ما إنّ يُعلن الشتاء عن قدومه حتى يُسر محبيه، ويبدؤون في تحضير الأجواء الشتوية والأكلات التي حُرموا من الاستمتاع بها باقي فصول السنة.
ولكل موسم أكلاته وخضرواته وفاكهته التي يمتاز بوجودها، وفي فصل الشتاء تنمو بعض النباتات البرية التي تشتهر بها فلسطين مثل "السبانخ والخبيزة والحمصيص"، والرِجلة وهي تنمو تلقائياً دون تدخل الإنسان في أغلب الأوقات، عدا عن سعرها الرمزي في الأسواق، لذلك تجدها في متناول الغني والفقير.
المفتول الأكلة التي يعشقها الغزيون
وهي عبارة عن كرات صغيرة جداً من العجين مخلوطاً بـ"الدَّقة الغزاوية الحارة" مطبوخة على النار الهادئة، توضع فوقها "اليخنة" وهي عبارة عن مجموعة من الخضار مثل القرع والبصل والطماطم والحمص والبطاطا وغيرها حسب الذوق، توضع في جاط للتقديم ويعلوها قطعاً من اللحم أو الدجاج، وهي من الأكلات التي أجمع عليها الكثير ممن قابلناهم، وعبروا عن عشقهم لها.
إيمان أبو اللبن، قالت لمراسلة "خبر": "أشعر بالفرح حين تُخبرنا أمي أنّ يوم الجمعة ستُعد لنا المفتول، فهي من الأكلات المفضلة والمحببة لقلوب جميع مَّن في البيت، فهي تمدنا بالطاقة وتعطينا احساس بالشبع".
عصام الخالدي، قال أيضاً: "ننتظر يوم العطلة التي نجتمع فيه ببيت جدي، ونأكلها من يد جدتي الحنونة، فالمفتول له طعم مختلف من يد الجدة، تشعر أنّ له نكهة ومذاق خاص، وأيضاً وجود قطع اللحم (واللية) فوقه في صينية التقديم، تُعطيك جرعة إيجابية مفرطة".
فتة العدس من أبرز الأكلات الشتوية
مع نزول أول قطرات الأمطار، تجد الأم الفلسطينية لا تفكر بأيّ طعام سوى شوربة العدس التي ستُقدمها لأسرتها، مع "فتة العدس" بجانب البصل الأخضر والزيتون والفلفل الأحمر والليمون.
تقول سالي الصيفي وهي أم لأربعة أولاد، عن تحضيرها لفتة العدس في الشتاء ورأي عائلتها بهذه الأكلة: "إنَّني أطهو في معظم أيام الشهر العدس بعدة طرق، فنحن كعائلة نعشق أكل البقوليات خصوصاً العدس، وذلك لوجوده في البيت بوفرة نظراً لأننا نستلمه من وكالة الغوث (الكابونة)".
وأضافت الصيفي، في حديثها لمراسلة "خبر": "حينما أطهو العدس ويعلم زوجي والأولاد بمجرد دخولهم باب الشقة، أرى على وجوههم الرضا والقبول وكأنه عيد، فيستعجلونني بوضعه على طاولة الطعام، بشرط أنّ يكون الجرجير والبصل الأخضر والليمون والفلفل بجانب طبق الفتة".
على النقيض، يقول محمد العايدي، إنّه لا يُفضل فتة العدس ولا اليوم الذي تطبخ فيه زوجته تلك الأكلة، مُرفاً: "في اليوم الذي تخبرني فيه زوجتي أنّها ستطهو العدس بمختلف أنواعه، أتناول طعام الغذاء إما في مطعم للوجبات السريعة، أو أذهب عند أمي لتناول وجبة الغداء، أنا لا أعلم كيف يحب الناس تلك الأكلة؟؟".
أسرة الصيفي ليست الوحيدة التي تطهو العدس خلال فصل الشتاء، إذ أنّ تلك الأكلة وإلى جانبها مجموعة من الأكلات شاعت بين الفلسطينيين، لتصبح ضمن أبرز أطباق الشتاء، منها "الحمصيص، الخبيزة، المفتول، الملفوف، البسارة، فتة الحمص، المعجنات، الكشك، الرومانية، السماقية، فطائر السبانخ، المجدرة، المسخن"، وغيرها من الأكلات ذات السعرات الحرارية العالية.
الخبيزة
أبو صالح لديه قطعة أرض كبيرة شمال قطاع غزّة، حيث يحرص دائماً على زراعة الخضار بكافة أشكاله، بالإضافة لنمو النباتات البرية الشتوية فيها والتي يحرص على الاعتناء بها، لكي يبيعها مع باقي المحاصيل متل الخبيزة والحمصيص، فقال: "هناك إقبال كبير من المواطنين على شراء الخبيزة معلوم المصدر، ولأن الخبيزة كالنباتات البرية الأخرى تنمو من غير تدخل المزارعين، فهي معرضة إما لسير الحيوانات عليها مثل الكلاب أو القطط، أو نموها بجوار برك الصرف الصحي والتي يقوم البعض بخلعها للأسف وبيعها للناس وهي مضرة جداً، لذلك الكثيرين يعلمون جيداً أنّ أرضي مُسورة ومزروعة بالكثير من الخضار بعيداً عن الحيوانات، فيقبلون على شرائها وهم مطمئنون ".
جدير بالذكر أنّ الخُبيزة وغيرها من الأعشاب البرية تنمو في الأسابيع الأولى لفصل الخريف، وتزامناً مع سقوط الأمطار على قطاع غزّة، وتنتشر على مساحات واسعة من الأراضي، ويستخدمها المواطنون في غزّة والضفة كـ"أكلات شعبية".
الحمصيص
فداء صباح، تُحدثنا عن عشقها للحمصيص، فقالت "هي من أكثر الأكلات التي أعشقها، حتى أنني أحبها أكثر من اللحوم والأسماك، فسعرها بسيط جداً، ولا تتواجد إلا في فصل الشتاء لأنّها تعطينا طاقة كبيرة وتحسسنا بالدفء".
الكشك
وعن طريقة إعداد بعض الأكلات الفلسطينية، تقول السيدة حليمة: "إنَّ أبرز تلك الأكلات في بيتها، أكلة الكشك، التي يغلب عليها اللبن الحامض المطبوخ، ويعطي للجسم حرارة وطاقة، وهي تتكون من الكشك المُجفَّف، والمنقوع قبل الاستخدام بليلةٍ كاملة، وجريش القمح، ومن الجميد المنقوع، والمهروس، اللّبن الرائب المخضوض والحمّص والعدس المسلوق، والثوم المهروس، وزيت الزَّيتون".
نصائح أخصائي التغذية في فصل الشتاء
يُقدم خبراء التغذية عبر وسائل الإعلام المختلفة، نصائح مهمة للتغذية وحماية جسم الإنسان من الأمراض في فصل الشتاء حيث يوصون بتناول الطعام الصحي خلال فصل الشتاء بالتزامن مع تنشيط خلايا الجسم والدورة الدموية لزيادة قوة المناعة إضافة لزيادة الاهتمام بالأطفال الرضع من خلال زيادة كمية الرضاعة والملابس القطنية.
وتقول ولاء عابد وهي أخصائية التغذية: "إنّه من الطبيعي أن يتجه الفرد في فصل الشتاء إلى زيادة الطعام، لأنَّ الجسم بحاجة إلى طاقة أكثر من أيّ فصل آخر بسبب انخفاض الحرارة والبرودة"، مُشدّدةً على أهمية تناول الطعام الصحي بكثرة لأنه يزيد مناعة الجسم في مواجهة الفيروسات، بالإضافة لأهمية شرب الماء بكثرة لما له من فوائد كبيرة وعظيمة لجسم الإنسان أهمها تنظيم الحرارة داخل خلايا الجسم.
وتابعت في حديثها لمراسلة "خبر": "إنَّ تناول الغذاء بكثرة بحاجة أيضاً إلى حركة ونشاط وتمارين رياضية لتنشيط خلايا الدم ومساعدة الجسم في إفراز الطاقة وإضافة قوة للمناعة في مواجهة الفايروسات والأمراض، وخاصة النزلات الرئوية، كما أنَّ الحركة تُعطي الجسم حرارة ودفئ أكثر من الجلوس تحت الغطاء أو بجانب عناصر التدفئة".
وفيما يتعلق بالأطفال الرضع، فقالت: "من المهم تغذية الأطفال الرضع بشكل جيد، وأنّ لا يتم إهمالهم من الأمهات، لأنّ تغذيتهم الجيدة تُقلل إصابتهم بأمراض الشتاء وتزيد مناعتهم في مواجهة الفايروسات".
كما شدّدت على أهمية التغذية الجيدة لأطفال المدارس نظراً لضرورتها في نمو أجسادهم، مع التنوع في تناولهم للأطعمة من خضار وفواكه وبقوليات، إضافةُ إلى الاهتمام الجيد بملابسهم القطنية لحمايتهم من نزلات البرد.
وعن تناول المشروبات الساخنة والباردة، قالت: "لا أفضل تناول المشروبات الباردة، لأنّها تعمل على تقلص الأوعية الدموية، أما الساخنة فتعمل على حرق الفم والمريء، لذلك ننصح بزيادة شرب السوائل والمياه والمشروبات الدافئة".
واستطلعت أيضا وكالة "خبر" آراء المواطنين عن أكلاتهم المفضلة في فصل الشتاء، عبر موقع "فيسبوك"، وكانت على النحو التالي: