادث المرورية، دفعت البعض للتغريد على وسم "#لا_لتأجير_السيارات".
وفي تقريرها اليومي نشرت إدارة المرور والنجدة في الشرطة بغزّة، إحصائية حوادث السير، وذكرت في بيان صحفي أنّ 8 حوادث سير وقعت خلال 24 ساعة الماضية، نتجت عنها 6 إصابات، إحداها متوسطة، وبقية الإصابات طفيفة".
وأشارت شرطة المرور والنجدة إلى أضرار مادية وتلفيات لحقت بـ 13 مركبة ومكونات الطريق، جراء تلك الحوادث.
وبالصورة الإجمالية أفادت إحصائية إدارة المرور والنجدة بالشرطة، خلال شهر أكتوبر الماضي في قطاع غزّة، بأنَّ 294 حادث سير سُجلت لدى دائرة حوادث الطرق، خلّفت 7 وفيات، و174 إصابة، منها 4 بجروح خطيرة، و71 بجروح طفيفة، فيما أصيب 99 مواطن بجروح طفيفة في تلك الحوادث.
وبيّنت الإحصائية أنَّ الحوادث المذكورة خلفت أضراراً مادية وتلفيات بـ 295 مركبة، من ضمنها 17 دراجات نارية.
ويبقى أنّ نُشير إلى أنّ الحوادث المرورية في فلسطين تمثل حربًا ضروسًا قاتلة، وخطراً يحدق بالمجتمع ويهدد حياة أبنائه، ويثير العديد من النزاعات والمشاكل الاجتماعية والصحية والنفسية، ويخلف العديد من المآسي الأسرية والاجتماعية، وتزداد خطورة حوادث السير يوماً بعد يوم؛ إذ إن أعداد المصابين والمتوفين في غزة نتيجة الحوادث المرورية أصبحت في تزايد مستمر من سنة لأخرى.