شعار حرية الدعوة وسرية التنظيم ترفعه جماعة "الإخوان المسلمين" منذ عقود طويلة، فرغم اشتغالها في العمل العام، إلا أنها ترفض أي انتقادات توجه إلى التنظيم، ليس ذلك فحسب، ولكنها ترفض الرد على أي تساؤلات لا تروق لها عما يحدث داخل هذا التنظيم، وترد بعبارتها الشهيرة "شأن خاص".
تعتبر ما يدور داخلها شأناً خاصاً رغم اشتغالها في العمل العام، حيث أعطت نفسها الحق في التعليق على أي شيء وانتقاد أي شخص، فضلاً عن الحديث في أي أمر حتى ولو كان يتعلق بالأمن القومي للوطن.
الجماعة التي تعتمد سرية التنظيم منذ نشأتها في ربيع عام 1928، باتت أحشاؤها الداخلية أمام المارة وعلى الطرق، وباتت الجماعة بجبهاتها المنقسمة هي التي تسعى إلى إخراج ما لا يريد المجتمع أن يعرفه عنها، المجتمع الذي أدرك ألا خير من وراء التنظيم، فبدأ يمارس عادة غض البصر عن مساوئه ويكرر العبارة التي كانت تكررها الجماعة قديماً "سرية التنظيم".
يتراشق "الإخوان" في ما بينهم بالرصاص، فربما أثر الاتهامات المتبادلة أشد وأنكى، يتعاملون بمنطق "أمن الدعوة"، فباتوا يغتالون بعضهم بعضاً تحت لافتة الحفاظ على الدعوة. طالت عمليات الاغتيال شخصيات رفيعة المستوى داخل التنظيم، ماتت الجماعة تحت وقع عمليات القصف المتبادلة بين الجبهات المنقسمة، فلا مستقبل ينتظر التنظيم غير وفاة التنظيم نفسه، فربما يعيش حالة الاحتضار بعدها تصدر شهادة وفاة لتنظيم عاش مئة عام عصياً على المواجهة.
إعلان د. محمود حسين نفسه قائماً بأعمال مرشد "الإخوان" لم يكن مفاجئاً، فقد كتب صاحب هذه المقالة في هذه المساحة نفسها مقالةً في شهر كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي 2021، بعنوان "تنصيب محمود حسين قائماً بأعمال مرشد الإخوان!" من باب استشراف مستقبل التنظيم، وقبل عام تحقق ما طرحناه على أعتاب الرؤية الدقيقة لعمليات الانهيار التالية التي قد تسبق إعلان الوفاة الحقيقية.
إعلان محمود حسين قائماً بأعمال مرشد "الإخوان" قبل أيام سيُعزز حالة الانقسام الداخلي، ويؤدي إلى مزيد من التشظي داخل التنظيم، فقد استند إلى نص لائحي، وهي المادة الخامسة التي تعطيه الحق في تولي منصب القائم بعمل المرشد في حال خلوّ المنصب وعدم وجود أي من نواب المرشد، هذه المادة تعطي الحق لأكبر أعضاء مكتب الإرشاد سناً في تولي المنصب في حال عدم وجود نواب للمرشد، وبما أنه عضو مكتب الإرشاد الوحيد خارج السجن، فقد أعطى الحق لنفسه في تعيين نفسه في هذا المنصب وفق تصورة للمادة اللائحية، وقد تم ذلك من خلال مجلس شورى الجماعة الموالي له.
اعتمد محمود حسين على نص المادة الخامسة في تولي منصب القائم بعمل المرشد، وهي مادة صحيحة في نص اللائحة، ولكن اعتماده هذه المادة يعني اعترافاً ضمنياً بالراحل إبراهيم منير، قائماً بأعمال مرشد "الإخوان"، فقد كان الرجل نائباً للمرشد وتولى قيادة التنظيم بحسب النص نفسه، وبالتالي هذا يستتبع الاعتراف بكل ما أُخذ من قرارات، بما فيها إعفاؤه من عضوية التنظيم.
0 seconds of 0 secondsVolume 0%
وهنا نفهم حقيقة الجماعة وقياداتها التي تدّعي احترامها للقانون والدستور، وهي أول من يخرج على العرف قبل القانون، فرغم أن اللائحة خاصة بها ولا تعني أحداً غيرها، إلا أنه تم استخدامها والاستناد إليها عندما كانت تخدم مصالح المبارزين بها، ورفضوها أو على الأقل قرأوها قراءةً مختلفة عندما تعارضت مع أهوائهم، فلا عرف يجدي مع الجماعة ولا قانون تعترف به.
استناد محمود حسين إلى النص اللائحي سيزيد من مساحة الخلاف؛ فرغم أن هذا الخلاف بدأ يطفح على السطح منذ عام تقريباً، ورغم أنه موجود تحت أرضية التنظيم وهو من عمره، غير أنه كان ينجح في قمع أي تمرد ومواجهة أي اختلاف أو خلاف في وجهات النظر، ودائماً كانت تنتصر الجماعة، فبدت للبعض أنها جماعة متماسكة وهو على غير الحقيقة، لكن لا يزال بعض "الإخوان" يراهنون على اختفاء مسببات هذا الخلاف.
بعض "الإخوان" الذين ما زالوا يؤمنون بالفكرة ويعملون في سبيلها سيزهدون في هذا التنظيم، وهنا سينفض السامر بينما سوف تظل قيادات الجماعة على خلافها؛ هؤلاء "الإخوان" يدركون أنه لم يعد هناك أي أمل في إصلاح التنظيم، وأن ما كان يرفعه من قيم براقة ما هي إلا شعارات مزيفة سقطت في أول اختبار بين القيادات التي كانت تتاجر بهذه الشعارات.
الجماعة التي كانت تتاجر بقدرتها على إدارة شؤون الحكم في أي دولة، وتطرح ضمن رؤيتها إقامة الخلافة الإسلامية عبر ما تسميه بأستاذية العالم، ها هي الآن غير قادرة على إدارة نفسها فظهرت أمراضها الداخلية وصدق ما كان يُقال عنها، فهي جماعة الإخوان المفلسين وليست جماعة الإخوان المسلمين، كما تدّعي، فهي لم تمارس الأخوّة في خلافاتها بين القيادات حتى تُطلق على نفسها "الإخوان"، فضلاً من وصف أعضائها بالمسلمين!
الجماعة التي تطرّف أغلب أعضائها ما بين ممارسات جنائية للعنف ممثلة في ميليشيات مسلحة مثل "سواعد مصر" و"حسم" و"لواء الثورة" و"المقاومة الشعبية" وغيرها، وما بين ممارسات عنيفة تتعلق بممارسة العنف السياسي واللفظي والسلوكي، وربما يضاف إليها العنف التنظيمي، هؤلاء سوف يتقاتلون عما قريب، وربما يسبق ذلك تكفير بعضهم البعض الآخر، فكل فريق حاول اغتيال الآخر ووجه له اتهامات تتعلق بعرضه، مثل السرقة والتعامل مع أجهزة استخبارات أجنبية وخلافه، وهي اتهامات صحّت باتهام كل جبهة للجبهة الأخرى، فكل منهما كان يرد على الجبهة الأخرى بالتهمة من دون نفيها!
أخيراً وآخراً، فقد انتهت "جماعة الإخوان المسلمين" تنظيمياً بعد تعيين محمود حسين قائماً بأعمال مرشد الجماعة، وما يستتبعه من قرارات مماثلة من الجبهة المناوئة، سيزيد من حالة الانقسام والتشظي حتى تنتهي الجماعة تماماً ولا يبقى منها غير لقب المرشد العام وبعض الشعارات التي ما عادت تسمن أو تغني من جوع.