عرفات.. ما قبل وما بعد قواعد الاتفاق والاختلاف مع ‏عرفات‏

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم:نبيل عمرو

 

 

حتى داخل فتح وداخل الحلقة ‏الضيقة الملازمة له، لم يكن ‏ياسر عرفات قائد فرقة ‏كشافة يسير الجميع على ‏ايقاعه، بل كان "قائد قادة" ‏يتفقون معه ويختلفون، ولم ‏يكن ذلك ليتم فقط في غرف ‏مغلقة، بل كان يتخذ شكلا ‏علنيا ويصل الى وسائل ‏الاعلام.‏
واذا ما راجعنا مواقف القادة ‏التاريخيين زملاء التأسيس ‏واقطاب المسيرة منذ بدايتها ‏وعبر كل فصولها، فلابد من ‏التوقف وباعجاب عند ‏اختلاف أبو اياد شبه الدائم ‏مع عرفات، وانتقادات ‏المثقف الكبير خالد الحسن ‏أبو السعيد للعديد من مواقف ‏أبو عمار وقراراته الداخلية ‏والسياسية، وكذلك الامر ‏مواقف وتصريحات القدومي ‏الذي كان الأكثر رسمية من ‏التاريخيين جميعا، حيث كان ‏امين سر اللجنة المركزية ‏لفتح ورئيس الدائرة السياسية ‏أي وزير الخارجية في ‏المنظمة، وحتى اذا ما نظرنا ‏الى مواقف الأعضاء ‏الفتحاويين من الصف الثاني ‏والثالث، وحتى صفوف ‏ومستويات القاعدة، فنجد ان ‏الاختلاف مع عرفات مورس ‏على نطاق واسع سواء زمن ‏الثورة والمنفى او زمن ‏التسوية والسلطة.‏
وما كان في فتح التي هي ‏عضلة القلب بالنسبة لزعامته ‏كان ما هو اكثر عمقا وحدة ‏منه داخل منظمة التحرير، ‏وخصوصا على مستوى ‏المؤسسات الرئيسية، فلم يكن ‏المجلس الوطني مجرد تجمع ‏يصفق ويهتف حتى لو كانت ‏غالبيته العظمى من فتح، ‏وللدلالة على هذه الحقيقة ‏اسوق مثلا.. حين رغب ‏ياسر عرفات بأن ينتخب ‏رئيسا لمنظمة التحرير من ‏المجلس الوطني مباشرة ‏وليس من اللجنة التنفيذية، ‏وكان القرار بذلك يحتاج الى ‏ثلثي الأصوات، لم يتمكن من ‏الحصول على ما رغب ‏واراد، وظل الوضع على ‏حاله ولم تتغير فقرة الميثاق ‏التي تقول " تنتخب اللجنة ‏التنفيذية رئيسا لها من بين ‏أعضائها"، وعندما لا يتمكن ‏عرفات من اجتياز حاجز ‏الثلثين في مجلس تسيطر ‏عليه حركته، فهذا يعني ان ‏الاطار الأعلى والأوسع كان ‏يعتمده رئيسا ولكن دون ‏التفريط بالضوابط الدستورية ‏التي تحدد كيفية انتخاب ‏رئيس المنظمة.‏
لم يبق احد من رجالات ‏القيادة التاريخية لم يختلف ‏مع عرفات، سواء داخل ‏الاطار او خارجه، وحين ‏يكون الامر كذلك على ‏مستوى المركز فبكل تأكيد ‏ترى امتداداته على كل ‏مستويات الصفوف التي ‏شكلت بديموقراطيتها ‏وشجاعتها في الاتفاق ‏والاختلاف اهم ظواهر ‏حركة فتح في عهدها ‏الذهبي، حيث كان عرفات ‏يصفها براعية الوحدة ‏الوطنية وصانعة ديموقراطية ‏البنادق.‏

كيف كان عرفات يتعامل مع ‏الاختلاف؟؟
هنا يكمن بيت القصيد فقد ‏كان لدينا حزمة قواعد ‏وتقاليد تحكم العلاقات ‏الداخلية وحدودها وأسقفها، ‏كانت تحدد الى أي مدى ‏يكون الاختلاف مشروعا ‏ومسموحا به.‏
القاعدة الأولى... تحتم الا ‏يصل السجال حال الاختلاف ‏الى الجنوح نحو التخوين ‏والقاء الاتهامات التي تمس ‏بوطنية المختلف معه ‏وتاريخه الكفاحي ومكانته ‏على القمة.‏
القاعدة الثانية... ان لا ‏يستقوي احد مهما كان ‏مستوى وضعه القيادي حال ‏اختلافه مع الرئيس الذي هو ‏القائد العام بأي نظام عربي ‏او اجنبي ، كان مسموحا ‏للمختلفين اجتهاديا ان ‏يروجوا لمواقفهم داخل ‏الإطارات الفتحاوية ‏وجمهورها العريض، والى ‏حد ما داخل تشكيلات منظمة ‏التحرير الحليفة، ولقد اثبتت ‏هذه القاعدة جدواها وصحتها ‏حين وقع الانشقاق الكبير بعد ‏الخروج من بيروت، كانت ‏النتيجة ان بقيت الغالبية ‏العظمى في الجسم الأساسي ‏وهم جميعا ممن لا صلة لهم ‏بالنظم واجنداتها الخاصة، ‏اما الذين وضعوا انفسهم في ‏خدمة النظم فقد ذابوا ‏وتبخروا الى الحد الذي لم ‏يعد لهم وجود.‏
القاعدة الثالثة... وهذه تنطبق ‏على الوضع الذي نشأ بعد ‏العودة الى الوطن، والاندماج ‏في تجربة أوسلو وما نجم ‏عنها، كان مسموحا ‏للفتحاويين وللفصائل تأييدها ‏او معارضتها، حين دخل الى ‏الحياة السياسية والنظام ‏السياسي امر جديد ومختلف. ‏منه برلمان منتخب وحكومة ‏كانت تنبثق عادة عن ‏البرلمان من حيث الثقة ‏والشرعية، وهنا اتسعت ‏مجالات الاختلاف الذي لم ‏يفقد مشروعيته ما دام ‏يمارس داخل الإطارات ‏القديمة والجديدة أي المنظمة ‏والسلطة، لم تكن فتح كلها ‏تؤدي معزوفة واحدة في كل ‏الخيارات والقرارات وحتى ‏حين كان المجلس التشريعي ‏فتحاويا خالصا، كان عرفات ‏يبذل جهدا كبيرا لتأمين ‏اجتياز حاجز الثقة ولم يحدث ‏ولو لمرة واحدة ان تجاوزت ‏الثقة اكثر من 55%.‏
كان عرفات يتعامل مع ‏المختلفين معه ضمن ذات ‏القواعد التي يلتزمون هم بها ‏الا انه كان يوظف الاختلاف ‏لدعم قيادته الشاملة للحركة ‏والسلطة والمنظمة والثورة، ‏كان يتباهى به كمظهر ‏ديموقراطي اذ كثيرا ما كان ‏يقول " انا لا اقود قطيعا من ‏الأغنام" كان يغضب من ‏الشطط والاستفزاز والمغالاة ‏الا انه كان يسيطر على ‏غضبه ويلوذ دائما بطريقته ‏المفضلة الاستيعاب ‏والاحتواء والتي كانت تنجح ‏على الدوام.‏